قضى أوباما عامًا محاولاً القيام بالأشياء بطريقة تعاونية، لكن النظام كان غير متعاون. والآن يجب عليه تحمل المسئولية مباشرة، وعدم ترك القيادة للكونجرس. غدا، وتحديدًا يوم 20 يناير، سوف يبدأ أوباما عامه الثانى فى الحكم. وعندما يقوم بحلاقة ذقنه فى ذلك الصباح، سوف ينظر إلى هذا الانعكاس الذى فى المرآة ويتساءل: حسنًا، ماذا تعلمت؟ دعونا نحاول الإشارة إلى خمسة دروس أساسية: أولاً: سوف يظل الحزب الجمهورى فى حالة حرب سياسية دائمة ضده. وعندما تظهر مذكرات أوباما بعد أعوام كثيرة من الآن، سوف نقرأ كيف صُدم إزاء مقاومة الحزب الجمهورى الضارية لكل ما أراد القيام به. وقد أدهشنى ذلك أيضًا. ولا يعنى ذلك أننى أو أوباما قد توقعنا من الجمهوريين أن يكونوا ودودين أو سذج. لكن المسألة أن عددًا قليلاً من الجمهوريين من أعضاء مجلسى الشيوخ والنواب يمثلون ولايات فاز فيها أوباما، وهو ما كان يعنى فى سياقات سابقة أن هؤلاء المشرعين وعددهم ثلاثة أو أربعة فى مجلس الشيوخ ونحو خمسة عشر فى مجلس النواب سوف يرغبون فى التعاون. لكن الجمهوريين توقفوا عن التصرف بهذه الطريقة. ثانيا: ليس المشرعون من الحزب الديمقراطى الذى ينتمى إليه أوباما حريصين على تقديم خدمات كبيرة له. وهناك نظام برلمانى فى بريطانيا يتصرف خلاله الحزب باعتباره حزبًا، أى بطريقة موحدة. ويعمل الحزب الجمهورى بالطريقة نفسها، نتيجة تماسكه الأيديولوجى، على عكس الديمقراطيين. غير أن الديمقراطيين لا ولن يتصرفوا كذلك. ويمثل ستاباك، عضو الكونجرس عن ولاية ميتشيجان الحالة الأكثر فجاجة وإن كانت ليست شديدة التأثير من بين حالات متطرفة عديدة. إذ يعارض ستاباك حق الإجهاض، ويعلق موافقته على قانون الرعاية الصحية على مطالب سوف يترتب عليها قيام الحزب الديمقراطى الذى يؤيد حقوق الإجهاض بسن قانون يفرض فى الواقع قيودًا جديدة على تمويل الإجهاض. لكن الديمقراطيين يحتاجون إلى صوته، ومن ثم يمكنه إملاء شروطه. ثالثًا: لن تساند القاعدة الليبرالية أوباما فى السراء والضراء. وتوجد بعض المبررات لدى اليسار كى يشعر بالغضب. فعندما يتحدث أوباما علنًا عن أهمية خيار دعم الدولة لبرنامج الرعاية الصحية كما قال فى الخريف الماضى بينما يقول مساعدوه فى الخفاء للمشرعين وأعضاء جماعات الضغط أن مسألة دعم الدولة للتأمين الصحى قابلة للتفاوض وهو ما قام به البعض منهم فى الخريف الماضى فربما يثير ذلك الاستياء. لكنه صحيح كذلك أن الناشطين الليبراليين أصبحوا نافدى الصبر أكثر من اللازم، وفى بعض الأحيان يكونون على استعداد بل وتقريبًا تواقين للانغماس فى السخرية من الحزب الديمقراطى والنظام الأمريكى. رابعًا: ظل الناخبون الواقفون فى المنتصف متشككين فى الليبرالية، وغير واثقين من أن الحكومة بمقدورها القيام بأى عمل جيد لتحسين حياتهم. وكما كتبت فى العديد من المرات، كان فوز أوباما على جون ماكين بمثابة تأييد من الناخبين لحدوث انعطافة قوية نحو اليسار، ورفض للنزعة المحافظة. لكنه لم يكن يعبر عما تتبناه الليبرالية. وقد أصبح هؤلاء الناخبون أكثر تشككًا اليوم مما كانوا عليه قبل عام، وهو ما يمثل مشكلة كبيرة. خامسًا: لم تعد وسائل الإعلام الأمريكية تقوم بالمهمة السامية المتعلقة بكشف الحقائق بصورة قاسية ومحاسبة المسئولين، وبكونها أعين الناس وآذانهم. بل إن معظم وسائل الإعلام السياسية تقوم بالتحريض على المعارك الفوضوية وتقوم بدور الحكم فيها، كما تقوم بتحكيم الحكمة التقليدية القائمة على الأهواء. وبما أن تراجع الإيرادات يفرض المزيد من الضغط على وسائل الإعلام كى تقوم بالمراقبة والتقييم والانتقاد، فسوف يتزايد هذا الاتجاه. وبالرغم من أن الإعلام خلال تاريخه الطويل لم يكن مجيدًا بحال من الأحوال، فإن هناك فترة من الخمسينيات إلى الثمانينيات كانت فيها المسئولية المدنية أكثر مركزية بالنسبة للصحافة السياسية. وقد تراجع هذا التوجه، ومن المرجح أن يستمر فى التراجع. هذه حلاقة طويلة نوعًا ما، وهى الحلاقة التى تزيد احتمالاتها على مجرد إحداث بعض الجروح فى الوجه. لكن هذه هى القطع الخمس غير السهلة التى يجب على أوباما ترتيبها على هيئة إستراتيجية حكم متماسكة. وفى عامه الأول فى الحكم، لم يتعامل أوباما مع أى من هذه التحديات ببراعة. فبعد إقرار قانون الرعاية الصحية بافتراض أنه سيجرى إقراره سوف يكون على أوباما والبيت الأبيض أن يظهرا أنهما قد استفادا من الأخطاء التى تم ارتكابها. ولم يصبح أوباما فى وضع سىء بعد حيث ما زال يحظى بتأييد حوالى 50% من الأمريكيين، ويوشك أن يقوم بالتصديق على قانونه التاريخى. لكن الأمور فى البلاد ما زالت فى حالة شديدة السوء فيما يتعلق بالاقتصاد وحالة الاختلال الوظيفى للثقافة السياسية حتى إن المرء ليشعر أن أوباما يتنفس بالكاد فوق خط الماء. ويجب أن يراه الناس فى نهاية العام الثانى له فى الحكم وقد اضطلع بالمزيد من المسئولية المباشرة عن الأشياء. ويجب أن يكون الاقتصاد فى المركز والمقدمة، ولا يجب أن يترك القيادة للكونجرس، كما فعل فى قانون الرعاية الصحية. لقد مارس قيادة مهام وظيفته فى وقت صعب، حينما كانت الأمور سيئة إلى درجة لم تشهدها أمريكا منذ عقود طويلة. وقضى عامًا وهو يحاول أداء الأشياء بطريقة تعاونية. لكنه ثبت أن النظام غير متعاون فى الغالب. والآن، أصبح يعود الأمر إليه. فهو من سيحكم عليه الناخبون، وهذا ما يعلمه جيدًا الرجل الآخر الذى فى تلك المرآة. Guardian Syndication