عبد الصادق البنا: المحامي الذي لن يلتزم بالإضراب سيحال للتأديب    حالة من الغضب بين صحفيي محافظة الغربية بعد منعهم من متابعة زيارة مدبولي    قيد بعض المصانع والشركات المؤهلة لتصدير منتجاتها إلى مصر    رئيس الوزراء يتفقد محطة مياه المرشحة الملاحية الجديدة بطنطا    الأوقاف تسلّم "التضامن" بالفيوم 2 طن لحوم لتوزيعها على الأسر الأكثر احتياجًا    محافظ القليوبية يتفقد أعمال إنشاء ممشى أهل مصر - صور    وزير الاتصالات يبحث التعاون مع محافظ طوكيو بمجال دعم ريادة الأعمال    عاجل - ترامب يستعد للإعلان عن اتفاق تجاري ضخم مع دولة كبرى وسط ترجيحات بتوقيعه مع بريطانيا    وسط قلق الأطباء ودعاء الأمهات.. نفاد الوقود يهدد الأرواح بمستشفيات غزة    فشل الجولة الأولى لاختيار خليفة البابا فرنسيس.. الكرادلة يعودون لكنيسة "سيستين" وسط ترقب عالمي    قائمة غيابات الأهلي أمام المصري في الدوري    «واحد من ثلاثة».. شوبير عن القرار المنتظر للجنة الاستئناف بشأن أزمة مباراة القمة    ميدو يفجّرها: شخص داخل الزمالك يحارب لجنة الخطيط.. وإمام عاشور الأهم وصفقة زيزو للأهلي لم تكن مفاجأة    خالد بيبو يكشف المستور: كولر ظلم هؤلاء النجوم.. وكنتُ الدرع الذي يحميه من الغضب الجماهيري    بشرى سارة للزمالك.. أزمة إيقاف القيد في طريقها للحل    مصرع عنصر شديد الخطورة في تبادل إطلاق نار مع الأجهزة الأمنية بالقليوبية    ضبط 10 طن دواجن غير صالحة للاستخدام داخل «كونتر» بأرض فضاء في الخانكة (تفاصيل)    الحرارة تصل ل40 درجة.. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الخميس    نيابة أسوان تصرح بدفن أم وطفلها ضحايا انفجار أنبوبة بوتاجاز داخل منزل بمنطقة عباس فريد    «الداخلية» تقرر السماح ل63 مواطنًا مصريًا بالحصول على جنسيات أجنبية    وزير الثقافة يترأس الاجتماع الثاني للجنة دراسة التأثيرات الاجتماعية للدراما المصرية والإعلام    محافظ القليوبية يشهد توقيع بروتوكول تعاون لإقامة معرض لمؤسسة دار المعارف ببنها    رئيس جامعة أسيوط يترأس لجنة اختيار عميد كلية العلوم بالجامعة    رئيس الوزراء يتفقد مركز أورام طنطا القديم    الصحة: تخريج الدفعة الثالثة من برنامج مرشدي تعافي الإدمان    محافظ أسيوط: تنظيم فعاليات بمكتبة مصر العامة احتفاءً بذكرى نجيب محفوظ    توريد 51 ألفا و652 طن قمح بكفر الشيخ    أبناء محمود عبدالعزيز وبوسي شلبي في مواجهة نارية أمام القضاء    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 8-5-2025 في محافظة قنا    موعد إجازة المولد النبوي الشريف لعام 2025 في مصر    امتحانات الدبلومات الفنية.. رابط تسجيل استمارة التقدم قبل غلق ملء البيانات    تخفيف الحكم على قاتل والدته بالإسكندرية من الإعدام للسجن المشدد    قسم الأمراض العصبية والنفسية بجامعة أسيوط ينظم يوما علميا حول مرض الصرع    عاجل - رئيس الوزراء يتفقد مستشفى محلة مرحوم ويبدأ جولة موسعة لمتابعة المشروعات التنموية في الغربية    بعد صعود سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن اليوم الخميس 8-5-2025 صباحًا للمستهلك    سعر جرام الذهب اليوم فى مصر الخميس 8 مايو 2025.. تراجع عيار 21    مدير مكتبة الإسكندرية يفتتح ندوة المثاقفة والترجمة والتقارب بين الشعوب - صور    الجيش الباكستاني يعلن إسقاط 12 طائرة تجسس هندية    الكرملين: محادثات بوتين وشي جين بينج في موسكو ستكون مطولة ومتعددة الصيغ    البرلمان الألماني يحيي ذكرى مرور 80 عامًا على انتهاء الحرب العالمية الثانية    الزمالك يستعيد مصطفى شلبى أمام سيراميكا في الدورى    هجوم بطائرات درون على مستودعات نفطية في ولاية النيل الأبيض بالسودان    بسبب حرب غزة.. الشرطة الأمريكية تقتحم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات الطلاب    وزير الصحة ونقيب التمريض يبحثان تطوير التدريب المهني وتعميم الأدلة الاسترشادية    دور المرأة في تعزيز وحماية الأمن والسلم القوميين في ندوة بالعريش    بروشتة نبوية.. كيف نتخلص من العصبية؟.. أمين الفتوى يوضح    رامي ربيعة يقترب من الموافقة على عرض الأهلي الأخير    البابا تواضروس الثاني يصل التشيك والسفارة المصرية تقيم حفل استقبال رسمي لقداسته    جامعة حلوان الأهلية تفتح باب القبول للعام الجامعي 2025/2026.. المصروفات والتخصصات المتاحة    تعرف على ملخص احداث مسلسل «آسر» الحلقة 28    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    اليوم.. «محامين المنيا» تعلن الإضراب عن محاكم الاستئناف رفضًا لرسوم التقاضي    إطلاق موقع «بوصلة» مشروع تخرج طلاب قسم الإعلام الإلكتروني ب «إعلام جنوب الوادي»    مستشار الرئيس الفلسطيني يرد على الخلاف بين محمود عباس وشيخ الأزهر    أسفر عن إصابة 17 شخصاً.. التفاصيل الكاملة لحادث الطريق الدائري بالسلام    عودة أكرم وغياب الساعي.. قائمة الأهلي لمباراة المصري بالدوري    الأكثر مشاهدة على WATCH IT    خالد الجندى: الاحتمال وعدم الجزم من أداب القرآن ونحتاجه فى زمننا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مئوية ثورة 1919 خيانة وودرو ويلسون.. وتفسير لإيجابية أيزنهاور المتأخرة
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 03 - 2019

اعترافا بحقوق القراء على الكاتب، فمن الواجب تفسير أسباب التوقف عن الكتابة لعدة أسابيع، وهى تتلخص فى صعوبة التكيف مع بيئة النشر الحالية، ولكن المئوية الأولى لثورة 1919 تفرض حقوقا من نوع آخر للقراء، لا سيما القراء من الأجيال الشابة، وقد كنت كتبت عدة مرات مبكرا هنا فى الشروق عن قضايا محددة تثيرها هذه الذكرى، وتتصل بأوضاعنا الحاضرة.
فى مقال اليوم نقارن بين خذلان الرئيس الأمريكى المعاصر لثورة 1919 وودرو ويلسون لقيادة هذه الثورة فى مطلب حق تقرير المصير والاستقلال التام، وبين مساندة الرئيس الأمريكى المعاصر لثورة يوليو 1952 لمطلب قيادة هذه الثورة بجلاء الاحتلال العسكرى البريطانى عن قاعدة قناة السويس، ليتبين لنا، وكما سيتضح من السياق أن تغير موازين القوى الدولية بعد الحرب العالمية الثانية لمصلحة الولايات المتحدة، على حساب الإمبراطورية البريطانية، وسياسة إحلال النفوذ الأمريكى محل نفوذ تلك الإمبراطورية الآفلة كانا هما العامل الحاسم وراء إيجابية أيزنهاور، مقارنة بخيانة ويلسون لمبادئه الأربعة عشر الشهيرة، وأشهرها حق الشعوب الخاضعة للإمبراطوريات المهزومة والمنتصرة فى الحرب العالمية الأولى فى تقرير مصيرها، بما يعنى الاستقلال الوطنى التام، وهو الحق أو المبدأ الذى استند اليه سعد زغلول وزملاؤه فى المطالبة بمشاركة مصر فى مؤتمر الصلح الدولى بفرساى لإقرار حقها فى الخلاص من الاحتلال البريطانى، وفى رسائله وبرقياته إلى الرئيس الأمريكى، والكونجرس، والصحف، وقادة الرأى فى الولايات المتحدة.
يفسر البروفيسور إرتس مانيلا أستاذ التاريخ بجامعة هارفارد خذلان ويلسون للحركة الوطنية المصرية، والذى يصفه ب«أقبح الخيانات» بمقولة أو كذبه دعائية سوداء روجها اللورد أرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا، وتزعم أن الثورة المصرية هى من تدبير وطنيين متطرفين، هم فى الأصل عملاء ممولون من حزب ثورى فى تركيا، ومن البلاشفة الروس، وأنهم يستغلون مبادئ ويلسون لتأجيج نيران حرب مقدسة ضد غير المسلمين، ويضيف إرتس أن الرئيس الأمريكى سارع بعد ذلك إلى الاعتراف بالسيطرة البريطانية الكاملة على مصر .
بغض النظر عن التناقض فى كذبة بلفور بين تحالف الوطنيين المصريين وتَمَوُّلهم من البلاشفة (الملحدين!) ومن الثوريين الأتراك (المعادين للخلافة الإسلامية!) وبين اتهام هؤلاء الوطنيين المصريين بالعمل على تأجيج حرب مقدسة ضد غير المسلمين، فيجب ألا تفوتنا ملاحظة قدم وتكرار اتهام الثورات الشعبية بالعمالة لقوى خارجية، والتمول منها، حتى وإن كانت المطالب نبيلة ومشروعة، وحتى وإن شاركت غالبية الشعب المعنى فى الثورة، كما يقال حاليا عن ثورة يناير 2011.
من المؤكد أن دسيسة اللورد لم تكن هى السبب الحقيقى وراء خيانة ويلسون لمصر، وغيرها من المستعمرات خارج أوروبا كالهند وكوريا، بل وسوريا والعراق وفلسطين، وقصره حق تقرير المصير على مستعمرات النمسا وتركيا فى أوروبا، ولكنها كانت ذريعة تحفظ ماء الوجه، وتحافظ على المصالح الأمريكية مع الإمبراطورتين الاستعماريتين البريطانية والفرنسية، بما أنه تبقى لديهما ما يكفى من القوة للحفاظ على مصالحهما الاستعمارية.
أما بعد الحرب العالمية الثانية فقد تغيرت الموازين الدولية تغيرا كبيرا، وأصبحت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى هما القوتين العظميين، وانخرط الجميع فى الصراع المذهبى، واستسلمت لندن وباريس للقيادة الامريكية للتحالف الغربى، ولم يكن إصرار الرئيس الأمريكى الذى قاد الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية فرانكلين روزفلت على النص فى ميثاق الأطلنطى عام 1942 مع رئيس الوزراء البريطانى ونستون تشرشل على تصفية الاستعمار إلا الأساس القانونى للوراثة الأمريكية لتلكما الإمبراطوريتين.
من هنا لم يفلح استعطاف تشرشل فيما بعد للرئيس الأمريكى أيزنهاور عام 1953 فى إقناعه باستمرار الوجود العسكرى البريطانى فى مصر، إذ كان رئيس الوزراء البريطانى قد كتب يقول لأيزنهاور إن الجنود البريطانيين الذين يهاجمهم الفدائيون المصريون فى قاعدة قناة السويس هم بعض من خدموا تحت قيادته (أى تحت قيادة أيزنهاور) فى الحرب العالمية، ولأن المصالح أقوى من العواطف فإن الولايات المتحدة قررت مساندة موقف القيادة الجديدة فى مصر بضرورة جلاء البريطانين عن قناة السويس، وهو ما تحقق باتفاقية 1954، بافتراض كان له ما يبرره وقتها بأن ضباط يوليو سيكونون أصدقاء جيدين لواشنطن، وهو ما لم يتحقق بسبب أخطاء أمريكية لاحقة، ليس هنا مجال تقصيها.
وما دمنا فى سياق الذكرى المئوية لثورة 1919 ينبغى الانتباه إلى أن منهج التفاوض الذى تبنته قيادة تلك الثورة هو نفس المنهج الذى تبنته قيادة ثورة يوليو 1952، ولكن فى ظروف دولية مواتية، كما سبق الإيضاح توا، بمعنى أن إجلاء الاحتلال البريطانى لمصر لم يكن بسبب هزيمة الاحتلال عسكريا، وليس فى هذا عيب يؤخذ على ضباط يوليو، ولكن العيب كل العيب أن يؤخذ على زعامة ثورة 1919 أنها تبنت أسلوب التفاوض، أو ما يسمى بالوسائل السلمية لتحقيق الاستقلال، فإذا قيل إن قيادات يوليو مزجت بين التفاوض وبين المقاومة المسلحة بواسطة الفدائيين، فإن هذا المزج بين العمل الفدائى والمفاوضات مضافا اليهما الحصار الاقتصادى للقاعدة البريطانية، كان قد بدأ منذ أن ألغى مصطفى النحاس (الزعيم الثانى لثورة 1919 ) معاهدة 1936، ولم يوقف هذه الخطة إلا حريق القاهرة فى يناير 1952، وهو الذى كان بفعل مؤامرة بريطانية مع الرجعية المصرية، لإنهاء الحالة الثورية التى أججها قرار إلغاء المعاهدة، ثم إنه من الإنصاف لزعماء ثورة 1919 الإقرار بأنهم لم يهملوا كلية فكرة الكفاح المسلح لتعزيز موقفهم التفاوضى، ولكن فى حدود ما سمحت به ظروف العصر، فقد أصبح معروفا الآن وباليقين أن سعد زغلول أنشأ جهازا سريا ينفذ عمليات فدائية ضد الاحتلال، بقيادة عبدالرحمن فهمى باشا وزملائه من شباب الثورة، أشهرهم أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى.
ليس الغرض من هذه المقارنات بين مسلك وإنجازات قيادات يوليو وقيادات ثورة 1919 هو المفاضلة بين الثورتين والقيادتين فيما يتعلق بقضية استقلال الوطن، وإنما الغرض هو فهم كل مسلك أو إنجاز فى سياقه المحلى والدولى، مع التقدير الكامل لوطنية الجميع، فضلا عن أن السياق الأصلى لهذا المقال هو المقارنة بين خيانة ويلسون للحقوق الوطنية المصرية، وبين إيجابية ايزنهاور، كما يوضح العنوان.
بقيت فى ختام هذه السطور ذكرى مهمة، من قبيل أن الشىءبالشىءيذكر وهى أن قصيدة «مصر تتحدث عن نفسها» لشاعر النيل حافظ ابراهيم، والتى تتغنى السيدة أم كلثوم ببعض أبياتها قد كتبت فى الأصل ردا على تنكر الرئيس ويلسون لحق مصر فى الاستقلال، بذريعة أن المصريين لم يبلغوا بعد مستوى الرقى اللازم لحكم أنفسهم بأنفسهم، ولذا كان بيت القصيد فيها هو:
أترانى وقد طويت حياتى فى مراس لم أبلغ اليوم رشدى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.