مجلس الوزراء: خامات الأعلاف المستوردة والمحلية متوفرة.. وأسواق الدواجن واللحوم مستقرة    محافظ الإسكندرية: تخفيض إنارة الشوارع بنسبة 60%.. وتوقيع أقصى عقوبة على المحال المستخدمة لإضاءة الزينة    إيران تستدعي سفير سويسرا للاحتجاج على تصريحات ترامب    "نيوزويك": إسرائيل تسحب قوات من غزة وتنفي وجود نقص في صواريخ "آرو" الاعتراضية    جوارديولا: مواجهة الوداد كانت الأصعب.. وعودة رودري تمنحنا التوازن    جوارديولا ينتقد حكم مباراة مانشستر سيتي والوداد في مونديال الأندية    عبدالمقصود: الزمالك يحتاج تدعيمات.. والفريق لا يقف على أحد    دون خسائر بشرية.. انهيار جزئي لعقار قديم شرقي الإسكندرية    انطلاق أولى جلسات صالون الجامعة العربية الثقافي حول دور السينما في التقارب بين الشعوب    لجنة السكان بقنا تبحث التدخل السريع لمواجهة "النقاط الحمراء" بأبوتشت ودشنا    الرقابة المالية تحدد الشروط والمعايير المطلوب توافرها بأعضاء مجالس إدارة شركات التأمين أو إعادة التأمين والإدارات التنفيذية لها    مينا مسعود وشيرين رضا في ضيافة معكم منى الشاذلي.. غدًا    قرار من النيابة بشأن واقعة تصوير السيدات داخل مطعم بالدقي    آخر موعد لتقديم مرحلة رياض الأطفال KG1 في القليوبية (الشروط والأوراق المطلوبة)    أسامة كمال: حديث نتنياهو عن امتلاك إيران لسلاح نووي قديم ومكرر منذ 2011    «بتوع مصلحتهم».. الأبراج الثلاثة الأكثر نرجسية    هل يجوز للزوجة زيارة والدتها المريضة رغم رفض الزوج؟.. أمين الفتوى يجيب    ما الفرق بين القرض والتمويل؟.. أمين الفتوى يجيب    وزير خارجية الكويت: نأمل في خفض التصعيد بالمنطقة وجهودنا الدبلوماسية لم تتوقف    الأهلي يرد على العرض الأمريكي لضم وسام أبو علي.. شوبير يكشف    نكران الجميل.. عامل يقتل رب عمله ويقطع جثته إلى أشلاء بغرض سرقته    تأجيل محاكمة متهمي نشر أخبار كاذبة    جامعة الأزهر ضمن أفضل 300 جامعة بالعالم وفقًا لتصنيف US NEWS الأمريكي    الشيخ خالد الجندي: استحضار الله في كل الأمور عبادة تحقق الرضا    خالد الجندي: «داري على شمعتك تِقيد» متفق مع صحيح العقيدة فالحسد مدمر (فيديو)    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في جنوب غزة    تكريم الدرديري في حفل الأفضل    بعد شائعات الخلاف مع ميدو.. عبد الواحد السيد يكشف ل"أهل مصر" كواليس طلبه الحصول على إبراء ذمة مالية    ننشر موازنة اتحاد الغرف السياحية.. 54 مليون جنيه إيرادات و26 مصروفات    «فات الميعاد».. صفع متبادل بين أحمد مجدي وأسماء أبواليزيد ينهي الحلقة الخامسة    وفاة شقيق الفنان الراحل حسن يوسف    محافظ الأقصر يتفقد المرحلة السابعة من مشروع سترة السكني    أستاذ علوم سياسية: إسرائيل تمارس «هندسة إبادة جماعية» بحق الفلسطينيين وسط صمت دولي    وكيل شباب الفيوم يستقبل لجنة هيئة تعليم الكبار لتفعيل مبادرة "المصريون يتعلمون"    الجبهة الوطنية يقرر إرجاء المؤتمر الجماهيري بالقليوبية    خالد الجندي يوضح الفرق بين قول "بإذن الله" و"إن شاء الله"    البابا تواضروس لرئيس وزراء صربيا: الأراضي المسيحية المقدسة موجودة في فلسطين ومصر    حيل نفسية لكسر حاجز القلق والخوف من الامتحانات.. تعرف عليها    بعد الإقلاع عن التدخين- إليك طرق تنظيف الرئتين من النيكوتين    مشروعات تعليمية جديدة في قويسنا ومنوف لدعم المنظومة التعليمية    الجهاز القومي للتنسيق الحضاري يشارك في الحلقة النقاشية «حوار المدن» بالمعهد الفرنسي للآثار الشرقية    كرة يد – منتخب مصر يهزم السعودية في افتتاح بطولة العالم للشباب    إيران تمدد تعليق الرحلات الداخلية والدولية حتى فجر غد الخميس    قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أكتوبر2025    محافظ الأقصر يتفقد المرحلة السابعة من مشروع «سترة» بعد تسليمه للمستفيدين    الغربية.. ضبط سيارة نقل محملة ب236 أسطوانة غاز منزلي مدعم قبل تهريبها    حصريا ولأول مرة.. قناة النيل للأخبار في هيئة الرقابة النووية المصرية    تقديم خدمات طيبة علاجية مجانية ل 189 مريضا من الأولى بالرعاية بالشرقية    ضبط 79 مخالفة تموينية متنوعة خلال حملات مكثفة على الأسواق بالفيوم    فليك يجتمع مع شتيجن لحسم مصيره مع برشلونة    محافظ القليوبية يعقد لقاء المواطنين الأسبوعي للتواصل معهم وحل مشاكلهم بشبين القناطر    الأمم المتحدة تدين إطلاق النار على مدنيين يبحثون عن الطعام في غزة    بعد الموافقة النهائية من «الإسكان».. تفاصيل عقود الإيجارات القديمة التي تطبق عليها التعديلات    الصحة: إصدار أكثر من 18 مليون قرار علاج على نفقة الدولة خلال 5 سنوات    الأرصاد تكشف عن ارتفاع درجات الحرارة ابتداء من الجمعة    ترامب يختتم اجتماعه بفريق الأمن القومي الأمريكي وسط تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران    «هنعاير بعض».. رئيس تحرير الأهلي يهاجم وزير الرياضة بسبب تصريحاته عن الخطيب    أطفال الغربية تتوافد لقصر ثقافة الطفل بطنطا للمشاركة في الأنشطة الصيفية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دروس صينية
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 10 - 2009

لا بد أن كل من شاهد الاستعراض العسكرى المذهل بمناسبة يوم الجيش، الذى أقيم فى بكين فى الأول من أكتوبر، فى الذكرى الستين للانتصار الشيوعى، قد أثاره استعراض الصين لقوتها العسكرية الجديدة، والأهم، قوتها الاقتصادية. وها هو البلد الذى لم يعرف الصناعة إلا منذ 60 عاما يلقى الاعتراف كقوة صناعية عالمية.
فالصين هى ثانى أكبر بلد مصدِّر فى العالم وثالث أكبر اقتصاد. وتباع منتجاتها الصناعية، من السيارات إلى أجهزة الكمبيوتر، فى كل أنحاء العالم. وتتدفق عوائد تصدير هذه المنتجات على بكين، لتجعل من الصين أكبر دائن للولايات المتحدة، التى لا تزال تتظاهر بمظهر القوة العظمى الوحيدة بالرغم من أنها أكثر البلاد المدينة.
وإذا اكتفينا بالانطباعات وحدها عن الصين، سواء تلك، التى يوحى بها استعراض يوم الجيش أو اللقطات التليفزيونية عن ازدهارها الاقتصادى، فمن السهل أن نخرج بالانطباع بأن حكم الحزب الشيوعى الصينى يود أن الإيهام بأن حكم الحزب الشيوعى كان نعمة جزيلة بالنسبة للصين. والأغنية التى تملأ الأثير هذه الأيام فى الصين عنوانها «بدون الحزب الشيوعى، لن تكون هناك صين جديدة». وهذا حقيقى بكل معنى الكلمة. وقد أسس الحزب الشيوعى الجمهورية الشعبية فى عام 1949. لكن النظرة الفاحصة على ستة عقود من حكمه تبين أن الحزب بدد العقود الثلاثة الأولى (1949 1978) فى لا شىء، ولم يسلك الطريق الصحيح إلا خلال العقود الثلاثة الأخيرة (1979 2008). لذلك، وقبل أن يقودك الإعجاب بإنجازاتها إلى الدعوة إلى تبنى النموذج الصينى، من الأفضل أن تعرف ما هو النموذج الصينى بحق.
كان النموذج الأصلى الذى تبناه الحزب الشيوعى الصينى بمثابة كارثة مطبقة. وقد ساعد النظام القائم على الاقتصاد المخطط والسيطرة السياسية المستبدة، المستمد جزئيا من الاتحاد السوفييتى، الحزب فى توطيد سلطته بعد الثورة، لكنه بذر بذور الجمود الاقتصادى والراديكالية السياسية. وما زاد الأمر سوءا هو أن السلطة السياسية تركزت فى يد ديكتاتور مستبد لا يرحم، هو ماو تسى تونج. لم يكن يفهم فى الاقتصاد، لكنه كان يعتقد أن كل المطلوب لتحويل الصين إلى بلد حديث هو حث الشعب على تقديم التضحيات الشخصية. وقد سببت وصفة ماو للتنمية الاقتصادية أسوأ النكسات الاقتصادية للجمهورية الشعبية القفزة الكبرى إلى الأمام (1958). وأثناء القفزة، استثمرت الصين بكثافة فى مجال الصناعات الثقيلة، وأهملت الزراعة، وبددت الأموال الطائلة والموارد البشرية. وكانت النتيجة هى ترك المحاصيل تتعفن بالحقول.
وحصدت المجاعة البشعة، التى شهدتها السنوات الثلاث التالية (1959 1961) أكثر من 36 مليون إنسان، كلهم تقريبا من الفلاحين.
وإذا نحينا الكارثة الاقتصادية جانبا، سنجد أن الحزب، تحت قيادة ماو، تورط فى عمليات إعدام وحشية ضد المثقفين والأغنياء. واتهم نصف مليون شخص من المهنيين والأكاديميين وطلبة الجامعة والصحفيين وموظفى الحكومة بأنهم «يمينيون» فى عام 1957، وأُرسلوا إلى معسكرات الاعتقال. ومات كثيرون منهم من الجوع. أما من عاشوا فقد تدهورت أوضاعهم المهنية وحياتهم الأسرية. وقُتل مئات الآلاف من ملاك الأراضى أثناء الإصلاح الزراعى فى أوائل الخمسينيات. وظل أبناؤهم يعانون التمييز البشع على يد النظام حتى أوائل الثمانينيات.
ولا شك أن الثورة الثقافية (1966 1976) تعد أسوأ كارثة سياسية شهدتها الجمهورية الشعبية خلال العقود الثلاثة الأولى من حكمها. وقد شن ماو، المصمم على الاحتفاظ بسلطته بأى ثمن، هذه الحملة السياسية المدمرة لإبعاد رفاق سلاحه السابقين عن السلطة ومواصلة نضاله المتخيل ضد الأعداء الطبقيين. وجاءت النتيجة عقدا من الاضطراب السياسى حصد ملايين الأرواح وأغرق البلاد فى الفوضى التامة.
ولولا هذا الضرر الذى لحق بالصين خلال تلك العقود، لكانت الصين أكثر ازدهارا وسلاما وسعادة. وقد تصفحت ذات مرة دراسة اقتصادية قياسية لأحد أساتذة جامعة برنستون جاء فيها أن الاقتصاد الصينى كان يمكن أن يكون أربعة أضعاف حجمه الآن بدون الثورة الثقافية، وكان يمكن للاقتصاد الصينى أن يكون ضعف حجمه الحالى، لولا القفزة الكبرى للأمام. وهذا، بالطبع، ضرب من التخمين ولن نعرف الحقيقة أبدا. لكن هناك شيئا واحدا واضحا، وهو أن السنوات الثلاثين الأولى ليست مثار فخر للحزب الشيوعى بأى شكل من الأشكال.
والحزب نفسه أيضا يعرف هذا. وهو يبذل اليوم قصارى جهده لإخفاء ماضيه الأسود عن الصينيين. ويحجب الحزب حقيقة الثورة الثقافية ومجاعة القفزة الكبرى، خشية أن يشوه الكشف عن الإخفاقات صورة الحزب.
من جهة أخرى، فإن الحزب على استعداد للذهاب إلى أبعد مدى لإبراز إنجازاته خلال الثلاثين عام الماضية. وبينما يجب ألا ينكر أحد الإنجازات المدهشة فى مجال التنمية الاقتصادية منذ عام 1979، فمن المهم أن نتذكر المسئول عن مثل هذه الإنجازات. إذ رأى دينج شياو بينج، الذى أصبح زعيما للصين فى 1979، أن الإصلاح الاقتصادى هو السبيل الوحيد لبقاء الحزب واستمراره. وبفضل سياسة الباب المفتوح التى انتهجها دخلت الصين مرحلة جديدة من التنمية الاقتصادية. لكن هذه السياسات المتطلعة للمستقبل كانت قد قوبلت بمقاومة شديدة من المحافظين فى الحزب فى ثمانينيات القرن الماضى. ولم تتوقف هذه المعارضة إلا بعد انهيار الاتحاد السوفييتى الذى هز أرجاء بكين وجعل الحزب يقرر المضى قدما فى الإصلاحات الاقتصادية الرأسمالية فى عام 1992.
ومنذ ذلك الحين، تنتهج الصين إستراتيجية تنمية تعرف أكاديميا ب«الاستبدادية الجديدة» أى الرأسمالية بقيادة دولة الحزب الواحد. وارتبطت هذه الإستراتيجية بحالة النمو السريع بفضل تدفق الاستثمارات لأن حزب الدولة الواحد، أى الحزب الشيوعى، كان يركز كلية على تحسين مستويات المعيشة من أجل البقاء فى الحكم.
ويمكن القول، انطلاقا من تجربة الصين قبل عام 1992، إن «الاستبدادية الجديدة» ينبغى أن تكون نموذجا للصين وغيرها من البلاد النامية. لكن الحقيقة تظل أكثر تعقيدا بالرغم من ذلك. وأى حكومة تحدد التنمية كمهمة رئيسية لها، ديمقراطية كانت أو استبدادية، عادة ما تكون أكثر نجاحا فى تقديم السلع الاقتصادية. وتعد الهند مثالا لهذا (بالرغم من أن تقدمها ليس بنفس سرعة تقدم الصين). وما جعل الصين تنمو بهذه السرعة خلال العقود الثلاثة الماضية هو مزيج من روح المبادرة الصينية (هل قابلت صينيا لا يتمتع بروح المبادرة؟)، وشتات البلد (تعد هونج كونج وتايوان أكبر «المستثمرين الأجانب» فى الصين)، ووصول السلع الصينية إلى أسواق الاستهلاك الغربية الواسعة (أكثر من ثلثى الصادرات الصينية تذهب إلى الغرب) ثم يأتى الاستقرار السياسى، وهذا هو الأهم.
ومن الواضح أن سياسات الحزب الشيوعى أصبحت تتمتع بقدر من المصداقية. لكن لا ينبغى لأحد أن يقع فى وهم أن دول الحزب الواحد هى الأكثر قدرة بطبيعتها على تحقيق المعجزات الاقتصادية. فالحقيقة هى أن غالبية النظم الاستبدادية فى البلاد النامية فشلت بصورة مزرية فى تحقيق النمو لاقتصاداتها. وتعد الصين استثناء من القاعدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.