بينما استولت طالبان بسرعة على السلطة في أفغانستان وسط انسحاب قوات الناتو وانهيار الجيش الوطني، ظهر جيب صغير للمقاومة في مقاطعة بنجشير الشمالية، ما يعيد الحديث عن التحالف الشمالي الذي قاوم طالبان قبل عقدين من الزمان. وعلى الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح مدى حجم التهديد الذي يشكله لتحالف الجديد على طالبان، إلا أن إعادة ميلاد المجموعة المعروفة رسميًا "باسم الجبهة الإسلامية المتحدة" لإنقاذ أفغانستان "مليء بالرمزية"، حسب وصف "إندبندنت" البريطانية. كانت مقاطعة بنجشير الشمالية التي تقع على بعد 70 ميلاً شمال العاصمة كابل، معقلاً للمقاومة خلال العقود الماضية، حيث صمدت أولاً ضد السوفييت في الثمانينيات، ثم ضد طالبان خلال فترة حكمهم التي استمرت خمس سنوات، في مطلع الألفية قبل الغزو الأمريكي. أمر الله صالح الآن وبعد سيطرة طالبان، يبدو أن عددًا من القادة السياسيين والعسكريين الذين لهم صلات بالحكومة المخلوعة حديثًا ومقاومة القدامى يعيدون تجميع صفوفهم. ومن بينهم النائب الأول لرئيس أفغانستان، أمر الله صالح الذي أعلن - في أعقاب فرار الرئيس أشرف غني إلى الإمارات العربية المتحدة يوم الأحد - نفسه "الرئيس المؤقت الشرعي" بموجب الدستور الذي توسطت فيه الولاياتالمتحدة في عام 2004. صالح الذي ولد وتدرب على القتال في "بنجشير" قبل أن يقود في نهاية المطاف وكالة الاستخبارات الأفغانية، دعا الأفغان إلى الالتفاف حوله كونه الرئيس الشرعي للبلاد، مضيفاً أنه لا زال داخل أفغانستان ويتواصل مع جميع القادة لتأمين دعمهم وتوافقهم. أحمد مسعود ورقة أخرى يمكن أن تمثل تهديداً لطالبان، هو أحمد مسعود البالغ من العمر 32 عامًا - نجل الزعيم السابق ذو الشخصية الكاريزمية للتحالف الشمالي أحمد شاه مسعود، الذي قُتل على يد قتلة القاعدة قبل يومين من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لكنه لا يزال شخصية رمزية بين الطاجيك الذين يسكنون شمال أفغانستان، والذين كانوا يشكلون في السابق الجزء الأكبر من التحالف. وفي مقال رأي لصحيفة واشنطن بوست يوم الأربعاء، دعا مسعود إلى الدعم الغربي والسلاح لمحاربة طالبان. وقال "أكتب اليوم من وادي بنجشير، وأنا على استعداد لاتباع خطى والدي، مع المقاتلين المجاهدين المستعدين لمواجهة طالبان مرة أخرى." تقول صحيفة "إندبندنت" البريطانية، إن التحالف الشمالي جعل من بنجشير قاعدة للجواسيس والقوات الخاصة الأمريكية يمكن من خلالها شن الغزو الذي هزم طالبان في النهاية، لكنه - حسب الصحيفة - يبدو أنه من غير المحتمل أن يكون هناك العديد من أوجه التشابه مع هذا الفصل في التاريخ هذه المرة. علاوة على ذلك، لا يزال من غير الواضح مدى أهمية أي مقاومة من جانب الحلف، أو ما إذا كان الرفض مجرد مقدمة لحل وسط مع طالبان، تضيف الصحيفة. وأفادت تقارير أن مسؤولين أفغان سابقين أشاروا إلى أن عدد القوات الخاصة التي دربتها الولاياتالمتحدة والجيش السابق والتي ترددت شائعات بأنها ستعود إلى هناك لا يتجاوز عددها 2500، ما يشير إلى أن تشكيل هذا التحالف غير واضح. ويقال إن المتحصنين هناك مسلحون بشكل سيء. في المقابل، استولت طالبان على ما قيمته مليارات الجنيهات من المعدات العسكرية الأمريكية الممنوحة للجيش الأفغاني، بما في ذلك مروحيات "بلاك هوك" وطائرات بدون طيار وعربات "همفي" وعربات مدرعة مقاومة للألغام. وفي حديثه لصحيفة نيويورك تايمز، أشار صالح إلى أن الجماعة كانت تتطلع إلى تحقيق سلام "حقيقي" مع طالبان، لكنها لا تنفر من القتال. وقال: "إذا كانت طالبان مستعدة لإجراء مناقشات هادفة ، فسوف نرحب بها"، مضيفًا أن الحركة تؤمن "بعملية سلام حقيقية، وهو أمر غير موجود في الوقت الحالي". وأضاف أنه نجا من "هجومين وكمين واحد" بينما كان يقود سيارته إلى بنجشير يوم الأحد لماض، ورفض صالح "المساومة على أسرارنا العسكرية أو أمن العمليات" من خلال مناقشة حجم القوة المتجمعة في الوادي، لكنه قال: كانت المجموعة "على رأس الموقف وتنظيم الأمور" وكانت على اتصال بقادة لم يتم الكشف عن أسمائهم قاتلوا طالبان قبل عقدين من الزمن. ما التحالف الشمالي؟ التحالف الشمالي في الأساس هو تحالف جماعات معارضة، تشكل في لمناهضة حكم طالبان في أواخر عام 1996. ومنذ بدايات عام 1999 كان أحمد شاه مسعود القائد الرئيسي الوحيد القادر على الدفاع عن هذه المنطقة ضد طالبان، وبالتالي بقي في الواقع القائد العسكري والسياسي الذي اعترف به أعضاء من كل المجموعات العرقية بالبلاد. وقبل الغزو الأمريكي الذي أنهى حكم طالبان نهائياً، تمكن التحالف الشمالي من السيطرة على 30% من أراضي أفغانستان في عدة ولايات شمالية. لكن قدرة هذه التحالف على التشكل من جديد محل شكوك من قبل المجتمع الدولي.