تحت شعار «فى حب مصر». يلتقى اليوم فريقا الإسماعيلى والأهلى فى واحدة من مباريات القمة الثانية بالكرة المصرية، وهى قمة بالتاريخ، وبالندية، وبالمستوى، فأجمل مباريات الدورى فى 20 عاما مضت كانت بين الفريقين الكبيرين.. وهذا يرجع تحديدا إلى التكافؤ، وإن اختلفت أسبابه، بين الإسماعيلى، وبين الأهلي.. فالدراويش فريق يتميز بمواهبه الفردية القادرة دائما على إيجاد الحلول أثناء الصراع، وهى مواهب ضاربة فى جذور اللعبة بالإسماعيلية، فالفريق له طابع لعب يتسم بالتمرير القصير المتبادل، وتجد فى أداء لاعب الإسماعيلى تلك الرقصة التى تراها فى أداء اللاعب البرازيلى، أثناء أعتى المباريات والبطولات التى يخوضها البرازيليون ويمارسونها بشكل ملحوظ فى التمرير والتسديد والتحرك، وراقب لاعب الإسماعيلى وهو يتسلم الكرة ويمررها ويتحرك بها.. إنه مغموس فى البرازيلية، وقد كشف نجوم البرازيل بيليه وسقراط ورونالدينيو عن سر تلك اللمسة الراقصة، بقولهم: «البرازيليون يرقصون بالكرة ولا يلعبون بها إن تلك اللمسة الراقصة مستمدة من رقصة برازيلية شهيرة تسمى الجنجا، ولعل جماهير الدراويش تتعرف الآن على رقصة الجنجا التى جعلت الفريق يلعب بالنكهة البرازيلية»! وتلك المهارات الفردية للاعبى الإسماعيلى تمتزج فى أداء جماعى فريد كله حيوية ودينكاميكية، بينما يتميز الأهلى بأنه فريق يلعب دائما بروح الجماعة مهما امتلك من مواهب فردية وفى تاريخ النادى الطويل عشرات النجوم والمواهب، لكنها كانت تلعب دائما من أجل الفريق، وكما يؤدى لاعب الأهلى مبارياته متسلحا بإرادة الفوز. فالناشىء فى النادى يتربى على أنه يمثل الفريق الأول، وحين يحصل على المركز لثانى فإنه يستحق أن يبكى، وقد رأيت العديد من ناشئى الأهلى يبكون بسبب حصولهم على المركز الثانى، فيما يبدو هذا المركز انتصارا لفرق أخرى.. لا يلعب الأهلى ولم يلعب فى تاريخه أبدا إلا من اجل الفوز.. وهذا حسبما أظن يكفى لأن يخرج لنا الفريقان مباراة رفيعة المستوى. لكن لماذا تلك الحساسية المبالغ فيها من جانب جماهير الإسماعيلى نحو النادى الأهلى.. هل هناك أسباب تاريخية وما زال لها تأثيرها.. هل هناك أسباب أخرى قريبة أصابت العلاقة بين الناديين بتلك الحساسية؟! من القصص القديمة الشهيرة المتداولة أن الأهلى رفض استضافة الإسماعيلى أيام التهجير بسبب حرب 1967، وهو ما نفاه المسئولون فى الأهلى تماما بالوقائع وبشهود العيان. ومنهم الكابتن طارق سليم والدكتور طه إسماعيل والغريب أنه على الرغم من النفى المستمر والمتكرر لتلك القصة، فإن أحدا لا يصدق فى الإسماعيلية.. أو ربما لا يرغب فى أن يصدق. ترددت قصة أخرى غير مؤكدة حول مباراة فاز فيها الأهلى بنتيجة قياسية (8/1) وسجل صالح سليم وحده سبعة أهداف.. وكانت تلك المباراة من أسباب هبوط الإسماعيلى للدرجة الثانية. القصة الثالثة التى كانت وراء تلك الحساسية وقعت فى الستينيات، حين لاحت بوادر عملية انتقال نجم الدروايش رضا إلى الأهلى، وكان رضا نجما لا يضاهيه فى شعبيته أى نجم آخر فى الإسماعيلية. كان لاعبا موهوبا يمتع جمهوره بما يأتيه من ألعاب تنتزع الأهات.. وقد ثارت جماهير الدروايش غضبا بسبب ما تردد حول انتقال رضا.. وأمام هذه الثورة اضطر الأهلى إلى التنازل عن فكرة ضم رضا فى الستينيات. انتقال النجوم من فريق إلى آخر يظل من اسباب الحساسيات خاصة فى الديربيات، وقد تكررت القصة مع لاعبين مثل محمد بركات وعماد النحاس وخالد بيبو وشريف عبدالفضيل وسيد معوض وأحمد فتحى وإسلام الشاطر ومحمد فضل.. ويقولون فى «محافظة الدراويش»: الإسماعيلى يلعب مع الإسماعيلى (الأهلى سابقا).. وينسى أو لا يتذكر جمهور الإسماعيلى أن الحضرى مثلا كان لاعبا فى الأهلى، وأن فضل كان ضمن صفوف الأهلى، وأن لاعبين صغارا لعبوا للإسماعيلى وقدموا من الأهلى.. وهم يردون على ذلك بقولهم: نحن نتحدث عن نجومنا وليس عن ناشئ مدرسة الكرة، نحن لم نفكر فى الحضرى إلا بعد رفض الأهلى ضمه.. على أى حال هذا أمر من الصعب مناقشته، فبعض لاعبى الإسماعيلى لم ينتقلوا إلى الأهلى مباشرة، وإنما من قطر مثل بركات، ومن السعودية مثل الشاطر. المهم نعود إلى التاريخ، ففيه أهم صفحة صنعت الحساسية بين الفريقين الكبيرين.. جاءت مباراة الأهلى مع الإسماعيلى الحاسمة على بطولة الدورى، وكانت فى 7 أبريل 1967 وأقيمت بالإسماعيلية، وقد ساهمت هذه المباراة، التى أطلقت عليها الصحف أيامها تسميه مباراة القمة، ساهمت فى اشتعال المنافسة بين الناديين، فالأهلى كان رصيده 30 نقطة، ولابد له من الفوز ليضمن إحراز الدرع الغائب عنه منذ عام 1962. والإسماعيلى كان رصيده 31 نقطة، ويحلم بإحراز الدرع لأول مرة فى تاريخه. وأمام أهمية المباراة وحساسيتها الشديدة، استعان اتحاد كرة القدم بطاقم تحكيم يونانى بقيادة «بازار وبولس». وأفردت الصحف صفحات لتغطية المباراة، وكان مانشيت صفحة الرياضة فى أخبار اليوم على ثمانية أعمدة وعنوانه: «اليوم لقاء القمة.. الإسماعيلى 31 نقطة الأهلى 30 نقطة». وكانت الصفحة كلها مخصصة لتغطية اللقاء الذى بدأت تغطيته قبل أيام، وبنفس القدر من الاهتمام والمساحة. حيث قامت صحيفة الأخبار بزيارة للإسماعيلية وكتب الأستاذ محمد تبارك تحقيقا على صفحة كاملة، عن الموقف فى المحافظة قبل 24 ساعة من المباراة، وكيف أن لاعبى الإسماعيلى قاموا بزيارة قبر المرحوم رضا، الذى توفى يوم 28 سبتمبر عام 1965 فى حادث سيارة، وقرأوا الفاتحة، ووعدوا بتحقيق أمنيته بالفوز بالدورى. ولم تكن مباراة الأهلى مع الإسماعيلى آخر مبارياتهما فى البطولة، وإنما كان لكل منهما مباراتان باقيتان، إلا أن هذا اللقاء اعتبر لقاء البطولة ومفتاحها، خاصة أن فوز الإسماعيلى كان يعنى زيادة الفارق بينه وبين الأهلى إلى ثلاث نقاط، وبالتالى يصعب تعويض هذا الفارق. وتوجه ما يقرب من 15 ألف متفرج للأهلى إلى الإسماعيلية لمؤازرة الفريق، واقتحم الجمهور الاستاد الذى كان محتشدا بجماهير الإسماعيلى، وكادت المباراة أن تلغى أكثر من مرة، حيث تأخرت عن موعدها، بسبب وجود الجمهور فى أرض الملعب، واستدعت مديرية أمن الإسماعيلية قوات إضافية، وكذلك ثم استدعاء قوات من البوليس الحربى، وقام الحكم اليونانى بالتهديد بإلغاء المباراة، بعد أن أمسك بالكاميرا الخاصة به، وأخذ يصور الجماهير ليكون ذلك مستندا رسميا له إذا ما قرر إلغاء اللقاء. وكان فريق النادى الأهلى يجد صعوبة فى الوصول إلى الاستاد والدخول إلى الملعب، حيث أقام فى معسكر الجلاء. وتأخر وصول الأهلى حوالى ساعة، وبدأت المباراة فى الرابعة بدلا من الثالثة. كانت تلك صورة الجو المحيط بلقاء الأهلى والإسماعيلى. ومع ذلك أقيمت المباراة وكثرت الفاولات ومضى اللعب عصبيا متوترا، وتوقف عدة مرات، وعندما جاءت الدقيقة 40 من الشوط الأول لمس الشربينى الكرة بيده داخل منطقة الجزاء، فاحتسب الحكم اليونانى ضربة جزاء للإسماعيلى سجل منها على أبوجريشة هدف المباراة الوحيد. وأصبحت مباريات الأهلى والإسماعيلى ساخنة دائما وتزداد سخونتها، حين يكون الفريقان فى مستوى متقارب، وكلاهما ند للآخر. وهذا ما تكرر عام 1991 فى المباراة الفاصلة بين الفريقين، والتى ثار بشأنها جدل طويل، وأين تقام، فى الزقازيق أم الإسكندرية أم المحلة. وكذلك فى عام 1994، حيث لعب الفريقان مباراة فاصلة على بطولة الدورى.. وحدث ويحدث كلما التقى الإسماعيلى مع الأهلى.. إلا أن الأمل معقود على مباراة اليوم كى تكون بداية النهاية لحساسية دامت أكثر من نصف قرن!