استعرضت إيران عضلاتها باحتلال بئر متنازع عليها لا تعمل على حدودها مع العراق وهو مؤشر لبغداد لما يمكن أن تفعله طهران في حالة تهميشها وللغرب عما ربما يكون عليه رد الفعل الإيراني في حالة فرض مزيد من العقوبات. ويوم الجمعة الماضي رفع 11 جنديا إيرانيا علم بلادهم على بئر النفط الواقعة في منطقة حدودية محل نزاع بين إيران والعراق, وتراجع الجنود لمسافة متخلين عن السيطرة على البئر, وطالب العراق بانسحاب كامل. وجاء التحرك فيما كان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يستعد لزيارة مصر وعلاقاتها فاترة مع إيران ومع إبرام العراق صفقات مع شركات بترول غربية كبرى يمكن أن تجعل منه دولة منتجة من الفئة الأولى. ورغم أن السيطرة على البئر كانت خطوة رمزية إلى حد كبير فإن ما اعتبره كثيرون رد فعل ضعيفا من المالكي قد بسبب له مشاكل في الانتخابات البرلمانية التي من المقرر أن تجري في السابع من مارس. يذكر أن المالكي الشيعي يرتبط بعلاقات تاريخية بإيران ذات الأغلبية الشيعية. وثمة تاريخ طويل من النزاعات الحدودية بين البلدين التي كانت جزءا من الأسباب التي قادت إلى حرب مدمرة امتدت ثماني سنوات في الثمانينات من القرن الماضي. وألقى النزاع حول البئر بظلاله على الأسواق ودفع أسعار الخام للصعود وأبرز المخاطر المرتبطة بسلسلة من الصفقات النفطية التي ابرمها العراق مع شركات بترول كبرى هذا العام. والصفقات التي أبرمت في العراق لأول مرة منذ الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة في عام 2003 يمكن أن ترفع طاقة الإنتاج لما يزيد عن أربعة أمثال لينافس العراق السعودية أكبر منتج في العالم. ويقول المحلل غسان العطية من المعهد العراقي للتنمية والديمقراطية: "أنها رسالة واضحة لشركات النفط الأجنبية .. لا يمكنكم أن تأتوا وتستخرجوا البترول العراقي وفي نفس الوقت تضغط حكوماتكم علينا." ويوم الثلاثاء الماضي أقر مجلس النواب الأمريكي تشريعا يفرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي تساعد في تزويد إيران بالوقود وهو إجراء يأمل مشرعون أن يردع إيران عن المضي قدما في برنامجها للطاقة النووية. وفازت رويال داتش شل أكبر شركة بترول اوروبية وبتروناس الماليزية المملوكة للدولة وجازبروم الروسية وكوجاز الكورية و(تي.بي.او.ايه) التركية في الآونة الأخيرة بصفقات لتطوير حقول نفط عراقية قرب الحدود مع إيران. وبالنسبة للدول المستهلكة للنفط فان مجرد ارتفاع مؤقت في أسعاره العالمية قد يسبب أوجاعا اقتصادية كبرى. وقال جوان كول المؤلف والخبير في شؤون الشرق الأوسط على موقعه: "ربما تكون (الخطوة) تذكرة لإسرائيل والولاياتالمتحدة والصين بإمكانية إخراج مسيرة تعافي الاقتصاد العالمي عن المسار... يتوقف الانتعاش الاقتصادي العالمي على رضى الإيرانيين." ولم يلق الاحتلال الإيراني للبئر التي تعتبرها العراق جزءا من حقل الفكة في محافظة ميسان مقاومة تذكر من القوات العراقية. وقالت إيران إن قواتها تقدمت لتفكيك حاجز أقامته القوات العراقية في الآونة الأخيرة. وتعد البئر التي لا تعمل منذ عقود صغيرة بالمعايير المحلية. وربما كان التأثير الأكبر حدث في بغداد. وسبق أن لجأ كثيرون من كبار الساسة العراقيين إبان حكم الرئيس السابق صدام حسين إلى إيران, وتحسنت علاقات طهران مع بغداد منذ الإطاحة بصدام إلى الحد الذي يرى معه كثير من العراقيين أن النفوذ الإيراني تنامى أكثر من اللازم. ويشير كثير من العراقيين بامتعاض لتأخر رد فعل حكومة المالكي على الحادثة والى أن احتجاجها كان ضعيفا. وعلى الجانب الأخر بدأ المالكي مستعدا لأن ينأي بنفسه عن الساسة الذين يعتبرهم العراقيون مقربين من إيران, كما هاجم سوريا حليفة إيران واتهمها بإيواء متشددين تحملهم بغداد مسؤولية تفجيرات ضخمة. وقال حازم النعيمي أستاذ العلوم السياسية في جامعة المستنصرية في بغداد: "المالكي في الفترة الأخيرة حاول أن يتجاوز إيران ويتجاوز تأثيرها ومسألة الخلاف مع سوريا هو بالحقيقة رسالة إلى إيران." ومع تنامي رفض العراقيين للتدخل الخارجي ربما لا يحقق ساسة ينظر إليهم على أنهم مقربون من إيران نتائج طيبة في انتخابات شهر مارس مما يقلل فرصة إيران في رسم الحدود حسب شروطها. وقال محمود الجبوري المحلل البترولي العراقي: "إيران تعلم جيدا أن لديها حلفاء عديدين في الحكومة الحالية لكن بالنسبة لهم ليس هناك ضمانات كافية بأن هؤلاء الحلفاء سيكون لهم نفس التأثير والنفوذ في الحكومة المقبلة".