جامعة الفيوم تطلق البرنامج التدريبي "القيادة الإدارية المتقدمة" لمديري العموم والكليات    الأعلى للإعلام: تطوير المحتوى الرياضي ضرورة للارتقاء بالمهنية والموضوعية    ندوة بالإسكندرية تحذر من العنف في الأعمال الدرامية والثقافة الأجنبية بوسائل التواصل    لتعزيز التعاون بين القطاع القضائي والمؤسسات الأكاديمية، مساعد وزير العدل يزور حقوق عين شمس    بسبب الصيانة، قطع مياه الشرب 12 ساعة عن بعض قرى الفيوم    ارتفاع أسعار العملات الأجنبية في ختام تعاملات اليوم 8 ديسمبر 2025    وزير الدولة للإنتاج الحربي يستقبل محافظيّ القاهرة والقليوبية لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك    ب100 مليار جنيه.. نتائج أعمال إيجابية ل "بنك بيت التمويل الكويتي – مصر" بنهاية سبتمبر 2025    البورصة تخسر 14 مليار جنيه في ختام تعاملات اليوم    وثيقة الأمن القومي الأمريكية تعلن حربًا باردة من نوع آخر على التكامل الأوروبي    الدعم السريع يسيطر على حقل هجليج النفطي جنوب كردفان    يغيب 4 أشهر.. ريال مدريد يكشف طبيعة إصابة ميليتاو    تخزين سلاح حماس!    السعودية وقطر توقعان اتفاقية الربط بالقطار الكهربائي السريع بين البلدين    ريال مدريد يفقد ميليتاو حتى نهاية الموسم    مصدر بالزمالك: تصريحات وزير الإسكان تسكت المشككين.. ونسعى لاستعادة الأرض    بعد تعثر صفقة دياباتي .. الأهلي يكثف مفاوضاته لضم الكولومبي بابلو الصباغ    محافظ كفر الشيخ يتابع تنفيذ محاكاة حية للتعامل الفوري مع مياه الأمطار    محافظ بني سويف يكرم مشرف بالإسعاف لإنقاذه عامل نظافة تعرض لتوقف تنفس مفاجئ أثناء عمله    فرقة القاهرة للعرائس تحصد جوائز مهرجان مصر الدولي لمسرح الطفل والعرائس    تعليق ناري من محمد فراج على انتقادات دوره في فيلم الست    عاجل- الاحتلال الإسرائيلى يواصل خروقاته لوقف إطلاق النار لليوم ال59 وقصف مكثف يطال غزة    موجة تعيينات قضائية غير مسبوقة لدفعات 2024.. فتح باب التقديم في جميع الهيئات لتجديد الدماء وتمكين الشباب    حبس زوجين وشقيق الزوجة لقطع عضو شخص بالمنوفية    ضبط المدير المسئول عن إدارة كيان تعليمى "دون ترخيص" بالجيزة    جيرارد مارتن: أشعر بالراحة كقلب دفاع.. واللعب في كامب نو محفز    مسار يختتم استعداداته للبنك الأهلي في مواجهة مؤجلة بدوري الكرة النسائية    محمد مصطفى كمال يكتب: تلف مئات الوثائق المصرية في اللوفر.. هل أصبحت آثارنا بالخارج في خطر؟    محافظ جنوب سيناء وسفراء قبرص واليونان يهنئون مطران دير سانت كاترين بذكرى استشهاد القديسة كاترينا    بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة فى حفظ القرآن للإناث الكبار.. فيديو وصور    الصحة: توفير ألبان الأطفال العلاجية بمراكز الأمراض الوراثية مجانا    وزير الثقافة: أسبوع باكو مساحة مهمة للحوار وتبادل الخبرات    الحكومة تستعرض خطة تنمية منطقة غرب رأس الحكمة بمحافظة مطروح    4 بلاغات جديدة و«ناني».. ارتفاع ضحايا الاعتداء الجنسي من جنايني مدرسة دولية بالإسكندرية    أمطار شتوية مبكرة تضرب الفيوم اليوم وسط أجواء باردة ورياح نشطة.. صور    قرار جديد من المحكمة بشأن المتهمين في واقعة السباح يوسف    وزارة العمل تحتفي باليوم العالمي لذوي الإعاقة بجمعية المكفوفين    المقاولون عن أزمة محمد صلاح : أرني سلوت هو الخسران من استبعاد محمد صلاح ونرشح له الدوري السعودي    أخصائي تغذية: العسل الأسود أهم فائدة من عسل النحل    الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر الكامل لسيادة واستقرار ليبيا    محمود جهاد يقود وسط الزمالك في لقاء كهرباء الإسماعيلية    وزير الإعلام الكمبودى:مقتل وإصابة 14 مدنيا خلال الاشتباكات الحدودية مع تايلاند    وزير الزراعة يكشف موعد افتتاح «حديقة الحيوان» النهائي    رئيس الوزراء: مصر تتوسع في البرامج التي تستهدف تحقيق الأمن الغذائي    كامل الوزير يوجه بإنشاء محطة شحن بضائع بقوص ضمن القطار السريع لخدمة المنطقة الصناعية    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    النيابة تطلب تقرير الصفة التشريحية لجثة سيدة قتلها طليق ابنتها فى الزاوية الحمراء    ملفات إيلون ماسك السوداء… "كتاب جديد" يكشف الوجه الخفي لأخطر رجل في وادي السيليكون    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول "نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل"    أعضاء المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألكسو" يزورون المتحف المصري الكبير    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع «النيل» أول مركز محاكاة طبي للتميز في مصر    علاج 2.245 مواطنًا ضمن قافلة طبية بقرية في الشرقية    نيللي كريم تعلن انطلاق تصوير مسلسل "على قد الحب"    عيد ميلاد عبلة كامل.. سيدة التمثيل الهادئ التي لا تغيب عن قلوب المصريين    مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 فى المنيا    مستشار الرئيس للصحة: نرصد جميع الفيروسات.. وأغلب الحالات إنفلونزا موسمية    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم تشمل فهم المعاني وتفسير الآيات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى مصطفى النحاس (2)
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 06 - 2019

جاء انتخاب مصطفى النحاس رئيسا لحزب الوفد فى عام 1927، ليكرس انتصار جناح «المتطرفين» من الأفندية والمحامين داخل حزب الوفد، كما جاء فى المقال السابق. وكان على النحاس استكمال المعركة التى بدأها سعد زغلول من أجل تثبيت حق حزب الوفد كالممثل الشرعى للأغلبية الشعبية فى تشكيل الحكومة والتفاوض مع بريطانيا حول استقلال مصر. ثم جاء تصريح 28 فبراير 1922 الذى أصدرته بريطانيا وتم بموجبه منح الاستقلال لمصر ليفرض على حزب الوفد أن يصبح إلى جانب كونه ممثلا للحركة الوطنية ينادى بالاستقلال ممثلا أيضا للحركة الديمقراطية التى تنادى باحترام الدستور وتطبيقه. فبريطانيا أرادت بتصريح فبراير تحقيق هدفين؛ الأول كان تقوية مركز المعتدلين وكان يمثلهم وقتئذ حزب الأحرار الدستوريين فى مواجهة المتطرفين الممثل فى حزب الوفد عن طريق تلبية مطلب الحركة الوطنية الرئيسى فى الاستقلال، ولكنه كان استقلالا صوريا لتضمنه احتفاظ بريطانيا بتأمين المواصلات البريطانية فى مصر، وبالدفاع عن مصر، وبحماية المصالح الأجنبية والأقليات، وبالسودان. الهدف البريطانى الثانى كان تقوية مركز المعتدلين وإضعاف سعد زغلول و حزب الوفد بإظهارهم بمظهر الساسة الذين لم تحقق شعاراتهم أى مكاسب للجماهير، فيخسروا الانتخابات التى كان مزمع عقدها بعد إقرار الدستور (وهو دستور 1923)، وليتولى حزب الأحرار الدستوريون الحكم. وبذلك يتم إضفاء الشرعية اللازمة على تصريح 28 فبراير 1922 مع تحفظاته الأربعة، ولكن بمباركة الشعب وتأييده هذه المرة.
لذا أصبح سعد زغلول ومعه حزب الوفد لا يرى النضال ضد بريطانيا كمعركة وطنية فقط ضد عدو أجنبى، بل أصبح لها بعدا داخليا يتمثل فى الصراع الديمقراطى ضد أنصار بريطانيا فى الداخل، خاصة وأن من كان سيفوز بالانتخابات (والتى عقدت فعلا فى عام 1924)، كان سيقرر مدى شرعية تصريح 28 فبراير من عدمه. وعليه ومنذ هذه اللحظة تحول النضال من المناداة بالاستقلال إلى الصراع حول الحقوق الديمقراطية للشعب، وأضحى الوفد حركة ديمقراطية دستورية. وأصبح النضال من أجل احترام حق الشعب فى نظام دستورى ديمقراطى يمثل عصب كفاحه وتحركاته.
ومن هنا يمكن فهم المعارك والمواجهات التى كان على النحاس خوضها فى كفاحه من أجل التصدى لمحاولات بريطانيا الالتفاف على مطالب الشعب المصرى فى الاستقلال التام. ولماذا تمسك النحاس باحترام الدستور والعملية الديمقراطية، وخاصة بعد أن أصبحت سياسة بريطانيا تقوم على حرمان النحاس وحزب الوفد من حقه الدستورى طالما تمسك بمطالبه فى الاستقلال التام. وهكذا أصبح المسرح السياسى يدور فى حلقة مفرغة من انتخابات حرة نزيهة، تفرز أغلبية ساحقة لحزب الوفد، الذى يقوم بدوره بتشكيل الوزارة، ليدخل فى مفاوضات مع بريطانيا تنتهى بالفشل نتيجة لتعنت بريطانيا فى منح البلاد استقلالها الكامل، فيتم إقالة الوزارة وإجراء انتخابات جديدة تزور فيها النتيجة ولتشكل أحزاب الأقلية المدعومة من القصر وكبار ملاك الأراضى الزراعية الحكومية. ونتيجة لذلك يتحول نضال الوفد من مواجهة بريطانيا إلى مواجهة مع القصر وحكومات الأقلية لاستعادة حقه فى تشكيل الوزارة والتفاوض مع بريطانيا.
تكرر ذلك بعد تشكيل النحاس لحكومته الأولى فى عام 1928، ثم بعد تشكيل حكومة 1930 وفشل المفاوضات مع بريطانيا والتى عرفت باسم النحاس هندرسون ولتعطى بريطانيا الضوء الأخضر للقصر الملكى لإقالة النحاس وإلغاء دستور 1923. ويتحول نضال النحاس وحزب الوفد والشعب المصرى من مواجهة بريطانيا إلى المطالبة بعودة دستور 1923. ومع اشتعال الحرب الايطالية الأثيوبية فى أكتوبر 1935 وتجمع نذر الحرب العالمية الثانية وإدراك بريطانيا لأهمية توقيع معاهدة مع مصر تحظى بتأييد أغلبية الشعب لتأمين مصالحها، يعود النحاس للحكم بعد عودة دستور 1923 وإجراء انتخابات حرة يفوز فيها النحاس وحزب الوفد كما كان متوقعا. هذا، ورغم أن معاهدة 1936 لم تكن تمثل ما كان يريده الشعب المصرى من تحقيق للاستقلال التام، إلا أنها كانت بموازين القوة فى ذلك العصر تمثل خطوة كبرى للأمام بما منحته لمصر من حق تكوين جيش وطنى وإلغاء الامتيازات الأجنبية، وبالتالى إلغاء أحد التحفظات الأربعة (حماية المصالح الأجنبية) وبدء العمل على تقليص تحفظ آخر (حماية البلاد). ومع استنفاد الغرض من وجود النحاس بتوقيع معاهدة 1936 عادت البلاد لسيرتها السابقة وتم إقالة النحاس ليعود إلى صفوف المعارضة والمطالبة باحترام الإرادة الشعبية والنظام الدستورى.
ولعل ما سبق يفسر بعض ملابسات قبول النحاس تشكيل وزارة وفدية خالصة فيما عرف ب«حادثة 4 فبراير 1942». وهى الحادثة التى شهدت محاصرة الدبابات البريطانية للقصر الملكى فى عابدين وإجبار الملك فاروق على الاختيار بين التنازل عن العرش أو تكليف النحاس بتشكيل الحكومة. وكان دافع بريطانيا فى ذلك حاجتهم إلى وجود حكومة تحظى بإجماع شعبى تقف معهم فى مواجهة ما كانوا يرونه من أخطار تحدق بهم بعد خروج مظاهرات تهتف باسم قائد القوات الألمانية التى كانت تتقدم صوب الإسكندرية بشعارات مثل «إلى الأمام يا رومل». يضاف لما سبق ما كان يشاع عن اتصالات بين القصر ودول المحور وخاصة إيطاليا. الأمر الذى اتفقت معه رؤية النحاس فى حقه الدستورى مع المصلحة البريطانية فى أهمية هزيمة دول المحور بما تمثله من نظم فاشية معادية للديمقراطية وحلفائهم فى داخل مصر وعلى رأسهم القصر الملكى. وقد استغلت أحزاب الأقلية هذه الحادثة واتهمت النحاس بأنه أتى إلى الحكم تحت أسنة الحراب الإنجليزية.
ولكن تاريخ النحاس لا يتوقف عند حادثة 4 فبراير، فمع قرب انتهاء الحرب العالمية الثانية، يتم إقالته كما كان يحدث من قبل وبعد أن تم استنفاذ الغرض من وجوده ولتعود البلاد مرة أخرى إلى سابق سيرتها. إلا أن القصر الملكى يضطر وبعد مرور خمس سنوات إلى إجراء انتخابات يفوز فيها حزب الوفد وليشكل النحاس وزارته الأخيرة فى يناير 1950. وهنا يسجل النحاس أروع مواقفه الوطنية عندما وصلت المفاوضات مع بريطانيا إلى طريق مسدود بإعلانه مقولته الشهيرة أمام مجلس النواب فى 8 اكتوبر 1951 «من أجل مصر وقعت معاهدة سنة 1936، ومن أجل مصر أطالبكم اليوم بإلغائها». وهو ما فتح الباب على مصراعيه أمام الحركة الوطنية والقوى الاجتماعية الجديدة التى ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية من فتح صفحة جديدة فى النضال ضد بريطانيا وما تمخض عنها من أحداث أفضت فى نهاية الأمر إلى سقوط النظام الملكى بأكمله وقيام ثورة 23 يوليو 1952، كما سنرى فى المقال القادم إن شاء الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.