الفيلم العراقى «الرحلة» للمخرج محمد الدراجى.. أول فيلم عراقى يتم تسويقه داخل العراق منذ 27 عاما، ويتم ترشيحه للمنافسة على أوسكار أفضل فيلم اجنبى، ليجسد حالة خاصة داخل قاعة العرض وكأنك فى محراب للخلاص من الحياة بدافع من تغيب لعقل وقعت فيه بطلته بعد ان استسلمت لأفكار ظلامية ملكت كامل وجدانها، بينما تسعى لعميلة انتحارية لا تعرف إلى أى مدى ستكون نتائجها ولم أتعاطف مع تلك البطلة سوى لأدائها الرائع والمدهش. أحداث الفيلم تعود إلى 30 ديسمبر 2006 الذى شهد صراعات طائفية وعمليات عنف فى بغداد ومحافظات عراقية أخرى، حيث نرى سارة «زهراء غندور»، وهى امرأة غامضة جافة المشاعر تجاوزت عقدها الثانى، تحاول التسلل إلى داخل محطة القطارات بصورة غريبة من إخفاء نفسها بين زحمة المسافرين؛ بحثا عن مكان لتفجير نفسها، حيث تنتقل معها الكاميرا ترصد نظراتها للمارة وإن كانت فى حقيقة نفسها لا ترى أحدا غيرها، فذهنها مركز فى فعل محدد، ويتوقف الزمن فجأة، لتجد نفسها فى مواجهة غير متوقعة مع طبقات المجتمع المختلفة بالشارع وبمحطة القطار، التى يسودها العنف والدروشة ومتاهة ولا مبالاة من نماذج من البشر كانعكاس لما أصبح عليه العراق بعد الغزو، فهناك الطفلة «منى» بائعة الورد التى تتحايل من أجل العثور على ما يسدّ الرمق، وشقيقها الصغير «عمر» الذى يعرج بساقه جراء إصابته بشظية من شظايا الحرب، وتلتقى سلام شابا صعلوكا «أمير جبرا» وطفلة رضيعة رمز البراءة والتطلع للحياة، بينما المحطة مليئة برجال الشرطة وبعض جنود المارينز الأمريكيين الذين يقومون بتفتيش كل من يشتبهون فيه، فالمحطة على وشك أن تستقبل عددا من كبار المسئولين بينهم السفير الأمريكى والسفير الفرنسى اللذين ينتظر وصولهما فى القطار القادم من البصرة الذى تأخر عن موعده. وتبدأ سارة فى التراجع شيئا فشيئا عن فعلتها التدميرية، بعد تلك المواجهات غير المتوقعة والغريبة؛ حيث يبدأ التحول بالكشف عن وجهها الإنسانى وتمنحها فرصة للحياة بعد الدمار الذى سكن وجدانها. الفيلم الذى شارك فى إنتاجه بريطانيا وفرنسا وهولندا، به لغة سينمائية عالية وأسلوب سرد محكم دراميا بسيناريو اشترك فى كتابته محمد الدراجى مع البريطانية إيزابيل ستيد، وبه صورة صادقة تفيض بالحزن والأسى حتى لو كانت لوضع مجازى، ومن أجمل المشاهد صعود سلام وسارة فوق أحد المبانى إلى السماء؛ حيث يتطلعان نحو الأفق، وتبدو المدينة الصامتة تتلألأ تحت الأضواء، وفجأة تنطلق الألعاب النارية احتفالا بالعيد، وتتطلع سارة إلى السماء حيث ينبثق ضوء ساطع.. تصرخ بصوت مسموع: هل هذا وعدك لي؟ هل هذا هو العرس الذى وعدتنى به؟ لماذا أتيت بى إلى هذا المكان؟ إنها تبكى وتصرخ تساؤلات وجودية مؤثرة. المخرج محمد الدراجى (39 سنة)، صاحب فيلم «أحلام»، الذى تناول الفوضى وحالة الارتباك فى العراق التى سببتها الحرب عقب ثلاثة عقود من الديكتاتورية، و«ابن بابل» و«بين ذراعى أمى» و«تحت رمال بابل». قال نحن سعداء جدا لأننا حققنا حلم العراقيين الذين ينتظرون مشاهدة فيلم عراقي فى دور السينما العراقية، بعد غياب أكثر من ربع قرن عن العراق.