يحمل المخرج أحمد ماهر أحلام ورؤى جيل ربما تعكس نظرة مغايرة للسينما المصرية.. نظرة يمكن أن تعيد لها ركنا مهما تلاشى عبر سنوات وهو جرأة التناول والشكل المغاير.. وبقدر السعادة التى انتابت الوسط الفنى بمصر بمجرد الإعلان عن اختيار فيلم «المسافر» للمشاركة فى المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائى الدولى، بقدر الدهشة والحزن اللذين سيطرا على مخرجة، إثر شائعات انتشرت عن نشوب خلافات سواء بينه وبين أبطال الفيلم أو بينه وبين من ساهموا فى إنتاجه التى ظلت تسيطر على تغطية المهرجان بالصحف المصرية بعيدا عن تناول حقيقى يرصد رؤية فنية للفيلم.. وبعد أن هدأت الضجة التى أثارها «المسافر» خلال الفترة الماضية، وقبل عرضه فى القسم الرسمى خارج مسابقة مهرجان القاهرة، فتح مخرجه الواعد أحمد ماهر قلبه ل«الشروق» مؤكدا أنه يسعى جاهدا لتجاهل ما وصفه ب«حالة التربص» بالفيلم، ليتذكر فقط لحظات النجاح التى عاشها خلال المشاركة فى أكثر من مهرجان ويقول «حملات الهجوم ستسقط من الذاكرة وسيبقى فقط ما سيسجله التاريخ بأننى ثانى مخرج بعد يوسف شاهين يشارك فى المسابقة الرسمية بفينيسيا». فى البداية سألته.. هلى يكفى المشاركة فى فينيسيا لتصف فيلمك بالناجح؟ لا.. النجاح بالنسبة لى أننى لم أخطو فى نفس الطريق الذى سارت فيه أفلام كثيرة من قبل وهو توصيل ما يريد الغرب رؤيته.. فالغرب يريد أن يقول لنا: قدم لى ما أتصوره عنك وأكد لى ضعفك وأثبت لى فى كل مرة أنى أعرفك أكثر من ذاتك.. وهذا ما لم أحبه ونأيت بنفسى عنه. إذا كانت تلك رؤيتك عن الغرب فلماذا ذهبت إلى فينيسيا من الأساس؟ أكثر شىء عجبنى فى الموضع هو علمهم بأنى لا أقدم ما يريدونه، وفى الخارج عندما يعلمون أن هناك فيلما مصريا يأتون لمشاهدته وأيضا بسبب غياب مصر عن الساحة الدولية لسنين طويلة وخصوصا بعد وفاة يوسف شاهين، ولذلك فالغرب لديه شغف لمعرفة ما الذى ستقدمه مصر بعد هذا المخرج ولديه فضول أيضا للتأكد من أن التصور الذى يكنه عن مصر حقيقى أم لا، ولكنى أحب تأكيد أن الأفلام لا تُصنع بهدف التعرف على بلد بعينه. وأضاف ماهر: لن أطيع الإنتاج الغربى الذى يريد أن يفرض سيطرته علينا ولن أطيع الأوصياء على الجمهور المصرى، ونحن أصبحنا نصنع نسخا من الأفلام الأمريكية، وفى رأيى أن السينما الوحيدة التى لا تسرق الأفكار هى السينما الكوميدية المصرية كما هى فى أفلام محمد سعد. معنى ذلك أن «المسافر» يمثل حالة «تمرد» على الغرب؟ أعتبر نفسى قد خرجت من العباءة التى يريدونها لنا وصنعت شيئا مغايرا ورفضت أن يشكلوننى كيفما يحلو لهم.. قبل عرض الفيلم بأسبوعين اتصلت بى وكالة صحفية إيطالية شهيرة وقالوا لى إن الفيلم سيثير ضجة إعلامية بسبب عبارة داخل الفيلم واستندوا إلى معلومات خاطئة بأن الفيلم يحتوى على «علاقة بين أب وابنته».. وأخبرونى أنه من الممكن استغلال هذه الفكرة فى الترويج للفيلم لكننى رفضت هذا الأسلوب. وكيف استقبل النقاد فى فينيسيا تلك الحالة من التمرد؟ النقاد انقسموا لفريقين: الأول سعيد بأن الفيلم مختلف عن الصورة الذهنية الموجودة لديه والثانى يقول إن هذا ليس الشرق الذى نعرفه وهنا تكمن الأزمة.. ثم بعد ذلك يقولون فى مصر إن الفيلم غربى أو مصنوع للغرب. لكن الحال كان مختلفا فى مصر حيث تعرض الفيلم لحملة هجوم عنيفة؟ المشكلة ببساطة شديدة هى أن يقوم الصحفى بدور المنظر ويبدأ فى الهجوم على الفيلم رغم أنه غير متخصص فى النقد، وما يدعو للتشاؤم أن الرأى العام فى مصر وصل لهذه الدرجة من الهشاشة حتى إن بإمكان 3 أو 4 نقاد ان يسيطروا عليه.. وقد وصلت حالة الهجوم إلى حد وصف الفيلم بأنه «فضيحة». وما الذى يقصدونه بكلمة «الفضيحة» فى رأيك؟ لا أعرف حتى الآن الأساس الذى بنيت عليه هذه الكلمة، فالهجوم لم يقتصر على هذا الوصف لكن هناك آخر وصفه ب«ووترجيت».. وثالث اكتفى بوصفه ب«الفاشل».. وقد وصل الأمر إلى حد التشكيك فىّ شخصيا وفى إدراة المهرجان التى اختارت الفيلم. كما أن هناك من روج لشائعات عدة مثل الادعاء أن عمر الشريف تشاجر مع خالد النبوى حول الأفيش، أو الإدعاء بأن فاروق حسنى تدخل من أجل اختيار الفيلم لفينيسيا، وهناك من تساءل ما الذى يدفع وزارة الثقافة لإنفاق كل هذه الملايين على الفيلم؟ هل لديك تفسير لتلك الحملة؟ المعنى الكامن وراءها هو أن آخر شىء نفكر فيه هو العمل ذاته، وأنا فى بداية الأمر ظننت أنه مجرد اختلاف فى الرأى فقط وعندما أمعنت التفكير فى الأمر سألت نفسى من هم النقاد الذين شاهدوا الفيلم وذهبوا لفينيسيا؟، فمن انتقد الفيلم ليس له علاقة بالنقد وهناك خلط بين المزاج الشخصى والمعايير التى يتم الحكم بموجبها على عمل معين، ثم تكتشف أن من ذهب لرؤية الفيلم يبحث عن ضجة ونميمة فقط. يبدو أنك تعانى من حالة مرارة نتيجة الهجوم؟ ليس بهذه الصورة.. لكن لا يوجد أحد فكر للحظة أننا بهذا الفيلم من الممكن أن نعود لمكانتنا، ومن الأمور المؤسفة أيضا المقال الذى نشر فى جريدة «السفير» اللبنانية تحت عنوان (اغتيال أحمد ماهر فى مصر)، وأرى أن هذا الفيلم لو لم يكن من إنتاج وزارة الثقافة ولم يشارك فى مهرجان فينيسيا فكانوا بالتأكيد سيحتفون به. وأضاف: لا يصح أن نقحم تصفية الحسابات الشخصية فى هذا الأمر ولا يصح أنه بسبب موقف ما من وزارة الثقافة أن أهاجم الفيلم هذا الهجوم الضارى، وفى النهاية أرى أن الذى تحمل كل هذا هو فاروق حسنى لأنه كان عليه أن يحمى الفيلم فى كل مراحله. هل بالفعل اختصرت مدة الفيلم قبل المشاركة فى مهرجان «أبوظبى» أو حتى بناء على طلب عمر الشريف؟ كل ما حدث أن الموزع قال لى إن الفيلم تجاوز الساعتين بدقائق، فقمت باختصار تترات الفيلم فى زمن مدته ساعتين، بالإضافة إلى أشياء تكنيكية فى الوسط هذا بالإضافة إلى أنى قمت باختصار عدة لوحات سوداء فى الفيلم، ولكن المنتج لم يفرض علىّ أى تغيير ومهرجان أبو ظبى لم يطلب شيئا ولو فعل ما كنت لأوافق، كما أن عمر الشريف لم يقل شيئا وكل ما ذكره أنه معجب جدا بالفيلم لأنه حقق أهم هدف له وهو كونه غير تجارى، وليس صحيحا ما تردد أنه يقاطع الفيلم. لماذا لم يُعرض الفيلم فى المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائى؟ مهرجان القاهرة تاريخى وقديم ولكن لديه شروطا مكبلة إلى حد ما وهو لابد أن يكون الفيلم عرضا أول، كما أن قرار عرض الفيلم فى المهرجان لا يعود لى وإنما يعود لإدارة المهرجان والمنتج، ولا يوجد لدى موقف من المهرجان. بدليل أنه يعرض فى القسم الرسمى خارج المسابقة. ماذا عن توقعاتك لاستقبال الجمهور المصرى للفيلم؟ من الممكن أن يكون لهذا النوع من الأفلام مشاهدون مصريون يستمتعون بها، فلماذا أصر على عدم عرض هذا النوع فى مصر، ولماذا لا أعطى الفرصة لمخرجين آخرين أن يصنعوا نفس النوعية بتكلفة أقل؟، ومن الممكن أن يحقق هذا الفيلم إيرادات مرتفعة بسبب الفضول لدى الناس الذى سيدفعهم لمشاهدة شىء مختلف، وأحب أن أقول إنه عُرض على أن أصنع أفلاما عن المهاجرين وعن اختلاف الثقافات... وفى النهاية الموضوع كله يصيبك بالحسرة لأنه لا يوجد أحد حاول أن يشاهد الفيلم ويقول رأيه بصراحة. وأضاف: أرى أن المشاهد المصرى مظلوم لأنه لا يرى إلا نوعا واحدا من الأفلام، وهذا المشاهد كان واسع الأفق ومتنوعا ولكن بعد ذلك تمت تربيته على عدم معرفة إلا نوعا واحدا من السينما وبالتالى حرمانه من التنوع. معنى ذلك أنك تستعجل نزول الفيلم فى دور العرض لتثبت صحة كلامك؟ جدا، ولكن العملية السينمائية مرتبطة ارتباط وثيق بالعملية الإعلامية وكل شىء له خطته الإعلامية فى العالم كله، والنقاد فى معظم الدول الكبرى يقومون بتأهيل أى فيلم إعلاميا بالأخبار والإعلانات، وهذا الفيلم يحتاج لتقديم نوع خاص للمشاهد البسيط لتؤهله لمشاهدة هذا النوع من الأفلام وتوعيته بأهمية الفيلم، ولكن عندما يُنشر أن الفيلم صعب وغربى وإيقاعه بطىء فهذا حتما سيؤثر على المشاهد، ومن المفترض أن الفيلم لو إيقاعه بطىء ومختلف فنقوم بتهيئة المشاهد وتقريب الصورة لديه فوظيفة الناقد الصحيح أن يوصل للمشاهد لماذا يتميز هذا الفيلم بهذا النوع من الإيقاع، ولا يصح الحجر على المشاهد.. فالهجوم على الفيلم يمكن وصفه ب«الحجر» عليه أو «بالتلاعب بوجدان المشاهدين». هل يوجد نية لدى وزارة الثقافة بعدم طرح الفيلم فى السوق حاليا؟ لا أعتقد ذلك.. ولكنى أحب أن أقول إننى كنت أتمنى أن يوجد دور للنقاد لصالح السينما وليس دورا هداما لتحقيق مصالح أخرى، وأذكر أننى عندما قابلت المنتج جابى خورى والمنتج عماد أديب قالا لى إن الفيلم مختلف ولابد أن نحيى المجهود الذى بذلته. أخيرا.. هل ترى نفسك قد خرجت منتصرا أمام حملات الهجوم؟ كل ما قيل سوف يُنسى تماما على مر الأيام وما سيبقى هو «كتالوجات» المهرجان التى سيُذكر فيها أن يوسف شاهين هو الوحيد الذى اشترك فى المسابقة الرسمية.. وأنا من بعده وهذا فى حد ذاته تاريخ لا يصح أن ننكره. وأستطيع القول أيضا بأن « المسافر» سيرشح لأوسكار 2011 وحتى هذا لم يتم التخطيط له، وأنا قمت باختصار كل هذه الخطوات المتعلقة بالتخطيط وفتحت الباب لذلك ومن الصحيح أن نكمل فى هذا الطريق ولا نتراجع.