يضم العالم في جوفه وظاهره كنوز أثرية مهيبة وتحف فنية عديدة، بل ومعالم لم يقل رونقها رغم مرور الزمن، كل منها تحوي وتحمل قصتها وأسرارها الخاصة، فوراء كل اكتشاف ومعلم حكايات ترجع لعصور بعيدة وأمكنة مختلفة، على رأسها تلك القطع الفريدة والمعالم التاريخية المميزة في بلادنا، صاحبة الحضارة الأعرق في التاريخ، والتي ما زالت تحتضن أشهر القطع والمعالم الأثرية في العالم. وتستعرض "الشروق"، في شهر رمضان الكريم وعلى مدار أيامه، حلقاتها اليومية من سلسلة "قصة أثر"، لتأخذكم في رحلة إلى المكان والزمان والعصور المختلفة، وتسرد لكم القصص التاريخية الشيقة وراء القطع والمعالم الأثرية الأبرز في العالم بل والتاريخ. خلف جامع الأزهر بقلب القاهرة المعزية، وعلى بعد خطوات قليلة، يقع منزل أثري قديم، بمجرد رؤيته يلفت نظرك جمال تصميمه وروعة بنائه، فهو يمثل نموذجا فريدا لعمارة المنازل بالعصر العثماني، لكنه يتبع حاليا صندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة المصرية، تحت ملكية المجلس الأعلى للآثار، بل وبات يعتبر مزارا أثريا وثقافيا بما يسمى بيت الشعر. ويعد بيت الست وسيلة، أحد أهم المعالم الإسلامية المشيدة بمصر خلال العهد العثماني، حيث أنشئ هذا الصرح في عام 1664 ميلادية، ثم توارد عليه مُلاك كثيرون تركوا به بصمات تدل على حُقب تاريخية هامة، فهو يتكئ على مجموعة أثرية إسلامية منها (بيت زينب خاتون، وبيت الهراوي، ووكالة السلطان قايتباي). صرح عثماني سكنته الست وسيلة والمنزل، الذي يقع بمنطقة الأزهر ملاصقا لمنزل الهراوي، يرجع تاريخ إنشائه للقرن السابع عشر الميلادي، على يد عبد الحق وشقيقه لطفي محمد الكناني في العصر العثماني، أما الست وسيلة خاتون فكانت آخر من سكنه منذ مطلع القرن التاسع عشر الميلادي. - الست وسيلة.. جارية الأمير التي أوت الثوار الست وسيلة بنت عبدالله كانت جارية لدى زوجة الأمير سليمان أغا، الذي ترقى في المناصب إبان عهد محمد علي باشا، حتى وصل إلى منصب السلحدار، وهو منصب المسؤول عن السلاح آنذاك. وكانت الست وسيلة يطلق عليها لقب "المعتوقة البيضاء"، فالمعتوقة للدلالة على كونها جارية وأعتقت، والبيضاء لأنها كانت من الجواري البيض، ولكن لا يُعرف تحديدا مكان ولادتها ونشأتها، كما لا يُعرف لها دور في التاريخ المصري، غير أنها كانت تساعد شقيقتها زينب خاتون، التي كانت زوجة أحد الأمراء المماليك، في إيواء الثوار المصريين، بمنزليهما المتجاورين، إبان الحملة الفرنسية على مصر عام 1798. وبعد وفاتها في عام 1835، نسب البيت إلى الست وسيلة، كونها آخر من سكنه قبيل ضمه إلى السلطات المصرية، ولكن وحسب ما يشير النص التأسيسي الموجود بمدخل البيت، فقد بنى المنزل أخوين يدعوان عبد الحق ولطفي الكناني، في عام 1664 ميلادية. - بين السلاملك والحرملك.. تصميم مبهر لبيت الست وصُمم البيت كمعظم البيوت الإسلامية القديمة التي كانت تسعى للحفاظ على الخصوصية وحرمة المنزل، فيطل مدخله على زقاق الست وسيلة ويؤدي إلى فناء المنزل المكشوف حيث تتوزع حوله العناصر المعمارية، فالطابق الأرضي يحتوي على مجموعة غرف لتخزين الغلال الخاصة بأهل البيت وبئر ماء لقضاء خدمات المنزل، يجاوره مدخل يفضي إلى القاعة الأرضية "السلاملك" الخاصة بالضيوف الرجال. ويزخر الفناء بعدد من العناصر المعمارية والزخرفية تتمثل في اسطبل الخيول بالطابق الأرضي والمقعد الصيفي "الحرملك" الذي فتح بجدرانه دواليب حائطية لتخزين متعلقات أهل البيت، يعلوها أحجبة خشبية يتوسطها شبابيك متحركة لإطلالة النساء منها على الاحتفالات المقامة بفناء المنزل تسمى بالوثائق "مغاني النساء"، وفقا لما ذكر بوصفه على موقع وزارة السياحة والآثار المصرية. ويضم الطابق الثاني للبيت قاعة متوسطة، وغرف نوم وأخرى للملابس، تفصل بينها ممرات ضيقة، وحمامًا يتكون من جزأين هما المغطس والموقد الذي تشعل فيه النيران لتسخين المياه، وعلى جدران البيت نقشت لوحات زيتية، تمثل الأماكن المقدسة ومساجد، فيما تعلو البيت قبتان يعلوهما غطاء هرمي وظيفته الإنارة، فيما يحتوي السقف على العديد من النقوش العثمانية. - بيت الشعر وتحويل المنزل لمعلم أثري وفي السنوات الماضية، تم ترميم المنزل في إطار مشروع تطوير القاهرة التاريخية، وأعاد توظيفه صندوق التنمية الثقافية كبيت للشعر العربي، ضمن ترميم عدة مبانٍ أثرية وأخرى تعود إلى العصور الإسلامية المختلفة. وعلى الرغم من جمال وروعة البيت، فإن مرور الزمن جعله شبه مهدم، فبدأ العمل فى ترميمه مع بداية الألفينات، ليواجه المرممون صعوبات كبيرة، خاصة وأن العديد من ملامح المنزل كانت اختفت، لينتهي ترميمه بعد 5 سنوات، ويصبح تابعا لصندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة المصرية، تحت ملكية المجلس الأعلى للآثار، ويستخدم الآن كموقع أثرى ومركز للإبداع الفنى والثقافى. وخصصت وزارة الثقافة البيت ليكون مقراً ل "بيت الشعر العربي" ضمن مراكز الإبداع التابعة لصندوق التنمية الثقافية، يقدم من خلاله عديد من الفعاليات الثقافية والأدبية، وقد زود الصندوق البيت بجميع التجهيزات اللازمة، والتي تكفل له أداء رسالته الإبداعية لخدمة الشعر العربي والأدب عموماً.