هناك فى إنجلترا كان ميلادها وقبل أن تكمل عامها الثانى كانت نهايتها هنا بقاع خليج السويس. «سيسلجورم» أشهر السفن الغارقة بالبحر الأحمر، السفينة التى تجذب أعدادا هائلة من الغواصين من شتى بقاع العالم سنويا. القصة بدأت عام 1940 بحوض بناء السفن فى بلدة «سندر لاند» بشمال شرق بريطانيا حيث بنيت السفينة سيسلجورم بطول 130 مترا وذودت بمحرك بخارى قدره 1800 حصان حققت سرعة تقدر بحوالى 10 عقد بحرية فى الساعة، وهى أخت لأربعة توائم مملوكة لشركة «ألبين» البريطانية. اشتق اسم السفينة من اسم شعار ورمز أسكتلندا ومن اسم نبات ينمو أعلى مرتفعات أسكتلندا. بعد انتهاء بنائها طلبت للخدمة مع الجيش البريطانى فقط بعد أن قامت بثلاث رحلات تجارية إلى أمريكا والأرجنتين وهولندا. ولكى تلائم الخدمة مع الجيش البريطانى أثناء الحرب العالمية الثانية تم تزويدها بمدفعين من عيار 130مم مازالت تحملهم حتى الآن. بدأت «سيسلجورم» رحلتها الأخيرة للنهاية من ميناء جلاسكو البريطانى بعد أن تم شحنها بالبنادق والذخائر وقطع غيار الطائرات واللنشات والسيارات والموتوسيكلات والدبابات الحربية لتسليح الجيش الثامن البريطانى بمنطقة جنوب المتوسط. هذا بالإضافة إلى جرارين سكة حديد بالبخار صنعا خصيصا لصالح سكك حديد مصر فى جلاسكو عاصمة صناعة السكك الحديدية فى العالم. وبسبب سيطرة ألمانيا ودول المحور على معظم أجزاء البحر المتوسط سلكت السفينة «سيسيلجورم» طريق رأس الرجاء الصالح ودارت حول أفريقيا للوصول إلى مصر حتى تتلافى الإبحار بالبحر المتوسط والوقوع تحت مرمى المدمرات الألمانية. فى الخامس من سبتمبر غادرت جنوب أفريقيا متجهة شمالا عبر مضيق موزمبيق حتى وصلت لمدينة عدن اليمنية لترسو لمدة يومين قبل أن تبدأ وصلتها الأخيرة لمنطقة «شعب على» بخليج السويس حيث رست لمدة عشر أيام بسبب غلق قناة السويس بسبب غرق سفينة عند المدخل الجنوبى. وفى مساء يوم السادس من أكتوبر عام 1941 خرجت القاذفة الألمانية من نوع «هينكل 111» من مالطة بهدف محدد هو إغراق السفينة «كوين مارى» البريطانية الموجودة بخليج السويس فى ذلك اليوم والتى كانت تعمل كناقلة جنود بريطانية. فشل قائد الطائرة الألمانية فى العثور على هدفه واتخذ قرارا بتفريغ حمولته من القنابل حتى يستطيع العودة إلى مالطة بما تبقى معه من وقود. وأثناء المناورة رصد الطيار السفينة سيسيلجورم وكانت ضحيته بعد أن تأكد من تبعيتها لدول الحلفاء حيث قام بإلقاء قنبلتين أصابتها فى مقتل بالمنطقة الخلفية وانشطرت السفينة وانفجرت محتوياتها من الذخائر وخلال دقائق هجرها طاقمها بالقفز فى الماء. اكتشاف سيسيلجورم قبعت السفينة «سيسيلجورم» فى سلام ودون إزعاج لمدة خمسة عشر عاما حتى قام العالم الفرنسى الشهير «جاك كوستو» باستكشاف السفينة الغارقة من على متن سفينة الأبحاث الشهيرة «كاليبسو» والتى قاده إليها أحد الصيادين المصريين. وقام كوستو برفع بعض الحطام من السفينة عبارة عن موتوسيكل وجرس السفينة وتم توثيق الكشف فى فيلم سمى «العالم الصامت» والذى يعتبر أحد أهم الأفلام الوثائقية التى أرّخت لكنوز عالم البحار. نسيت السفينة سيسلجورم بعد اكتشافها بواسطة العالم جاك كوستو لسنوات طويلة قبل أن يعاد اكتشافها فى بداية التسعينيات بواسطة أحد مراكز الغوص بشرم الشيخ. حاورنا دكتور محمد سالم رئيس قطاع محميات سيناء بشأن السفينة الغارقة التى تعد كنزا بحريا جديدا لمصر حيث أكد أنه بعد اكتشافها وقعت السفينة فريسة للسلوكيات غير المنضبطة من الغواصين حيث قام العديد منهم بانتشال بعض من حمولتها خصوصا البنادق والموتوسيكلات، فضلا عن الزيادة الكبيرة فى أعداد الغواصين الذين يترددون عليها يوميا والذين يقدرون بالمئات مما يفوق الطاقة الاستيعابية للسفينة. ويذكر أنه قام أحد تجار الخردة بشراء هذه السفينة وسفن أخرى من هيئة موانئ البحر الأحمر خاصة أن السفن الغارقة فى البحر الأحمر تعد ملكا لهيئة موانئ البحر الأحمر، وذلك وفق القانون البحرى الدولى وقام التاجر بتفكيك وتقطيع السفينة سيسيلجورم وبيعها إلى مصانع الحديد الخردة، ولولا تدخل وزارة البيئة والجهات الأخرى المهتمة بهذا الإرث الإنسانى الذى يستحق الاهتمام لكانت السفينة مجرد ذاكرة مكتوبة فقط فى كتب التاريخ. وعلى الرغم ما أصابها من تدمير فإنها مازالت تعتبر واحدة من أهم مواقع الغوص فى مصر. وأضاف رئيس محميات سيناء الذى قام بالغطس بنفسه حول السفينة الغارقة أنه لاحظ خلال السنوات القليلة الماضية تهاوى بعض أجزاء السفينة وتحطمها ويرجع ذلك إلى طريقة الغوص بها وانحباس كميات كبيرة من الهواء الناتج عن تنفس الغواصين داخل تجويفاتها مما يساعد على زيادة معدلات تآكل هيكلها بسبب الصدأ. السفينة سيسيلجورم مثل معظم السفن الغارقة بالبحر الأحمر التى تقع خارج نطاق الأماكن المعلنة كمحميات طبيعية لذا فهى تحتاج، كما أكد سالم، إلى تدخل سريع بإعلان جميع مناطق السفن الغارقة ومحيطها كأماكن ذات طبيعة خاصة وذلك لما تمثله هذه السفن من أهمية تاريخية واقتصادية. وطالب أن يتم اتخاذ إجراءات فعلية لحمايتها من تجاوزات من يعبثون بها وتوثيقها ووضع خطط إدارة علمية تضمن استدامتها وعدم الإضرار بها مع الوضع فى الاعتبار الطاقة الاستيعابية المثلى لكل السفن الغارقة وتزويد محيطها بالشمندورات لمنع الربط عليها وقصر الغوص عليها على الغواصين ذوى الخبرة فقط ومنع الغواصين المبتدئين من استخدامها. وأوضح أن الاهتمام بحماية السفن الغارقة بالبحر الأحمر يمثل بعدا استراتيجيا للحفاظ على بيئة الشعاب المرجانية بالبحر الأحمر عن طريق استخدامها كأداة لتخفيف الضغط على البيئات الطبيعية لذا يعتقد انه يتوجب على جميع الجهات المعنية التعاون لحمايتها والنظر إليها كأحد أهم مصادر الثروات بالبحر الأحمر وألا يتم التعامل معها على أنها مصدر للخردة مثلما حدث أخيرا وتم بيع السفينة سيسيلجورم لأحد التجار لانتشالها لولا تدخل وزارة البيئة ومنعه من المساس بها.