وزير الصحة يشيد بدور التمريض في رعاية مصابي غزة    البيئة: 300 مليون يورو استثمارات التوافق البيئي في الصناعة    رجل الظل| «القاتل السياسي».. اختيار كوشنر المُلهم طريق ترامب نحو رئاسة أمريكا    لليوم الثاني على التوالي.. غارة إسرائيلية تستهدف منطقة حدودية بين لبنان وسوريا    اليوم.. قطار البريميرليج يصل لخط النهاية    مدير صندوق مكافحة وعلاج الادمان: مقراتنا بالجامعات تقدم التوعية للطلاب طوال العام    إصابة 3 طلاب إعدادية في مشاجرة داخل فناء مدرسة بالمنيا    6 عروض مجانية بإقليم القناة وسيناء الثقافى    عبير صبري تهنئ ريم سامي بمناسبة حفل زفافها    وزير الصحة يؤكد اهتمام القيادة السياسية بوضع استراتيجية متكاملة لتطوير التمريض    مباشر الدوري الألماني - فرانكفورت (0)-(0) لايبزيج.. بداية المباراة    الكل متفائل.. توقعات الجماهير لمباراة الأهلي و الترجي التونسي.. فيديو    وزير التعليم: بذل كافة الجهود لدعم التمكين الحقيقي للأشخاص ذوي الإعاقة    مدبولي: مصر ستكون مركزا إقليميا لتصنيع الأجهزة المنزلية الفترة المقبلة    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    مصرع طفلة دهستها سيارة "لودر" في المرج    سائقو الشاحنات في أوكرانيا ينظمون احتجاجا ضخما اعتراضا على قانون التعبئة الجديد    خبير يوضح أسباب الانقسامات التي تضرب مجلس الحرب الإسرائيلي (فيديو)    بعد الانخفاضات الأخيرة.. أسعار السيارات 2024 في مصر    الصحة العالمية تحذر من الملح: يسبب ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    بعد الخلافات العديدة.. إشبيلية يعلن تجديد عقد نافاس    السفيرة سها جندي تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    عاشور: دعم مستمر من القيادة السياسية لبنك المعرفة المصري    مسؤولو التطوير المؤسسي بهيئة المجتمعات العمرانية يزورون مدينة العلمين الجديدة    «الحرية المصري»: مصر لن تتخلى عن مسئولياتها تجاه الشعب الفلسطيني    تعرف على تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي.. في العناية المركزة    ليلة سقوط اللصوص.. القبض على 9 متهمين بارتكاب جرائم سرقات بالقاهرة    هل تستطيع إسرائيل عرقلة عمل محكمة العدل الدولية؟.. أستاذ قانون يرد    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    البيئة: 550 مليون يورو استثمارات تمت وجارية بمجال التوافق البيئي في الصناعة    بينهم أبو تريكة.. قبول طعن 121 متهمًا على إدراجهم بقوائم الإرهاب    «المصل واللقاح»: متحور كورونا الجديد سريع الانتشار ويجب اتباع الإجراءات الاحترازية    الكشف على 1645 مواطنا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» ببني سويف    حزب الله: استهدفنا تجمعا ‏لجنود الاحتلال في محيط ثكنة برانيت بالأسلحة الصاروخية    الأحجار نقلت من أسوان للجيزة.. اكتشاف مفاجأة عن طريقة بناء الأهرامات    أستاذ الطب الوقائي: الإسهال يقتل 1.5 مليون شخص بالعالم سنويا    طلاب الإعدادية الأزهرية يؤدون امتحاني اللغة العربية والهندسة بالمنيا دون شكاوى    جوري بكر تتصدر «جوجل» بعد طلاقها: «استحملت اللي مفيش جبل يستحمله».. ما السبب؟    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    «الري»: بحث تعزيز التعاون بين مصر وبيرو في مجال المياه    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    موناكو ينافس عملاق تركيا لضم عبدالمنعم من الأهلي    نهائي أبطال إفريقيا.. 3 لاعبين "ملوك الأسيست "في الأهلي والترجي "تعرف عليهم"    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    موعد مباراة بوروسيا دورتموند أمام دارمشتات في الدوري الألماني والقنوات الناقلة    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة دكتوراه لفريد عبدالخالق تعتبر (الحسبة على ذوى الجاه والسلطان) أداة للإصلاح السياسى
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 11 - 2009

فى سابقة هى الأولى من نوعها فى تاريخ البحث العلمى والأكاديمى ناقشت كلية الحقوق بجامعة القاهرة مساء أمس الثلاثاء وقبل مثول الجريدة للطبع رسالة الدكتوراه المقدمة من الباحث محمد فريد عبدالخالق «94 عاما» القيادى التاريخى بجماعة الإخوان المسلمين فى موضوع «الاحتساب على ذوى الجاه والسلطان».
ومن المتوقع أن تكون اللجنة المكونة من الدكتور يوسف قاسم رئيس قسم الشريعة السابق بكلية الحقوق «رئيسا ومشرفا»، والدكتور محمد سليم العوا الأمين العام للاتحاد العالمى لعلماء المسلمين «عضوا»، والدكتور محمد نجيب عوضين «عضوا» قد أعلنت النتيجة فى وقت متأخر من مساء أمس.
وتوقع باحثون وأكاديميون دخول الباحث فريد عبدالخالق موسوعة «جينس» للأرقام القياسية، بوصفه أول باحث يحصل على درجة الدكتوراه وهو فى ال94 من عمره.
وتهدف الرسالة إلى إبراز الدور الرقابى الشعبى على السلطات المتمثل فى نظام الحسبة لاسيما السلطة التنفيذية ورئيس الدولة، وتطرح نظاما احتسابيا جماعيا ومؤسسيا لمقاومة جور وفساد السلطات التنفيذية ورئاسة الدولة، كما تهدف إلى إلقاء الضوء على الضوابط الشرعية للحسبة فى الإسلام، وعلى شروط المحتسب والمحتسب فيه، وتبرز احترام الإسلام لمبدأ الفصل بين السلطات.
ويحاول الباحث خلال هذه الدراسة الوصول إلى تصور صحيح ومقبول لنظام الحسبة فى الإسلام فى وقتنا الحاضر، يمكن أن يؤدى دوره فى الاحتساب على ذوى الجاه والسلطان فى ضوء دراسة المبادئ التى قررها الإسلام فى المجال الدستورى والسياسى وأصول الفقه الإسلامى.
يذكر أن فريد عبدالخالق انتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين بعد لقائه بمؤسسها الشيخ حسن البنا فى عام 1941، بعدها أصبح أحد أعضاء الجماعة المقربين منه، وتدرج فى المناصب التنظيمية داخل الجماعة حتى انتخب عضوا بمكتب الإرشاد.
وكان أحد القيادات التى اختارت المرشد الثانى للجماعة المستشار حسن الهضيبى عام 51، كما كان أحد قيادات الإخوان التى تفاوضت مع جمال عبدالناصر قبل وبعد قيام ثورة يوليو عام 52.
أنهى علاقته التنظيمية بالجماعة منذ فترة طويلة بسبب أفكاره التى وصفت بأنها أكثر انفتاحا، لكن بالرغم من ذلك يعتبره الكثير من أعضاء الجماعة، لاسيما جيل الوسط الذى يتزعمه عبدالمنعم أبوالفتوح وعصام العريان وإبراهيم الزعفرانى وحلمى الجزار مرجعية فكرية لهم.
وإلى ملخص الرسالة الذى أعده عبدالخالق لإلقائه أثناء مناقشة الرسالة أمس:
الحمد لله الذى أتم على البشرية بالإسلام نعمته، وكرم الإنسان واستخلفه، وجعل من شرعته ومنهاجه ضمانا لحقه وحريته، وأوجب على الأمة الاحتساب على ذوى الجاه والسلطان، محاربة للفساد فى الأرض والطغيان.
والصلاة والسلام على رسول الله «صلى الله عليه وسلم» أول من احتسب على المنكر فى أمته، ونهى الحاكم عن ظلم رعيته، وحرم الفساد والغش فى ملته، أما بعد.
فقد يجد الباحث نفسه فى موضوع عنوانه «الاحتساب على ذوى الجاه والسلطان»، يقف وجها لوجه أمام علاقة محفوفة بالمخاطر منذ زمن سحيق بين الحاكم والمحكومين، ومعادلة أزلية الصعوبة بين العدل الذى يطلب من الأول والطاعة التى تطلب من الآخرين، وهى حقوق والتزامات متقابلة حددها القرآن الكريم فى آيتين متقابلتين، دلالة على الارتباط العضوى والقانونى بين طرفى المعادلة فى قوله تعالى مخاطبا الحاكمين: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا» (النساء: 58)،
ثم يتبعها بخطابه إلى المحكومين: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم» (النساء: 59)، وفى ترابط الآيتين ما ينبئ بأن طاعة المحكومين وأولى الأمر من الأمة إنما تكون للحاكم العدل، الذى يؤدى ما ألزمه الشارع به من أداء الأمانات إلى أهلها والعدل فى الحكم، لا ولاة الجور الذين لا يؤدون ما أمروا به، ثم يحيلهم إلى المرجع فى الخلاف الذى فى الآية السابقة: «فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا» (النساء: 59)، فهى إذن واجبات وحقوق متبادلة ومتوازنة ومتكاملة أقرتها شريعة الإسلام.
بل يجد الباحث نفسه محكوما بإطار الموضوع فى مواجهة صريحة أمام حق بل وواجب مقاومة جور الحكام والحكومات وفساد المترفين المفسدين من ذوى الجاه، وهم عادة ظلم السلطة وأعوانها فى جذورها وفسادها، ابتغاء مصالحهم، يحرفون الكلم حسب أهواء الحاكمين وما يخدم مصالحهم ولو كانت على حساب مصالح الشعوب، وليس معنى ذلك بالضرورة أن كل الحاكمين جائرين. وأن كل ذوى الجاه مفسدين.
ولكن الواقع وطبيعة الأشياء وحركة التاريخ تشير جميعها إلى غلبة ظهور الجور من هؤلاء والفساد من أولئك على التزام العدل والإصلاح منهما، لاسيما مع غياب العمل بالشورى ومساءلة الحاكمين وتغيير منكراتهم، ويقع الجور والفساد منهم فى كثير من الأحوال والأزمان والبلدان إلا من عصم الله.
ولما كانت الحقوق فى الإسلام غير مطلقة وإنما هى مقيدة بأصول كلية ومبادئ عامة، ليتحقق مقصود الشريعة وهو تحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد، كان لابد من اجتهاد الأصوليين وفقهاء القانون فى إيجاد الصيغ أو الأنظمة القانونية التى تنظم ممارسة الأمة لحقها واجبها فى مقاومة جور الحكومات والحاكمين وفساد المفسدين من ذوى الجاه فى ضوء متغيرات العصر، وذلك فى معنى قوله تعالى: «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون» (آل عمران: 104)، فجعل مساءلة الحاكم وتغيير المنكر فرضا على كل فرد كفاية بإطلاق، وعينيا لمن نصب له، ولايزال يلاحق الأمة كافة حتى يتغير المنكر ويزول الفساد.
لقد وضع لنا النبى (صلى الله عليه وسلم) نموذجا رائعا، حيث لم يحدد من الخلفية بعده وترك ذلك إلى اجتهاد الصحابة، لأنه لو وضع أسس اختيار الخليفة لكان ذلك سنة واجبة التطبيق، ولكن فطن النبى «صلى الله عليه وسلم» أن الصيغ التى يتعامل بها المسلمون تتغير بتغير الزمان.
ويظهر هنا ما يمكن أن تلعبه المؤسسات الدستورية فى الأنظمة الديمقراطية النيابية من دور فاعل فى ضمان الحقوق الأساسية والحريات العامة للمواطنين.
وهو صحيح شرعا ولا يعارض أصلا من أصول الإسلام كما نرى من قبول بالديمقراطية والمجالس النيابية فى التصدى لمساءلة الحاكم وإزالة منكراته.
ونظام الحسبة فى الإسلام نظام قانونى فذ، قابل للتطور، يعتمد على أساسه على نصوص من القرآن والسنة للاحتساب على ذوى السلطان وتغيير المنكرات التى تقع منهم على حقوق الله فى مفهوم العصر، كالاعتداء على مبدأ الشورى والحرية والمساواة وكرامة المواطن.. وغير ذلك من المنكرات السياسية التى لم تكن محل الاهتمام الكافى فى مباحث العلماء المتقدمين فيما يسمى بلغة فقهاء العصر علوم السياسة الشرعية أو القانون العام.
إننا نحاول فى هذه الدراسة إبراز الدور السياسى الذى يمكن أن تلعبه الحسبة كنظام إسلامى يحقق رقابة شعبية فى تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم من منظور مقارن بالمؤسسات الدستورية فى الأنظمة الديمقراطية النيابية الحديثة والتشريعات الوضعية، فى مجال لم يستوفه البحث المعاصر فى مجال السياسة الشرعية فى الإسلام حقه.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف العام فإن الدراسة تعنى بتحقيق عدد من الأهداف الفرعية التى يمكن ومن خلال تضافرها معا أن تسهم فى الوصول إلى الأهداف الكبرى التى يطمح إليها الباحث، وهى على النحو التالى:
1 إبراز الدور الرقابى الشعبى على السلطات المتمثل فى نظام الحسبة لاسيما السلطة التنفيذية ورئيس الدولة.
2 طرح نظام احتسابى جماعى ومؤسسى لمقاومة جور وفساد السلطات التنفيذية ورئاسة الدولة يجنبنا العنف فى ممارسة الحسبة غير المنضبطة فى مرتبة تغيير المنكر باليد بشكل عشوائى.
3 إلقاء الضوء على الضوابط الشرعية للحسبة فى الإسلام، وعلى شروط المحتسب والمحتسب فيه.
4 إبراز احترام الإسلام لمبدأ الفصل بين السلطات.
5 عدم النظر للحسبة باعتبارها ضمن قضاء المظالم، وإنما باعتبارها قوى شعبية معارضة لجور الحاكم.
6 عدم التعامل مع الحسبة باعتبارها ولاية بوليسية، وإنما إدخالها فى الفقه السياسى الإسلامى كمبدأ يمارسه المواطنون كفرض كفاية، والمؤسسات الدستورية المعنية كفرض عين، وعلى رأسها المجالس التشريعية البرلمانية والأحزاب السياسية وسائر منظمات حقوق الإنسان والجمعيات الأهلية المعنية بالحفاظ على حقوق الإنسان الأساسية وحرياته العامة من اتحادات ونقابات.
7 تبيان عمومية تطبيق الحسبة فى كل البلدان.
8 إمكانية رفع دعاوى الحسبة على الحاكم الجائر، وما يقع من الحكومات من بغى أو فساد أو مخالفة للدستور والقانون دون التزام بشرطى الصفة والمصلحة الملتزم بها فى سائر الدعاوى القضائية، وهو ما ذهب إليه القانونيون تيسيرا لإمكانيتها وتحقيقا لمقصدها، ولقد ذهبنا إلى أن شرطى الصفة والمصلحة متحققان فى دعوى الحسبة فى قوله تعالى: «ولقد كرمنا بنى آدم» حيث جعل الآدمية هى الصفة وتحقيق كرامة الآدمى هى المصلحة، وكرامة الآدمى هنا مطلقة فى عمومها فى مختلف مجالات الحياة، سياسية واقتصادية واجتماعية.
9 الإشارة إلى إمكانية عولمة نظام الحسبة الإسلامى وتدويله، بناء على عالمية الإسلام سبقت بالناس إلى ذلك حيث قال الله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا» (سبأ: 28)، «وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا» (النساء: 79)، «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» (الأنبياء: 107) وكرامة الآدمى لب رسالة قال تعالى: «ولقد كرمنا بنى آدم» (الإسراء: 70) فلا غرو أن نجد عولمة الحسبة على الظالمين وتغيير منكراتهم سبقت عولمتها فى القرب، كما نرى فى هذا الزمان ضد كل حاكم ظالم مرتكب لجرائم الحرب ما يقبل وما يرفض وما يطور منها.
10 تحليل التطبيقات المستحدثة الجارية لممارسة الحسبة فى الوقت الراهن.
ومما يجدر الإشارة إليه كذلك أن المحتسب عليهم فى موضوع بحثنا يقتصرون على شريحة محدودة من شرائح المجتمعات، هى الطبقة الحاكمة بنفوذ السلطان أو المؤثر فى مجريات الأمور بنفوذ الجاه أو المال، وهما مناط الصلاح والفساد بالدرجة الأولى فى المجتمع الإصلاح إن هم عدلوا وأصلحوا، والإفساد إن هم بغوا وأفسدوا والأصل فيهم بحكم السلطان والجاه حمل الناس على فعل المعروف وترك المنكر، كجزء من الأمة.
ويحاول الباحث خلال هذه الدراسة الوصول إلى تصور صحيح ومقبول لنظام الحسبة فى الإسلام فى وقتنا الحاضر، يمكن أن يؤدى دوره فى الاحتساب على ذوى الجاه والسلطان فى ضوء دراسة المبادئ التى قررها الإسلام فى المجال الدستورى والسياسى وأصول الفقه الإسلامى، والتى على أساسها يقوم نظام الحسبة، وواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لمقاومة الظلم بجميع صوره من سياسى واجتماعى واقتصادى، وجور الحكام ومحاربة أنواع الفساد التى تقع من ذوى الجاه والشوكة فى المجتمع.
وكذلك نحن غير بعيدين عن دراسة بعض صور تطبيقاتها فى عصور مختلفة، وفى غير مجافاة للنصوص الملزمة والقواعد العامة التى جاءت فى الكتاب والسنة، ولا للمبادئ الكلية للنظام السياسى فى الدولة الإسلامية.
وما نظام الحسبة فى الإسلام إلا جزء من كل فى بناء المجتمع المسلم والدولة الإسلامية، متعرضين لما تقدمه النظم القانونية الوضعية السابقة من تصورات ونظريات ومصطلحات فى مجال الفقه السياسى الدستورى ذات صلة بموضوع بحثنا، ولها فائدة فى إدراك أصالة قيمنا، وتحريرها من الاختلاط بغيرها، وربطنا بأصول تراثنا هويتنا الحضارية المتميزة، من منظور الدراسة المقارنة بالأنظمة المشابهة فى التشريع الوضعى، فى حدود ما يخدم موضوعنا، وفى غير تفصيل تتوه فى زحمته الخطوط الأساسية.
ولذا بدأ الباحث الدراسة بفصل تمهيدى يتحدث فيه عن قضايا ومفاهيم أساسية تشكل منطلقات رؤيته، ويبحث فيها حق مقاومة جور الحاكم، ودستورية الحسبة، وغموض مصطلح التغيير باليد، وسوء تطبيقه، بالإضافة إلى تناول الباحث للدراسات السابقة والمقارنة والحديثة وهو ما جعل بحثه يتميز عنهم.
ثم قام الباحث بتقسيم الدراسة إلى ثلاثة أبواب رئيسية، الباب الأول ويتناول الاحتساب عموما ويركز على مفهومه السياسى ونقض ما تعلق به من مفاهيم شائعة عنه تحاول إخراجه من الدور السياسى الجوهرى الذى يلعبه هذا النظام وتحويل دوره إلى دور قضائى وبوليسى.
ثم قسم الباب الأول إلى أربعة فصول أساسية، تحدث فى الفصل الأول عن معنى الحسبة وعن التأصيل الفقهى لسند الحسبة الشرعى، والحديث عن وظائف الحسبة، مع التركيز على الوظيفة الأساسية السياسية لها. وفى الفصل الثانى تحدث عن أحكام الحسبة، وخصص الفصل الثالث للتفرقة المهمة بين نظام الحسبة ونظام القضاء وديوان المظالم. وفى الفصل الرابع قارن بين الحسبة كنظام اتهام وبين الأنظمة المشابهة فى التشريع الوضعى.
وفى الباب الثانى تناول الحسبة من حيث علاقتها بالدولة والحكم موضحين بعض المفاهيم الأساسية، فجاء الفصل الأول للتعريف بالمحتسب عليهم أو ذوو السلطات والجاه. وفى الفصل الثانى تناولنا أنظمة الحكم، والسياسة الوطنية، وأشار إلى وجوب الحسبة فيها على ذوى السلطان، أما الفصل الثالث فقد قارن فيه بين الحسبة فى الإسلام والتشريع الوضعى، فقارن بين نظام الحسبة ونظام المفوض البرلمانى والمدعى العام، واعتبرناها مشاركة سياسية تستهدف العدالة الاجتماعية، وفى الفصل الرابع تحدث عن مدى علاقة مبدأ الفصل بين السلطات بالحسبة على ذوى السلطان.
أما الباب الثالث فخصصه لمناقشة الأنظمة السياسية المعاصرة، والمقصود الاحتسابى فيها، موضحين ضرورة الحسبة، فقسمنا هذا الباب إلى أربعة فصول، فجاء الفصل الأول ليبين المقصود الاحتسابى للأنظمة السياسية الديمقراطية، وفى الفصلين الثانى والثالث تحدث عن الحسبة فى نظام الجمهورية الرئاسى، والحسبة فى النظام السياسى النيابى، وأخيرا تحدث فى الفصل الرابع عن خاتمة تقييمية جاء فيها ببعض النماذج التطبيقية التى طبقت فيها الحسبة وتعليقه عليها.
وقد ختم الباحث دراسته بمجموعة من النتائج والتوصيات التى توصل إليها وأهمها:
إن مقاومة الظلم والاحتساب على الحاكم واجب دينى، ومن أجل ذلك شرع الإسلام مقاومة الظلم، وأوجب على الأمة الإنكار على حكام الجور ما وجدوا إلى ذلك سبيلا.
إن جوهر الديمقراطية مقبول فى الإسلام، مع الإقرار بأن ثمة فوارق من أهمها أن سلطة الأغلبية التى هى إحدى ركائز نظام الحكم الديمقراطى النيابى ليست مطلقة فى الإسلام، وإنما هى محكومة بما قدره الإسلام من مبادئ وأصول جاءت بها نصوص القرآن والسنة على وجه القطع والإلزام الشريعى.
إن الإسلام لم يفرض نظما مفصلة تحكم نشاطات الحياة المختلفة سواء بالنسبة لنظام الحكم على أهميته القصوى أو بالنسبة لغيره من الأنظمة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، ونظام الحسبة فى الإسلام لم يشذ عن هذه القاعدة، فما هو إلا واحد من هذه الأنظمة التى عرف أساسها، وجرت ممارستها منذ العهد النبوى.
إن أعمال الحسبة الرقابية على السلطة الحاكمة ما يقوم به فى نظامنا الحاضر جهات متعددة على رأسها المجالس النيابية وما خوله الدستور لها من حقوق ووسائل لأداء دورها الرقابى، وهو احتسابى، وكذلك المعارضة أحزابا وصحافة ونقابات وجماعات وغيرها.
كما أن للقضاء العادى والإدارى دوره فى الحسبة، حيث يمكن اعتبار دعاوى الإلغاء أمام المحاكم الجنائية صورا لدعاوى الحسبة المعروفة فى الفقه الإسلامى.
إنه إلى جانب الوظائف التقليدية للحسبة، فإن لها وظيفة سياسية فى المجتمع والدولة على السواء بالغة الأهمية والحيوية، بحيث يمكن أن نعتبرها جزءا أساسيا من المشروع الحضارى الإسلامى المتكامل الذى يستهدفه المسلمون عامة، وعلماء الأمة ومفكروها الإسلاميون خاصة، ويجدون فى إحياء وظيفة الحسبة عامة، وعلى ذوى الجاه والسلطان خاصة، أداتنا الإسلامية للإصلاح السياسى بل والاقتصادى والاجتماعى كذلك، وهى فى الوقت نفسه أداتنا للإصلاح الدستورى من منظور الديمقراطية الحقيقية.
إن الحسبة على ذوى السلطان تشكل كبرى الضمانات الشرعية للحريات العامة والحقوق الأساسية للإنسان، أو المبادئ التى حمى الأفراد من طغيان الدولة واستبداد الحكام وهو المطلب العاجل والملح الذى تتطلع إليه الشعوب، لاسيما الواقعة منها فى دائرة الدول النامية، ودولنا العربية والإسلامية داخلة فيها.
إن الضرورة تجعل المحظور جائزا، لذلك فإن الحكومة الخلافة التى لا تتوافر فيها جميع الخصائص المميزة للحكومة الصحيحة تصبح رغم ذلك جائزة أى شرعية مادامت أنها تمثل أخف الضررين، لأن احتمال قيام نظام مشوب بعيوب الحكومة الناقصة أقل ضررا وخطورة من غياب كامل لأى نظام للحكومة الإسلامة الخلافة.
إن مبدأ الفصل بين السلطات فى الإسلام إضافة إلى مبدأ الشرعية الإسلامة بمعنى سيادة الشريعة يكونان أكبر سند شرعى لوظيفة الحسبة على ذوى السلطان، لما يتضمنان من تقييد السلطة التنفيذية بمهمتها الدستورية وهى التنفيذ لا التشريع، ومن غلق الباب أمام الحكام دون حق استصدار قوانين ظالمة.
إن المقاصد التى تخدم الأمة العربية والإسلامية من خلال هذا الموضوع ترتبط ارتباطا وثيقا بكيفية مشاركة الحاكم للمحكوم، وكيفية مشاركة المحكوم للحاكم، مما يجعل المسئولية التى تقع على عاتق الاثنين.
أما إذا ظلم الحاكم وجحد لقوله تعالى: «كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى} (العلق: 6 7). نجده فى هذه الحال مستغنى عن الشعب، وأن عنده من الأجهزة المعاونة ما تجعله يبطش ويظلم، مما يترتب على ذلك عدم وجود دور ورأى عام قوى للمحكومين.
ونحن نرى أن إدارة الأمة لواجبها فى المشاركة فى الحكم ومساءلة الحاكم يولد عندها رأيا عاما قويا، وإذا تأصل عند المحكومين هذا الدور تولد عند الحاكم أن للمحكومين رأيا عاما قويا ومعارضة قوية تجعل الحاكم يعمل لذلك ألف حساب.
وفضل الباحث أن يختم موضوع بحثه بالتنبيه، على نقاط أساسية جوهرية راجعها فى الكتاب والسنة تبين أهمية وعى الأمة بدينها لاسيما فى مجال موضوعه ومدى الحاجة إلى النهوض بها لاستعادة وحدتنا وتقدمنا فى كل مجالات الحاية، وذلك للنهوض المنشود بأمتنا ونحملها ما حملت من أمانات بها صلاح أولها وإصلاح البشرية أنظمة وجماعات على اختلاف مكانتها وتفاوت حالاتها بين القوة والضعف والتقدم والتخلف كما يلى:
1 أن الإسلام عنى عناية كبرى بازدهار المسلمين رجالا ونساء، ودعاهم للوحدة ونبذ الخلاف، قال تعالى: «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون» (الأنبياء: 92)، وقال سبحانه: «وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين» (الأنفال: 46).
2 أن أمة الإسلام موصوفة بالعزة، وعزتهم من عزة الله كما فى قوله تعالى: «يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون» (المنافقون: 8)، وقوله سبحانه: «الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا» (النساء: 13)، وقوله: «من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور» (فاطر: 10)، وقوله عز وجل: «ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم» (يونس: 65).
3 أن المسلم لا يكون مسلما إلا إذا اهتم بأمر أمته لينقلها من ضعف إلى قوة، ومن تخلف إلى تقدم كما فى قوله تعالى: «والعصر * إن الإنسان لفى خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} (العصر: 1 3).
ولكم جميعا كل الحب والتحية والتقدير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.