على أرض مصر كثير من الأبنية التي تعبر عن العراقة والتاريخ، وشكّلت من خلال أساليبها الفنية المختلفة متحفا مفتوحا يمكنك من خلاله التعرف على الطراز المعماري الفني لهذه الحقبة الزمنية. وفي سلسلة من الحلقات المستمرة خلال شهر رمضان، نغوص في عالم من الفنون تَشكّل على أرض مصر، نتعرف على طرزها المعمارية وقصص نشأتها، ونستكشف عوالمها الفنية البديعة، في رحلة عبر التاريخ، من خلال كتاب "قصور مصر"، للكاتبة سهير عبدالحميد. تقول الكاتبة في مقدمة كتابها: "قصور مصر تاريخ لا يزال حيا، لأنها ليست مجرد أمكنة وجدران وشوارع، إنما هي سجل يخلد أسماء وشخوصا وأحداثا، رمز لنمط عمارة ساد وظروف عصر وثقافة مجتمع تقلبت عليها السنون، وظلت تحمل شيئا من توقيعه لا يزال محفورا في ومضة هنا وأخرى هناك". قصر الجوهرة.. مبنى على أطلال المماليك بالقرب من باب العزب الذي شهد مقتل المماليك في مذبحة القلعة الشهيرة، أمر الباشا محمد علي بهدم ديوان الغوري وقايتباي ودوائر بنايات وقصور المماليك ليقيم مقر حكمه، قصر الجوهرة، وأقام جواره قصر الحرملك "المتحف الحربي حاليا". ذكرت الكاتبة أن من موضع قصر الجوهرة كان يمكن رؤية منظر جميل يمتد فوق المدينة يصل إلى ما وراء النيل والأهرامات، ومن ناحية جامع محمد علي نرى المآذن الممشوقة، هكذا تحدث الرحالة الفرنسي "إدمون بوتي" عن هذا القصر، وذكر الجبرتي أن الباشا قد هدم مقر ديوان الغوري وما اشتمل عليه من بنايات، وأقام عليه هذا القصر على الطراز الرومي، مستخدما الأخشاب بدلا من الأحجار، وطليت جدرانها بالبياض الرقيق والأدهان والنقوش عام 1814. بني القصر في الجهة الخلفية لجامع محمد علي على الطرف الجنوبي للسور الجنوبي للقلعة، وقد بني على أساسات من الحجر والطوب، أما القواطيع والأسقف فخشبية وزينت بألواح الجص الملون وزينت جدرانه وأسقف القاعات والغرف بنقوش وزخارف شرقية تتماشى مع الطراز، الذي بني عليه القصر وهو الطراز العثماني الرومي. والطراز الرومي هو نوع من الزخرفة التى كانت شائعة فى مقر الخلافة العثمانية، وانتقلت إلى الولايات التابعة لها، وتقوم هذه الزخرفة على عنصر الفروع النباتية المرسومة بطريقة خاصة لا تخضع فى شكلها واتجاهاتها ونموها لنظام الطبيعة، مما جعل لها طابعا خاصا بها يمكن معه أن نطلق عليها "زخرفة التوريق العثماني" أو "الأرابيسك العثماني". تميز هذا الطراز الرومي بأنه يجمع بين طابع الإنشاء فى جنوب اليونان حيث ولد محمد علي وبين الطابع التركي للمساكن، وقد عمل محمد علي على تعليم الصناع والعمال الوطنيين تلم الأساليب الفنية الجديدة، فكان يحث هؤلاء الأجانب على تعليم الوطنيين المصريين المشتركين معهم فى العمل، وفق كتاب "عروشٌ تتهاوَى: النهايات الدرامية للأسرة العلوية". اندمجت أيضا مع هذا الطابع العثماني بعض الطرز الأوروبية "الروكوكو" -التي تحدثنا عنها في الحلقة السابقة- وظهرت في الوحدات الزخرفية المتكررة والمناظر الطبيعية، وظهرت نقوش للآلات الحربية والموسيقية وصور الأسطور المصري، وهو جزء من مميزات الطراز الرومي، وعلقت بالجدران مجموعة من الصور تمثل قصص ألف ليلة وليلة وأخرى تعبر عن ملابس الموظفين الأتراك في القرن ال18 الميلادي، كما صممت القاعات من الخشب، وأهم هذه القاعات البهو الرئيسي للمجلس العالي ثم قاعة العرش -الفرامانات- ويطلق على هذا القصر "الكشك" نسبة إلى طراز الأكشاك العثمانية، الذي يميز البناء، إلى جانب طراز الروكوكو. اقرأ أيضا: أماكن وطرز معمارية (5).. قصر ديجليون الذي صممه معماري فرنسي بلمسات إسلامية