في حوار للكاتبة الأمريكية لوسي إلمان: أردت أن أحكم العالم لوسي إلمان: لا للأمومة حتى نأخذ حقوقنا من المجتمع كاتبة "البط، ونيوبيريبورت": الرواية عصارة أفكار وخواطر في ألف صفحة شاركت رواية "البط، ونيوبيربورت" للكاتبة الأمريكية لوسي إلمان في الدورة الأخيرة لجائزة البوكر الأدبية البريطانية لعام 2019، وهي الرواية الثامنة للكاتبة التي حازت بالفعل على العديد من الجوائز عن أعمالها مثل جائزة الجارديان للأعمال الإبداعية الخيالية التي حصدتها عن روايتها الأولى "سويت ديزرتس". في رواية "البط ونيوبيربورت"، تحدت إلمان كل قواعد بناء القصة المعروفة فالرواية تستغرق ألف صفحة لم تقم فيهم إلمان باستعمال سوى جملة واحدة فقط. وهي عبارة عن مونولوج طويل أو قائمة من الخواطر تستهل الراوية أو البطلة كل خاطرة فيهم بعبارة "وحقيقة أن"، وتكررها حتى نهاية الرواية، ولا تستعمل إلمان سوى الفصلة للفصل بين تلك العبارات أو الخواطر ولا تلجأ للنقطة ولا لتقسيم الجمل لمقاطع كما هو الحال في أي عمل سردي. ووصفت إلمان عملية كتابة روايتها التي استغرقت 7 سنوات كاملة ب"المرهقة للغاية"، حيث قالت أنها عزلت نفسها بالكامل عن الحياة الاجتماعية وكانت تكتب بمعدل 12 إلى 14 ساعة يوميًا عندما بلغت الربع الأخير من الرواية. وعن ظروف كتابة الرواية، قالت إلمان أنها كانت تستعمل نفسها كفأر تجارب للبطلة في العديد من المواقف، بمعنى أنها كانت تطبق مجريات الأحداث على حياتها الشخصية حتى يتسنى لها التعبير بصدق عن مشاعر البطلة، كما أنها لم تتبع نمط معين في كتابة الرواية، وكانت تكثر من التعديل والحذف وإعادة الصياغة. وأضافت أنها فضلت بدأ كل عبارة من عباراتها الطويلة بجملة "وحقيقة أن"، حتى تحقق عنصر التشويق بالنسبة للقارىء الذي يظل يقرأ بدافع الفضول ليعرف كيف ستنتهي كل جملة، كما أنها حرصت أن تعبر الجمل بوضوح عن خواطر البطلة التي تشعر بالحزن أغلب الوقت. وعن وصف روايتها ب"المناجاة الداخلية"، قالت إلمان أنها ليست مناجاة بالظبط، بل هي أقرب لمونولوج داخلي تواجه البطلة فيه ذاتها المضطربة، حيث تشطح أفكارها ما بين الاحتباس الحراري والمذابح التي ارتكبتها أمريكا ضد الهنود الحمر والأفلام السينيمائية وأمور الحياة اليومية المتعلقة بزوجها وبناتها، وهي بذلك تحاكي كيفية عمل الدماغ عندما ينشغل في التفكير بأمر ما أو في لحظات التأمل. وذكرت أن التحدي الأصعب بالنسبة لها، كان نقل "الروائح" و"الأصوات" على الورق؛ فبإمكان القارىء دومًا رسم صورة ذهنية لهم عند القراءة ولكن أن يستطيع الكاتب نقل صورة حية تتغلغل في وجدان القارىء للأصوات والروائح المحيطة بالبطل في مشهد ما، فهذا هو التحدي الأعظم. وكشفت عن أنها كانت تتمنى أن يقوم أحدهم بعمل موسيقى تصويرية للرواية، حتى يتسنى لها الهيمنة على القارىء و"أسره" في عالمها الخاص، وعندما سئلت عن السبب، قالت ضاحكة "لأن إن كان الأمر منوطًا بها، فهي ترغب في السيطرة على العالم كله"، كما جاء في لقاءها الإذاعي الذي بثته صحيفة الجارديان عبر بوابتها الرقمية. ووصفت إلمان بطلة روايتها ب"كتلة التناقضات"؛ فهي تشغل بالها كثيرًا بالشأن العام الأمريكي، وليس بالأمور السياسية المتعلقة بولاية أوهايو التي تعيش فيها فحسب، وخواطرها تنم عن عداوة صريحة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كما أنها شخص لديه الكثير من الأفكار التحررية وضد استعمال العنف في أي من المواقف، ومع ذلك هي ليست "ناشطة سياسية"، وإنما "اجتماعية" إن جاز التعبير. وتحدثت عن تيمة الأمومة التي تسري بقوة في الرواية؛ فالبطلة متأثرة للغاية بوفاة أمها، وهي بدورها أم، كما أن هناك حبكة موازية في الرواية عن أم من نوع آخر: وهي أنثى أسد جبلية تاه عنها أشبالها عندما خرجت لإحضار الطعام، وظلت تبحث عنهم لفترة طويلة، فترى إلمان أن الأمهات مظلومات؛ بسبب عجز المحيطين بهن عن تقدير حجم وعظمة دورهن، لا سيما الأبناء الذين يتمتعون بالجحود خاصة في مرحلة الطفولة، ولا يقدرون كل ما تفعله الوالدت لهم، الأم بالنسبة لإلمان "غير مرئية" و "ذليلة" و "مُبخسة الحق" في المجتمع، وقد عبرت عن ذاك الإحساس بمشهد رسمته للبطلة عندما كانت تصطحب أطفالها لإحدى السوبرماركت فشعرت بتجاهل أصدقاء زوجها لها وبتجاهل العالم بأسره لوجودها فقط لأنها مقولبة في دور الأم التي لا تملك وظيفة في العالم سوى تربية الأطفال، أي أن الأمومة يمكن أن تصير نقمة ولهذا ترى إلمان أن العالم ليس بحاجة إلى المزيد من الأمهات، ولكن بحاجة لزيادة الوعي الفكري والمجتمعي من أجل تقدير واحترام دور الأم الحالية. وأردفت إلمان أنه يتعين على البشر التوقف عن إنجاب المزيد من الأطفال حتى يتم الاعتراف بدور الأم؛ لأن الأمومة وظيفة صعبة للغاية، بالإضافة إلى وجود قائمة من المشاكل البيئية والمجتمعية كزيادة عدد السكان المخيفة في العالم التي بالضرورة يجب أن تجبر البشر على التوقف. ووصفت إلمان نفسها ب"المعنية بأمور النساء" ، لا سيما في مجتمعات تقلل من قيمة المرأة، ولا تعطي لها صوتًا، ولا تعني كثيرًا بمشاعرها وخواطرها الداخلية في عالم يحكمه الرجال، وانتقدت كثيرًا إعطاء الصلاحيات بصورة أكبر للرجال، لا سيما في الأديان التي تضع شروطًا مقيدة للنساء في معظمها، وتحد من حركتها وأفكارها وتعتبر جسدها عورة بينما تترك الحبل على الغارب للرجال، وترى أن كل ذلك يقلل من احترام المرأة. ونصحت إلمان القراء حول العالم بقراءة روايتها، لا سيما من يبحث منهم عن تجربة أدبية جديدة ومثيرة.