الموجات القادمة من التقدم التكنولوجى

معتمر أمين
بعد أن تعبر حدود العالم الطبيعى وتدخل إلى العالم الموازى، عالم الإنترنت، فإن أول ما يقابلك هو النهر الأبيض. ذلك النهر الذى تراه بلونه الأبيض، وأحيانا الشفاف، على شاشة المحمول، أو شاشة الكمبيوتر. ولو كان الأمر مقتصرا على شاشة واحدة أو جهاز واحد، لما صلحت تسمية النهر الأبيض. ولكن تشترك كل الأجهزة بمجرد أن تضىء بلونها الأبيض. ويصطف جميع مستخدمى الإنترنت، من أفراد، وجهات، ودول، حول ضفاف ذلك النهر الأبيض، حيث يجمعها فى رباط غير مرئى، يسمح بالتواصل بين الجميع، بدون حواجز.
والنهر الأبيض هذا ملىء بالموجات. إليك آخر موجة فى مصر، منذ أيام التقطت كاميرا مراقبة تصرف مشين لشخص مريض، يغوى طفلة ويستدرجها إلى داخل عقار. ومن حسن حظ الفتاة، أن سيدة فاضلة شاهدت ما تنقله الكاميرا على شاشة الكومبيوتر، وتحركت على الفور لتنقذ الفتاة من يد المتحرش. ولما هرب من المكان فإن الموجات داخل النهر الأبيض لاحقته. أولا تعرف عليه العديد من رواد الفيسبوك، ونقلوا صورته. ثم توصلت إليه المباحث بعد متابعة هاتفه. فلقد اختبأ لدى صديق بعيد عن مكان سكنه. لكن النهر الأبيض يصل إليك بمجرد أن تفتح شاشة أى جهاز إلكترونى.
والهجمات فى النهر الأبيض من النوع الهادئ التى لا تحدث صخبا. فقد يقع الهجوم ولا تدرى الجهة أو الفرد أو الدولة. وعندما تكتشف، يكون الضرر قد أخذ مجراه. وإليك ما حدث فى نهاية فبراير. أثناء جلسة استماع للجنة خاصة بالاستخبارات بالكونجرس الأمريكى، أفصح ممثلو شركتين عن الهجوم الذى وقع فى ديسمبر 2020، وأطلقوا عليه اسم «الرياح الشمسية»، نسبة للشركة التى وقع عليها الهجوم، وانتشر من خلالها إلى داخل 100 شركة أمريكية و9 مؤسسات فيدرالية، عن طريق استخدام تطبيق إيميل مايكروسوفت. هذا ولم يتسن للجهات المعنية تقدير الحجم الكامل للأضرار بعد مضى أسابيع من الهجمات. وقدر خبراء الأمن المعلوماتى أن روسيا هى الدولة التى تقف وراء الهجمات التى لازالت تداعياتها مستمرة إلى الآن. علما بأن الهجمات لم تستخدم أسلوب إرسال الإيميل الذى يحوى الفيروس ومن ثم بمجرد فتح الرسالة يتسلل الفيروس إلى الجهاز. ولكن يبدو أن 1000 هاكر روسى استطاعوا معرفة أربع ثغرات فى طريقة تشغيل تطبيق الإيميل الخاص بشركة مايكروسوفت واستغلوا تلك الثغرات، مما أدى لعملية اختراق واسعة. ماذا كان يريد الروس معرفته؟
الموجة التالية فى النهر الأبيض جاءت فى مطلع مارس، حيث تم اختراق ما لا يقل عن 30 ألف مؤسسة فى جميع أنحاء الولايات الأمريكية، بما فى ذلك عدد كبير من الشركات الصغيرة، والبلدات، والمدن، والحكومات المحلية، بشكل غير عادى، وتركزت الهجمات فى عملية سرقة البريد الإلكترونى من المؤسسات، ونتج عن ذلك فقدان تلك المؤسسات السيطرة على بريدها الإلكترونى الذى يستخدم تطبيقات شركة مايكروسوفت. هذا وأسفرت الهجمات على منح الهاكرز تحكما كاملا عن بُعد للأنظمة المتأثرة. هذا وتداعيات الهجمات لازالت مستمرة حيث أعلن الاتحاد الأوروبى أن خوادم البريد الإلكترونى التابعة للسلطة المصرفية الأوروبية تعرضت للاختراق فى الهجوم الإلكترونى، لكن بيانات العملاء وقاعدة البيانات لم تتأثر بالهجمات. ولقد علقت المتحدثة الرسمية للبيت الأبيض على الهجمات قائلة، أن مكتب التحقيقات الفيدرالى يعاون أجهزة حكومية أخرى للتصدى للهجمات. جدير بالذكر أن الاتهام هذه المرة ليس موجها لروسيا ولكن للصين، حيث تسعى للحصول على بيانات خاصة باللقاحات المستخدمة للتصدى للأوبئة!
روسيا أعربت عن قلقها من الاتهامات الموجهة إليها بدون دليل. كما حذرت أمريكا من شن هجمات على مصالح روسية. وهذه رءوس الصخور التى تطفو فوق سطح النهر الأبيض، بينما الهجمات فى باطنه لا تنقطع. لاحظ أن تطبيق إيميل مايكروسوفت يستخدم على نطاق واسع فى مصر. لكن يبدو أن لدينا حصانة من نوع ما.