تقدمت للأستاذ المرشد بطلب تحقيق من جهة محايدة يترأسها الدكتور يوسف القرضاوى تحقق فى تجاوزات بشأن تغيير لوائح الانتخابات وعدم اعتمادها من جهة الاختصاص «مجلس الشورى العام للجماعة»، تلك التجاوزات التى بها انحراف تشريعى تعبر عن فلسفة الاستبداد والوصاية على عقول الجماعة، وكذا طلبت تجميد كل الآثار الناشئة عن تطبيق هذه اللائحة الجائرة. مكثت أسبوعا ثم اتصلت بالأستاذ عاكف لمعرفة الرد فقال لى: «أنا لا أرد على أحد أنا أستفيد بما هو مكتوب ولا أرد على أحد». أعلم أن هذه الإجابة لا تعبر عن جماعة ذات تاريخ حافل بالأعمال المجيدة إنما تعبر عن عقلية الأمانة العامة وسيطرتها داخل مكتب الإرشاد، عقلية لا تطيق المواجهة والشفافية ولا تتحمل آليات الرقابة والمحاسبة والعمل المؤسسى الحقيقى. من الممكن أن تكون هذه الإجابة مقبولة إذا كان الإخوان شأنا خاصا، أى جماعة محدودة تقبع فى بعض الزوايا والمساجد لها شعائر وطقوس توافق أعضاؤها على مبادئ وقيم خاصة، أما جماعة تمتد فى ربوع العالم العربى والإسلامى وتؤثر فى ثقافات مجتمعات بأكملها وتحمل مشروع نهضة إسلامى وطموحات إصلاح سياسى اقتصادى اجتماعى، وتقدمت فى عديد من الانتخابات العامة لتحمل هموم الوطن لا يمكن أن تكون بأى حال إلا شأنا عاما. ماذا يعنى شأن عام؟ يعنى أن يتولد حق على التو بأن كل الناس شركاء معك فى معرفة كل شىء عنك «أفكارك وقيمك وطموحاتك ورؤاك.. هياكلك وممارساتك وسلوكك العملى.. إدارتك لشئونك الداخلية وشفافيتك، نزاهتك فى إدارتك للانتخابات الداخلية.. قدرتك على الحوار واحترام الآخرين.. فحق لهم أن يتأكدوا إذا صرت أنت المستقبل أن يعلموا». لقد اتسعت دائرة الشأن العام إلى النطاق الرحب وضاقت دائرة الخاص حتى تكاد لا تذكر، فالناس صاروا ينظرون إلى ثوب الأستاذ عاكف وقادة الجماعة إلى سياراتهم ورواتبهم.. ماذا يفعل أنصار الضعفاء والفقراء. لقد تولد عن الشأن العام لرجل الشارع حق أن يرى صورة حقيقية غير مزيفة عمن يمارس العمل العام وهذا ما لا نراه فى دول التخلف حيث رئيس الدولة مجهول الراتب والمخصصات.. فعمر (رضى الله عنه) كان معروف الراتب والمخصصات حتى مخصصات الثوب إذا زاد كان يسأل عنه من قبل الأمة. فهذا عمر بن الخطاب يقول للقبطى اضرب ابن الأكرمين يقصد ابن حاكم مصر على الملأ ثم يقول له اضرب أباه، ومن هو أبوه الفاتح العظيم القائد السياسى الكبير وحاكم مصر، لم تكن هذه فضيحة ولكنها ممارسة صادقة للعمل العام. من أراد أن يمارس العمل العام فعليه أن يقبل المساءلة على الملأ ومن لا يستطيع فعليه أن يتنحى جانبا. الاستحقاق الثانى للشأن العام لأعضاء الإخوان أن يعلموا كل شىء عن أنفسهم وهياكلهم وقادتهم ورؤاهم فهم رفقاء الكفاح، ولتتسع دائرة المشاركة فى القرار إلى أقصى مدى فهم بناة الأعمال، ولن يتم ذلك إلا برؤى واضحة تمتد من خلال حوار علنى وليس من خلال الدوائر المغلقة. هنا نضرب مثلا بقضية اللوائح التى تعبر عن فلسفة الاستبداد والوصاية على عقول الجماعة والتى كان يمكن أن تحدث تحولا سريعا فى حيوية الجماعة ونضج نموها إذا ما تم مناقشتها فى العلن بل كانت ستُنحى العقول المغلقة وتجعلها تتوارى مع حوار العلن. ففى عام 1990 بدأت أول ممارسة شورية مع أول انتخابات وتم الاقتراح بإنشاء حزب وتمت الموافقة عليه إلا أن الأستاذ مأمون الهضيبى (رحمه الله) أعلن أن قرار مجلس الشورى العام هذا غير ملزم لمكتب الإرشاد واحتج باللائحة وفى الاجتماع التالى تم مناقشة بند واحد فى اللائحة ومنذ ذلك التاريخ لم يتح لأى مجلس شورى مناقشة اللائحة ولم يحدث أى تقدم طوال تسعة عشر عاما فى إصلاح اللائحة بل حدث تطور فى الاتجاه المعاكس ففى عام 95 تم إضافة بند حق التعيين لمكتب الإرشاد فى مجالس شورى المحافظات من بعض أعضاء مكتب الإرشاد والباقى لا يعلم وذلك بشهادة الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح ليزداد الأمر سوءا ولو أن حوار العلن بدأ منذ عام 90 لتوارى أصحاب هذه الأفكار المتخلفة ولذهبوا بعيدا عن مواقع المسئولية فمثل هذه اللائحة تقنن الاستبداد وتشين جماعة تدعو إلى الإصلاح السياسى وممارسة الشورى والديمقراطية وهى بذلك بعيدا عن أقوال وأعمال مؤسسها الأول الأستاذ حسن البنا (رحمه الله). إن شريان الحياة لجماعة بحجم جماعة الإخوان المسلمين هو حوار العلن حيث تتدفق المعلومات والرؤى ويسود الحوار المتوازن وتتلاقح الأفكار فتنمو وتربو ويتعمق الوعى عند الجميع وتمتلئ الدنيا بالحياة وهذه هى القاعدة الرئيسية للتطوير المتقدم أما حوار السراديب فلا يؤدى إلا إلى الفناء. وبالتالى يتولد أيضا عن الشأن العام حق للإخوان أن يعمل قادتهم على تحقيق المشروعية للجماعة خاصة إذا كانت الحقوق فى مجتمعنا لا تمنح وإنما تنتزع، ومع الذين يمارسون العمل العام بعقلية التنظيم السرى لا يهتمون بهذا المعنى كثيرا.. وقليل دائم خير من كثير منقطع، لو أنهم طبقوا هذا المبدأ فى اتجاه المشروعية طوال أكثر من ربع قرن من الزمان لتغيرت أشياء كثيرة. الاستحقاق الثالث للشأن العام حق الوطن وقضاياه وهمومه وهى الأهم والأولى وبها يصنع التاريخ، وقديما تقدم الإخوان إلى حرب فلسطين إلى مقاومة الإنجليز فى القناة، ومقاومة الحل المنفرد مع إسرائيل ،و فى مقاومة الاستبداد، أما حديثا وفى ظل قيادة التنظيم الخاص فصارت هناك سياسة للمواءمة بين مصلحة الوطن وتمدد التنظيم، وتساقطت كثير من قضايا الوطن دون فعل أو حراك. الاستحقاق الرابع للشأن العام حق المجتمع الدولى، فلقد دأب النظام طوال سنوات طويلة من جعل الإخوان فزاعة للمجتمع الدولى يبرر بها تعديه على حقوق الشعب المصرى والوقوف أمام أى إصلاح سياسى ورغم أن هذه السياسة باتت حجر عثرة أمام أى إصلاح سياسى داخلى فإن فعل الإخوان وفى ظل قيادة الحلقات المفرغة لا يُذكر سواء فى تفاعله مع القوى السياسية الوطنية أو مع الأفكار أو حتى مع اللوائح التى تعبر عن كينونة الجماعة. فهل هذه الجماعة قادرة على أن تقدم الشورى والديمقراطية للوطن أم الاستبداد والتسلط؟ نخلص أخيرا من هذا الحوار أن إحدى المشكلات الرئيسية التى تواجهه الإخوان مجموعة التنظيم الخاص التى تمارس العمل العام بعقلية التنظيم السرى ولا تعر لاستحقاقات الشأن العام الاهتمام الكافى والمناسب لقدرها، وهى بذلك تغبن الأخوان حقهم وتحمل نفسها ما لا تطيق. وأولى لها أن تتنحى جانبا فهى تمارس عملا لا تعرفه ولم تعتد عليه بحكم نشأتها، ومن ثم تقع فى أخطاء فادحة وبمعايير العمل العام قاتلة. إن إفرازات الانتخابات 2005، 2009 تعبر عن تدخل سافر يستحق التحقيق من خلال لجنة محايدة ووقف كل آثار لها وإعادة النظر فى اللائحة وإعادة الانتخابات بدون تعيينات فى كل من مجلس شورى المحافظات والشورى العام حتى يتحقق تعبير حقيقى لإرادة الناخبين. إن هذة المقالات ما أردت بها إلا الارتقاء بوعى الإخوان وقدرتهم فى التعبير عن أنفسهم، أما الفضائح فهى مشكلة الذين يمارسون العمل الخاطئ ويصدرون اللوائح الفاضحة وليس الذين يقولون الحقيقة وهذا هو ميثاق المؤمنين مع الله ألا يشهدوا إلا بالحق ولا يزيفوا الحقيقة. وما زلت أطالب بالحق فى التحقيق فى التجاوزات المذكورة فى المقال السابق والذى ليس لأحد حق فى أن يمانع فيه، أطالب بحق فى قضية مثارة منذ تسعة عشر عاما ومراكز الدوائر المغلقة تمانع من الاقتراب منها ولا حراك.