نيسان تشارك ب4 سيارات سيدان ودفع رباعي ب«معرض بكين».. لن تصدق مواصفاتها    لندن تستدعي سفير روسيا احتجاجا على نشاط خبيث على أراضيها    إبراهيما نداي قبل مواجهة دريمز الغاني: لن نخذل جماهير الزمالك    الحماية المدنية تسيطر على حريق داخل محطة محولات كهرباء بمدينة المنيا    كلام نهائي.. موعد امتحانات نهاية العام وبدء الأجازة بالجامعات    هل انفصل أحمد السقا عن زوجته مها الصغير؟.. رسالة غامضة تثير الجدل على فيسبوك    دينا فؤاد: «نور الشريف تابعني كمذيعة وقال وشها حلو.. وأرفض أي مشهد فيه فجاجة»    توب مكشوف.. هنا الزاهد تغازل جمهورها في أحدث ظهور    سميرة أحمد تكشف سر خلافها مع وفاء صادق    ذوي الهمم والعمالة غير المنتظمة وحماية الأطفال، وزارة العمل تفتح الملفات الصعبة    الصحة تكشف خطة تطوير مستشفيات محافظة البحيرة    فصل طالبة مريضة بالسرطان| أول تعليق من جامعة حلوان.. القصة الكاملة    العمل في أسبوع.. حملات لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية.. والإعداد لإطلاق الاستراتيجية الوطنية للتشغيل    محافظ القاهرة: تطبيق المواعيد الصيفية لفتح وغلق المحال بكل حزم    الزراعة: إصلاح الفدان الواحد يكلف الدولة 300 ألف جنيه    وزيرة التخطيط: الفجوة التمويلية في الدول النامية تصل إلى 56%    برلماني: استرداد سيناء ملحمة وطنية تتناقلها الأجيال    كرم جبر : الرئيس السيسي رفض الرد على نتنياهو أكثر من مرة    اختفاء دول.. خبير أبراج يتوقع مرور العالم بأزمات خطيرة    مفتقداكي يا خيرية.. سميرة أحمد تبكي على الهواء بسبب شقيقتها    جماعة الحوثي تشن 5 هجمات ضد السفن في البحر الأحمر.. فيديو    الكشف الطبي بالمجان على 1058 مواطنا في دمياط    الأونروا: قطاع غزة يشهد موجة حر غير عادية فاقمت الأزمة المعيشية    كرم جبر: الجهود المصرية تركز على عدم اقتحام إسرائيل لرفح الفلسطينية    وزيرة «التخطيط» تشارك بمنتدى التمويل من أجل التنمية بالأمم المتحدة    وكيل صحة الشرقية يتفقد مستشفى فاقوس المركزي ويحيل مشرف التغذية للتحقيق    الاحتفاء بالشاعر عيد صالح في العودة إلى الجذور بدمياط.. الاثنين المقبل    صلاح ضمن التشكيل الأفضل للدوري الإنجليزي    الغيابات تضرب الاتحاد قبل مواجهة الجونة    علاقة متوترة بين انريكي ومبابي.. ومستقبل غامض لمهاجم باريس سان جيرمان    مسؤول إسرائيلي: بلينكن يزور إسرائيل الأسبوع المقبل لبحث صفقة جديدة    تعرف على أهداف الحوار الوطني بعد مرور عامين على انطلاقه    مساعد وزير التعليم: 8236 مشروعا تعليميا ب127 ألف فصل    شركة GSK تطرح لقاح «شينجريكس» للوقاية من الإصابة بالحزام الناري    إصابة 6 أشخاص في انقلاب سرفيس على صحراوي قنا    تكثيف أعمال التطهير لشبكات الصرف الصحي بمحافظات القناة    مصرع طفل سقط في مصرف زراعي بالفيوم    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    الأمم المتحدة للحق في الصحة: ما يحدث بغزة مأساة غير مسبوقة    مؤتمر تين هاج: تطورنا بطريقة جيدة للغاية.. وهذا ما طلبته من اللاعبين    رضا العزب: شيكابالا مش أسطورة    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    الوكالة اللبنانية: الجيش الإسرائيلي قصف عناصر دفاع مدني أثناء إخمادهم حريقا    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    أول تعليق من كلوب بعد تقارير اتفاق ليفربول مع خليفته    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين في مُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة «Thinqi»    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    سويسرا تؤيد خطة مُساعدات لأوكرانيا بقيمة 5.5 مليار دولار    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نتواصل بالرموز والرسوم
نشر في الشروق الجديد يوم 09 - 07 - 2019

«سمعتهم يتخاطبون. وقرأت بعض ما يكتبون. ما زلت أرفض أنهم سواء كانوا كثيرين كما يزعم البعض أو قليلين كما أتمنى لا يمثلون علامة من علامات مستقبل. هم لا يجيدون العربية، لغة ديانة أكثرية أمتهم واللغة الرسمية لدول ينتمون إليها. وحين أقول إنهم لا يجيدون العربية فأنا فى الواقع أحاول تجميلهم، فالعبارة الأدق فى وصف حالتهم هى إنهم لا يتكلمون العربية. أكتب هنا عن أشخاص حلوا محل شخصيات كنا نتباهى بها أمام أقراننا العرب، حين كان للعرب وطنا قبل أن ينحدر فيستحق عنوانا مختلفا أقل فى القيمة والمكانة. صار الوطن العربى فى الخرائط منطقة، وكذلك فى كتيبات التربية الوطنية والتاريخ الحديث وخطب القادة والزعماء وعناوين الصحف والدوريات ونشرات الأخبار. أفهم ما حدث للوطن الكبير، وأفهم أيضا ما حدث للوطن الصغير، ولكن ما استعصى على الفهم عامة وفهمى بخاصة كان تدهور النطق بالعربية عند نسبة كبيرة من العاملين فى ساحات القانون ودور المشافى وقيادات الأمن والسياسة وأعضاء المجالس النيابية وفى المدارس والجامعات. عرفنا أن العرب، والمصريين بخاصة، وقعوا لمدد طويلة تحت حكم أجانب لم يهتموا باللغة العربية إلا فيما يخص أغراض الإدارة، ومع ذلك صمدت اللغة العربية. الغريب أن اللغة بدأت انحسارها المتسارع على الرغم من رحيل الحكام الأجانب وتولى قيادات عربية نواصى الحكم. تكالبت فيما يبدو على اللغة ضغوط فرضت بعضها تطورات حالة العولمة وفرضت البعض الآخر ظروف تتعلق بانحدار النهضة فى كل أنحاء المنطقة العربية. المؤكد أن حكومات عديدة فى شتى أنحاء العالم العربى اهتمت بتحسين أشياء والمحافظة على أشياء ولكن يجب الاعتراف أن غالبيتها لم تعط الاهتمام الكافى للغة العربية بدليل أن أغلب أولياء الأمور فى دول تحكمها بالوراثة عائلات وقبائل لا يجيدون اللغة العربية، الأمر الذى يشير إلى أن الأجداد والآباء لم يهتموا بتلقين أبنائهم هذه اللغة.
أطلت فاعذرانى ولكنى أتطلع لشهادتيكما فى القضية التى اجتمعنا للتداول فيها. كلاكما من جيل مختلف عن الآخر وعنى، وكلاكما تعملان فى حقول تسمح لكما بالاختلاط بقواعد من الشباب واسعة ومؤثرة. بمعنى آخر أنتما أقرب للمستقبل منى وأقدر على وضع تصور لحال اللغة العربية فى العقود القليلة القادمة. الكلمة الآن لكِ يا حسناء.
***
أشكرك يا سيدى على هذا العرض الموجز لمشكلة حقا خطيرة. كانت مفاجأة حين سمعنا محامين مشهودا لهم بالوطنية والرغبة فى التغيير، سمعناهم يترافعون بعربية هزيلة ومفككة وباعثة لإحباطنا ومثبطة لهمم القضاة والمستشارين الذين انتصبوا فى محاكمهم فى انتظار دفاعات مقنعة بلغة مؤثرة. كنا قد فهمنا منذ كنا طلبة فى الجامعة أن طالب الطب سوف يتخرج وقد تضعضعت لغته العربية بعد سنوات عديدة قضاها يدرس الطب باللغة الإنجليزية، وأن طالب الهندسة قد يكون أحسن حالا ولا عذر لبقية الطلبة الذين يدرسون الإنسانيات. أتصور أن أسبابا كثيرة تفسر حال انحدار اللغة العربية. ولكن قبل أن أناقش الأسباب أحب أن أعرب عن اعتقادى أن الانحدار لم يكن لحساب انتعاش لغة أو لغات أجنبية. فى رأيى أنه بينما كان انحدار اللغة العربية عاما وشاملا غطى جميع الطبقات كان انتعاش اللغات الأجنبية وبخاصة اللغة الإنجليزية من نصيب فئة ضئيلة من طبقة متميزة فى المجتمع المصرى.
أحب أيضا أن أشير إلى الفضل الكبير لقواعد وسلوكيات مرحلة العولمة على انحدار اللغة العربية فى مصر. ولدت فى مرحلة كانت تشهد بدء انحسار العولمة ونشأت وسط موجة عارمة من ثقافة الاستهلاك والتلقين غربية وبالأصح، أمريكية المحتوى واللغة والتوجه. لا أظن أن طبقة فى المجتمع المصرى لم تمسها هذه الموجة بدليل أن لا أحد فى الدولة أو المجتمع المدنى اهتم بواجب دعم اللغة الأم وإنقاذها من طوفان المفاهيم والكلمات المستعارة من الخارج. لا يعفى أحدا من المسئولية حقيقة أن مصر لم تكن الضحية الوحيدة للعولمة ولكنى أعرف أن دولا أخرى ومنها الهند تنبهت فيها قوى اجتماعية وسياسية للخطر الذى يواجه «الهندية» كلغة وتراث وعقائد، وبالفعل وصلت إلى الحكم بأغلبية ساحقة وهدفها محدد وواضح.. عزيزى سامح فلنسمع رأيك.
***
صديقتى، وليسمح لى أستاذنا، ربما بالغت فى حديثك عن قيمة الدور الذى لعبته العولمة متسببة فى انحدار اللغة العربية وتدهور مكانتها. لن أقلل من هذا الدور ولكنى سوف أنبه إلى دور آخر لا يقل أهمية، وهو دور الطفرة الهائلة فى التقدم التكنولوجى حتى وإن لم يصل إلينا منه إلا طلائعه، وفى أحيان القشور فقط. لن أطيل فى التقديم وأتوجه مباشرة إلى صلب قضيتى. أعتقد أن دور السوشيال ميديا، وبخاصة الفيسبوك والتغريد، أهم وأبقى إلى يومنا من أى دور آخر. أقصد بطبيعة الحال الاستخدام المفرط للإنسان المصرى، طفلا كان أم شيخا، لكلمات ومفاهيم لغة هجين أقرب إلى الإنجليزية ومستحيل تعريبها فى كلمات أو عبارات سهلة ومفهومة.
ولكن ليس هذا وحده ما أرمى إليه. أدعوكما للتأمل قليلا فى توجه القائمين على إدارة السوشيال ميديا نحو نمط للتراسل والمخاطبة يميل بشدة للإيجاز المفرط، ومعظم الإيجاز يأتى على حساب اللغة. ثم إن هذا النمط يتطور بدرجة، أقول مخيفة، نحو استخدام الرموز والرسوم محل أكبر عدد ممكن من أفكار ومضامين الرسالة أو الخطاب. الآن يضعون للمستخدم مجموعة هائلة من وجوه، وجه يبتسم رضاء واستمتاعا، ووجه غاضب محتج أو معترض، ووجه متشكك وآخر متربص وخامس متعاطف وسادس مشمئز، وجوه كل منها يلخص فى ذاته سطورا وفقرات وخطابات كان يمكن للمستخدم أن يكتبها ليعرض فيها رأيه. هو الآن يعبر عن موقفه من خلال وجه رسمه شخص بعيد جدا. ما فعله هذا الشخص لا يخرج فى حقيقة الأمر عن أنه أضاف وسيلة مبتكرة لتقييد حرية المستخدم فى التعبير عن رأيه. أعترف بأن هذه الوسيلة تستحق اعتبارها قمة فى الإبداع. أقصد ما حققته فى خدمة أهداف نظام عالمى قادم على الطريق يرفض الاعتراف بالقيم الليبرالية.
عزيزتى حسناء: لقد أصبحت السوشيال ميديا برموزها وطبيعتها الإيجازية فى عرض الرأى والموقف المصدر الرئيس للأخبار والرأى فى دنيا الإعلام المعاصر. هذه السوشيال ميديا توفر نظريا للبشرية هامشا لحرية التعبير يبدو لك ولى واسعا، بينما كثيرا ما ينتابنى شعور من ألبسوه قميصا من حديد، يجبرنى أن أقول رأيى فى أمهات القضايا فى كلمة أو رمز أو رسم، هم يرسمونه لى. يحرمنى فى الوقت نفسه من متعة التفكير فى خلعه. يعلم مروج السوشيال ميديا وأنا أعلم أن البدائل المتاحة صعبة وتكلفتها باهظة. السوشيال ميديا كانت شريكا مسئولا عن انحدار اللغة العربية، وهى الآن شريك مسئول عن حشر الإنسان فى نمط ممارسة مقيدة لحرياته، وأخشى أنها بوصفها درعا من دروع التكنولوجيا الحديثة مثلها مثل إبداعات الذكاء الاصطناعى ستكون شريكا كاملا ومتكاملا فى نظام دولى جديد على وشك الإطلاق».
***
أحسنتما. اذهبا الآن وابحثا مع الحالمين من أبناء جيلكما، ابحثا عن سبيل لاسترجاع مكانة للغتنا العربية كانت محل توقير واعتبار. تذكروا دائما أنه إذا فقدتم اللغة انفرطت هويتكم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.