شهد الوسط الثقافى الأسابيع الماضية حادثتين تحملان دلالة ثقافية يعانى منها كثيرا العقل العربى بشرط قراءتهما معا، ويفضل أيضا مقارنتهما، الحادثة الأولى هى رفض الكاتب الإسبانى «خوان جويتسولو» جائزة القذافى العالمية للآداب (150 ألف دولار)، «لأسباب سياسية وأخلاقية»، كما أوضح بنفسه، قائلا إنه فى موقفه هذا ينسجم مع عدم تردده فى انتقاده الأنظمة السلطوية، ويتماهى مع مناهضته الأنظمة الاستبدادية، مؤكدا «أن أقبل جائزة يمنحها القذافى، فإن الأمر مستحيل تماما»، أما الحادثة الثانية فهى تخص ما حدث فى ليبيا مؤخرا أثناء انعقاد المؤتمر العام لاتحاد الكتُاب العرب فى مدينة سرت، والذى أعيد فيه انتخاب الكاتب محمد سلماوى أمينا عاما للاتحاد لمدة ثلاث سنوات، والذى أكد فيه أن اتحاد الأدباء والكتاب العرب أنجز نظاما جديدا ولائحة جديدة، فى البلد الذى طالب قائده بوضع نظام جديد ولائحة جديدة للأمم المتحدة، موضحا: «أننا استشعرنا أيها الأخ القائد العزيز ما استشعرتموه أنتم حين ذهبتم إلى الأممالمتحدة مطالبين بتغيير نظام هذه المنظمة الدولية بعد أكثر من 60 سنة على إنشائها، استشعرنا هذه الحاجة، وقمنا بالفعل بتغيير اللائحة والنظام الأساسى لهذا الاتحاد، حتى نساير متغيرات العصر وما طرأ على الأدب والثقافة فى الوطن العربى خلال ما يزيد على نصف قرن من الزمان. توافق لا أعتقد أنه من قبيل الصدفة بين جموع أدباء وكتاب العرب وبين كاتب أديب نعتز به». والواقع أن الحادثة الثانية أحداثها متشابكة متداخلة تثير الجدل وتطرح الأسئلة، ومن أحداثها الغريبة عقد ندوة ضمن أحداث المؤتمر تحت عنوان «النص الأدبى لدى المبدع معمر القذافى» ولا يعرف أحد ما هو إبداع الرئيس الليبى، الذى يعكف الآن على كتابة مسلسل سيذاع فى رمضان المقبل عن حال الديكتاتوريات العربية. أما الواقعة الأبرز فى الحادثة الثانية فهى لقاء أعضاء الاتحاد بالرئيس القذافى، ففى أثناء هذا اللقاء أدلوا الأعضاء بكلمات تثير الكثير من علامات التعجب حول الرئيس القذافى وإبداعه ودعواته الدائمة لإصلاح العالم إذ أكدوا: «تشرفهم بالتقاء الأخ القائد بهم، وعن اعتزازهم بإسهاماته الكبيرة فى إثراء الأدب والثقافة العربية، ودعمه وتشجيعه المتواصل للأدباء والكتاب العرب، كما عبروا عن إكبارهم وفخرهم بخطابه الأربعينى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذى أثلج صدورهم خاصة عبارة «نحن هنا» التى خطها فى مجلس الأمن». وأترك القارئ مع كلمات قيلت أثناء ذلك اللقاء ليعرف مدى ما وصل إليه العقل العربى من عيوب والتى جاءت على لسان أحد مسئولى الاتحاد: «المفكر الأديب معمر القذافى» ضمير العالم وعقله المستنير: نحمد الله الذى قيض لنا هذا اللقاء، الذى ظل الأدباء ينتظرونه بشغف متزايد، وأنت مرشدهم وأبوهم ورفيقهم الذى قلت لهم بتواضعك الجم وأخلاقك الحميدة فى اختتام كلمتكم فى اللقاء التاريخى بهم خلال شهر ناصر «يوليو» 2005 بالرباط: «أنا معكم ومنكم».. ولكن أكيد فى آخر القائمة.. «أنا معكم وأساندكم».. ونحن نقول لكم اليوم أبدا.. أنتم أولنا.. إمامنا.. قائدنا.. رائدنا الذى نتعلم منه، ويرشدنا إلى سواء السبيل.. أنتم المفكر العظيم الذى نفتخر بالانتساب لمدرسته الجماهيرية المجيدة.. أنتم صوت الحق، ملاذ المضطهدين.. أنتم الاسم الحركى للحرية.. ضمير العالم وعقله المستنير.. صوت الحق، الذى زلزل بناء هيئة الأممالمتحدة المتهالك، ليجلجل بلسان عربى مبين «نحن هنا»، نحييك على مواقفك.. نفتحر بمآثرك.. ننتسب لشجرة الخلاص التى زرعت بذرتها فى تراب الأرض». وأضاف فى كلمات أخرى: «أود القول ونحن نتشرف بلقاء الأديب معمر القذافى: إن الإبداع لدى المفكر الكاتب معمر القذافى لا ينفصل عن رؤاه الفكرية القائمة على الشعبية الاجتماعية والجماعية كثنائية تؤسس لسلطة الشعب، وتنفى العصبية الحزبية والقبلية والطائفية، وتعتبرها خطرا على الإنسانية، وهى تستدعى من الشواهد ما يؤكد حجية رؤيته. إنها رؤية على جانب آخر تعيد النظر فى علاقة المثقف والسلطة، مثقف السلطة ودلالته فى قاموس كل باحث، فالتنافر بين الاثنين قائم ومكرس ومستمر ما دام المثقف ينتمى معرفيا للجماهير، والسلطة تغتصب من قبل قلة قسريا دون الشعب. لكن عندما تكون السلطة بيد الشعب، وفق تنظيم شعبى، تكتسب عضويته دون أى قيود لكل من أتمّ الثامنة عشرة، فإن الانتماء لها والدفاع عنها والتحريض لأجلها يكون رسالة لكل أديب وكاتب ومثقف، وهو ما يلغى المفهوم الحكومى البالى لمثقف السلطة، ويحيله إلى متحف التاريخ، وليحل محله مثقف سلطة الشعب، المثقف الجماهيرى اللانخبوى دون أى لغط أو غضاضة. وإن الإبداع لدى «معمر القذافى» الأديب عصى على التجنيس والتصنيف.. قد يكون مقالة قصصية، أو قصة مقالية، أو قصة أو مقالة، وقد يكون كل ذلك.. فهو يرسم بكلماته ملامح المستقبل الذى قوامه الإنسان بغض النظر عن لونه أو جنسه أو دينه، ولا يتوقف كثيرا عند الشكل الذى يعبر من خلاله عن ذلك، فهو يرفض القيود بطبيعته، ولا يلهث وراء القافية، لأن القائد «معمر القذافى» يمثل البعد الجمالى لقافية الخلاص، وذلك يكفيه، وهو الذى تحفظ الجموع صورته فى بؤبؤ عيونها، وفكره ورؤاه فى سويداء قلوبها». إلى هنا ننهى اقتطافنا من كلمات أعضاء الاتحاد إلى معمر القذافى والتى انتهت بإهدائه درع الاعتزاز، بصفته كاتبا لا رئيسا لليبيا، قائلين له إن: «هذا درع الاعتزاز، درع مثقفى هذه الأمة لأننا نرى فيك أنك الأمين على هذه الثقافة، وأنك المخول بأن تكون حاميا له». ويظل حدث إعلان ترجمة 100 رواية عربية وهو مشروع طموح فعلا هو الأكثر جدلا فى الحادثة الثانية فخلال المؤتمر تم الإعلان عن اعتماد العقد المبرم بين الاتحاد والجامعة الايطالية والخاص بترجمة الأدب العربى، بالإضافة للعقد المبرم لترجمة الأدب العربى إلى الروسية، وفوض المجتمعون الأمين العام للتعاقد ومتابعة ذلك مع هذه الجهات. وكان الاتحاد العام قد اطلق مشروعا لترجمة الأدب العربى إلى الصينية ثم للروسية وتم التوسع عبر ترجمة مسرحيات ودواوين شعر للانجليزية ولغات أوروبية أخرى بشكل مشترك بين الاتحاد العام والمركز القومى للترجمة، ونجح فى الاتفاق مع «جامعة لاكروا» الايطالية لترجمة 100 رواية عربية من خلال الاتحاد والمركز القومى للترجمة، وتقوم الجامعة بطبعها ونشرها واستضافة الكتاب العرب مع ضمان جميع حقوق الملكية الفكرية. وكان قد صرح محمد سلماوى الأمين العام لاتحاد الكتاب العرب بأن فكرة المشروع ترجع لمحاولة تقديم صورة صادقة عن العرب من خلال أدبهم، ونفى ومحو كل الصور السلبية التى أظهرت العرب فى صورة غير حضارية، وأكد سلماوى أنه استطاع الحصول على عقدين للنشر، أحدهم فى إيطاليا والآخر فى روسيا، وفى هذه الحالة ستترجم الأعمال إلى اللغتين، وسيتحمل الناشر الطبع والنشر والتوزيع، ويتحمل الاتحاد أجر الترجمة. وأشار وقتها سلماوى إلى أن آلية الاختيار للأعمال كانت من خلال اتحادات الكتاب العرب التى قدم كل منها أفضل أعمال روائية لديه، ثم قامت لجنة باختيار أفضل مائة رواية من الأعمال المقدمة. وحصلت مصر على نصيب 29 عملا من القائمة، وتضمنت الثلاثية لمحفوظ، شرف لصنع الله إبراهيم، الحرب فى بر مصر للقعيد، رامة والتنين للخراط، الزينى بركات للغيطانى، لا أحد ينام فى الإسكندرية لعبدالمجيد، الحب فى المنفى لبهاء طاهر، الحرام ليوسف إدريس، الأفيال لفتحى غانم، قنديل أم هاشم ليحيى حقى، العودة إلى المنفى لأبو المعاطى أبوالنجا، وكالة عطية لخيرى شلبى، مالك الحزين لإبراهيم أصلان، عودة الروح لتوفيق الحكيم، أيام الإنسان السبعة لعبدالحكيم قاسم، رباعية بحرى لمحمد جبريل، غرناطة لرضوى عاشور، دعاء الكروان لطه حسين، فساد الأمكنة لصبرى موسى، السقا مات ليوسف السباعى، تغريبة بنى حتحوت لمجيد طوبيا، بعد الغروب لمحمد عبدالحليم عبدالله، شىء من الخوف لثروت أباظة، «فى بيتنا رجل» لإحسان عبدالقدوس، صخب البحيرة للبساطى، السائرون نياما لسعد مكاوى، 1952 لجميل عطية إبراهيم، البشمورى لسلوى بكر، والباب المفتوح للطيفة الزيات. والسؤال الذى يطرح نفسه ويحتاج إلى إجابة: ما آلية اختيار الرواية التى من المقرر ترجمتها خاصة وأن ال29 رواية مصرية لا تعبر عن حركة الإبداع المصرى بأكمله إذ لا توجد فيها رواية تحمل مثلا اسم الأديب الكبير علاء الديب وغيره مما يعنى أن هناك تهميشا لبعض الأسماء على حساب أخرى؟، فضلا عن سؤال: من الذى له الحق فى اختيار الروايات هل اتحاد الكتُاب فى كل دولة أم لجان شعبية تحدد الروايات؟ فمعروف أن اتحادات الكتاب فى الدول العربية تحقق فى النهاية رغبة الحكام لا الشعوب، إذ لا يجب أن نقيس اتحاد كتُاب مصر على كل الاتحادات العربية. وهناك سؤال آخر لا يقل أهمية حول آلية تنفيذ عملية الترجمة وما مدى التنسيق بين الناشرين واتحاد الكتُاب العرب؟