تواصل «الشروق» على مدار شهر مارس، تذكير قرائها بنخبة مختارة من الأغاني والقصائد الوطنية التي أنتجتها عقول شعراء وفناني مصر الرواد، بالتزامن مع ثورة 1919 أو تفاعلاً معها أو مواكبة لمطالبها وشعاراتها، بهدف إلقاء الضوء على أشكال مختلفة من إبداعنا منذ 100 عام ورصد الآثار الكبيرة للثورة على الفن والأدب في مصر. •••••••••••• مع أول أيام ثورة 1919، الأحد 9 مارس، كان جميع طلبة المدارس والأزهر قد أضربوا عن دروسهم، وأعلنوا الإضراب العام، ونظموا مظاهرة كبرى انضم إليهم فيها من صادفهم من أفراد الشعب، ليهتفوا بحياة مصر واستقلالها وسقوط الحماية البريطانية. وكان طلاب مدرسة (كلية) الحقوق متقدمين التظاهرات وانضم لهم طلبة مدرسة الطب، بعد أن حاول مدير المدرسة منعهم، والتي كان مقرها القصر العيني القديم، وكان من بينهم الطالب محمود الحفني (سيصبح موسيقي شهير فيما بعد)، إلى أن وصلوا مبنى المحافظة في السيدة زينب، ليعبروا عن غضبهم من نفي سعد زغلول ورفاقه. وبعدما رأى الحكمدار البريطاني كثرة الطلاب وغضبهم، قبل أن يقابل قياداتهم، فدخلوا وكان من بينهم الدكتور الحفنى، فعطلهم الحكمدار إلى أن جاء الليل، وأمر بوضعهم فى سيارات تحملهم إلى سجن القلعة الذى لم يكن مجهزا لاعتقالهم بعد وكانت المعاملة قاسية نتيجة تعليمات الحكمدار، فألقى بالطلاب فى السجن، وذاقوا مرارة الاعتقال، ربما للمرة الأولى فى حياتهم. ليقابلوا «العم حمزة»، والذي كان متعهد توريد الغذاء للمساجين السياسيين في سجن القلعة، ولم يخف تعاطفه مع الطلاب، ما دفع محمود الحفنى، طالب الطب، لكتابة الأغنية الشهيرة، والتي تقول كلماتها: «يا عم حمزة إحنا التلامذة..واخدين ع العيش الحاف.. والنوم من غير لحاف..مستعدين..ناس وطنيين..ودايما صاحيين..إحنا التلامذة.. يحيا الوطن.. جونى يا خلايق، نصاب وسارق، بيسف فيها، مبلط ولازق.. ونازل فينا تمويت، تقولش إحنا كتاكيت.. حاجة بالقوة، وعامل فتوة، يا إحنا لا هو، وإحنا التلامذة، يا عم حمزة، يحيا الوطن». لتظهر الأغنية من جديد في خمسينيات القرن الماضي، ولكن في سياق مختلف عقب حركة الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952، بعدما غير الشاعر صلاح جاهين في كلماتها وحافظ على مطلعها، ولحنها سيد مكاوي، ويقول فيها: «يا عم حمزة إحنا التلامذة.. جن وبلاوي مسيحة من غير مؤاخذة نكبر ما نكبر.. الله اكبر طول الزمان عاتى الامتحان داخلين مبارزة.. لسه ف طريقنا للأمال والرملة من كل جهة زفة مع زميلكم جمال». وتعود كلمات الأغنية عودتها الأولى بعد مظاهرات الطلاب في عهد الرئيس السادات، ثم الاعتصام بعد الصدام مع الرئيس، ليستعد الشاعر أحمد فؤاد نجم «رجعوا التلامذة» من جديد ويغنيها الشيخ إمام. وتصبح كلماتها: رجعوا التلامذة يا عم حمزة للجد تاني يا مصر إنتي اللي باقية وإنتي قطف الأماني لا كورة نفعت ولا أونطة.. ولا المناقشة وجدل بيزنطة ولا الصحافة والصحفجية.. شاغلين شبابناعن القضية قيمولنا صهبة يا صهبجية..ودوقونا طعم الأغاني وضمن أحداث فيلم «رحلة حب» في عام 2001 يستعيد الفنان محمد فؤاد الأغنية من جديد، وبالرغم من أن سياقها في الفيلم قد يبدو كوميديا إلا أنه يعبر عن جوهر الأغنية وهو اعتراض الطلبة في الفيلم على سلطة الناظر الرافضة لتعلمهم الموسيقى، وتصبح كلمات الأغنية «أ ب ت ث ج ح، على دو رى مى، نفهم صح هايكون إيه، نبقى شباب ورد وجميل، لبلاده بيرد جميل، هنخلى الأيام طراحة، هانقولها وبكل صراحة، لازم نتعلم بالراحة، أ ب ت ث ج ح، على دو رى مى نفهم صح هنكون ايه.. ياعم حمزة حلمك علينا احنا التلمذة وبكرة لينا». وغدا حلقة جديدة...