مع سعي الولاياتالمتحدة لتقليص وجودها في الشرق الأوسط، بدا أن المعادلة الأمنية التي ظلت قائمة منذ فترة طويلة والتي تعتمد على الشراكة مع واشنطن، ستبدأ في الاختلال، ومن ثم البحث عن وسائل أخرى لضمان الأمن في المنطقة. يقول الباحث مصطفى فاتح يافوز، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست الأمريكية"، إن إسرائيل، التى تتمتع "بعلاقة خاصة" مع الولاياتالمتحدة، راقبت الأحداث الأخيرة في أفغانستان عن كثب. وبالنسبة لإسرائيل، هناك قلق حقيقي بشأن الانسحاب الأمريكي الوشيك من سورياوالعراق، وهما دولتان على مقربة جغرافية من إيران. إن الدعم من جانب الولاياتالمتحدة على هذه الجبهات أمر بالغ الأهمية لأمن إسرائيل. ويقول الاسرائيليون إن البرنامج النووي الإيرانى يمثل تهديدا خطيرا للغاية لوجود إسرائيل في المنطقة. ومع ذلك، يقول الباحث يافوز، مراسل شبكة "تي آر تي" التركية في القدس، إن إسرائيل، ككيان جغرافي، ليس لديها مساحة كافية للمناورة خلال الحروب وتفتقر إلى العمق الاستراتيجي للدفاع عن نفسها ضد أعدائها. وعلى هذا النحو، ولأن إسرائيل تدرك جيدا أن التهديد الذي تشكله إيران يتجاوز القدرة العسكرية لإسرائيل، فإن إسرائيل لن تغامر بالاشتباك مع إيران مباشرة. ولهذا السبب، فإن الخيار الأفضل لإسرائيل هو أن تتعامل قوة عظمى مع التهديد. وهذا يلخص اعتماد إسرائيل الحالي على الوجود الأمريكي المستمر في المنطقة. وبصرف النظر عن البرنامج النووي الإيراني، فإن التهديد الوشيك يأتي في الواقع من وكلاء إيران في المنطقة. وفي سورياوالعراق، تستخدم إيران فعليا وكلائها لزيادة نفوذها إلى أقصى حد. وفي لبنان، يرتبط "حزب الله" ارتباطا مباشرا بإيران سياسيا وعسكريا. وتوفر هذه الصلة ميزة جغرافية لإيران إذا تم التخطيط لهجوم ضد إسرائيل. وتنظر إسرائيل إلى وجود القوات الأمريكية في المنطقة على أنه عامل توازن لمواجهة هذا العائق الجغرافي والتهديد الوشيك القادم من إيران ووكلائها. وكان اغتيال أمريكا المروع لقاسم سليماني في العام الماضي دليلا على ذلك، وأظهر مدى أهمية القوات الأمريكية والإمكانيات العسكرية لمواجهة التهديد الإيراني لإسرائيل، وفقا لما يقوله يافوز. كما يرى يافوز أن الدعم الأمريكي لإسرائيل لا يوفر الأمن لإسرائيل من الناحية العسكرية فحسب، بل يوفر فرصة لإسرائيل لتطوير علاقات محسنة مع الدول المجاورة لها. وعلى الرغم من الاغتباط الذي أحاط باتفاقات أبراهام، أضفت هذه الاتفاقات الطابع الرسمي على العلاقات القائمة بالفعل بين دول الخليج العربية وإسرائيل. والواقع أن الاتفاقات تشكل محورا ضد إيران والوكلاء الإيرانيين والإسلام السياسي، وكلها تعتبرها معظم دول الخليج تهديدا لأمنها. وبالإضافة إلى ذلك، كانت الاتفاقات بمثابة رسالة من دول الخليج إلى الولاياتالمتحدة تظهر أنها دول شريكة حيوية للولايات المتحدة في المنطقة. ويقول يافوز إن إسرائيل استفادت أكثر من غيرها من الاتفاقات من الناحية الاقتصادية. ويظهر المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي أن التجارة الخارجية لإسرائيل مع دولة الإمارات قفزت من 50 مليون دولار إلى 613.9 مليون دولار في عام واحد. ولكن كل هذا حدث بفضل مقولة شهيرة، وهي أنه في الشرق الأوسط، يمر الطريق إلى واشنطن عبر تل أبيب. وبعبارة أخرى، إذا كانت لديك علاقة جيدة مع إسرائيل، فقد تحصل على دعم الولاياتالمتحدة. وفي خضم الهياج بسبب انسحاب الولاياتالمتحدة من أفغانستان، أشار عدد من الجنرالات والمحللين الأمنيين الإسرائيليين السابقين إلى أن إسرائيل قادرة تماما على حماية نفسها في المنطقة حتى من دون وجود أمريكي في الشرق الأوسط. ومع ذلك، يعتقد بعضهم أن الولاياتالمتحدة لن تتخلى أبدا عن إسرائيل. ومع مراعاة ذلك، من المنطقي التشكك في هذه الافتراضات الخاصة بالاكتفاء الذاتي. واعتبرت حركة حماس انسحاب الولاياتالمتحدة من أفغانستان انتصارا لحركة طالبان وبالتالي هزيمة للولايات المتحدة. وهذا تطور لا يمكن لإسرائيل أن تتغاضى عنه. ويقول يافوز إنه بالنسبة لجماعات مثل حماس وغيرها من الحركات المناهضة للصهيونية، فإن انتصار جماعة تعتبر نفسها جهادية مثل طالبان على الولاياتالمتحدة يظهر أنه لا توجد قوة لا تهزم. وبالإضافة إلى ذلك، قد تعتمد إيران الآن على انسحاب الولاياتالمتحدة من العراق. وسيكون هذا تطورا جديرا بالترحيب من جانب طهران، التي ستكون قادرة على تعزيز وتعميق نفوذها في العراق. ويوضح الباحث أنه ينبغي أن تقلق إسرائيل من أن المساعدة العسكرية الأمريكية ودعمها الدبلوماسي شبه المشروط قد يصبحان مشروطين الآن. وقد اعترفت دول الخليج العربية بالفعل بهذه الديناميكية الجديدة في المنطقة. والآن، تريد الإمارات تحسين علاقاتها مع تركيا، وقد كانت هناك مشاركة دبلوماسية مؤخرا بين مصر وتركيا. وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أن قطروالإمارات والسعودية تتخطى العداوة القديمة. وتمتعت إسرائيل ببيئة استراتيجية حيث كانت هذه الجهات الفاعلة معادية لبعضها البعض خلال عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو. والآن، هناك توازن جديد في المنطقة، ولا يمكن لإسرائيل أن تترك خارجه. ويقول يافوز إنه نظرا لهذه المخاوف، وفي حال انسحاب الولاياتالمتحدة الكامل من الشرق الأوسط، قد تجد إسرائيل نفسها في مواجهة العديد من السيناريوهات المختلفة، التي تتطلب منها إيجاد حلفاء آخرين في المنطقة لأمنها. وبرغم اتفاقات أبراهام والمواقف الجديدة للدول في المنطقة، لا تزال إسرائيل تجد نفسها بين دول عربية معادية. على سبيل المثال، تشير بعض تقارير متضاربة إلى أن إسرائيل تعارض بيع مقاتلات من طراز (إف 35) إلى الإماراتوقطر. ويرى يافوز أنه بالنظر إلى الغموض الذي ظهر مرة أخرى خلال الربيع العربي ووسط التحالفات المتغيرة في المنطقة، فإن مخاوف إسرائيل من إمكانية استخدام هذه المقاتلات ضد إسرائيل في يوم من الأيام لها ما يبررها. ويختتم بالقول إن الإجراءات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، وخاصة تجاه المسجد الأقصى، يمكن أن تغير بسرعة مواقف الشعوب والأنظمة العربية في المنطقة إذا انسحبت الولاياتالمتحدة منها.