فى خضم جهوده المتواصلة لمواجهة مشاكل صحية خطيرة أصدر السيد وزير الصحة مؤخرا، وبتوصية من السيد الدكتور مساعد وزير الصحة لشئون الصيدلة قرارا خطيرا يمس الأمن الاجتماعى الدوائى بمصر. ألا وهو القرار الخاص بتعديل قواعد تسعير الدواء. وخلاصة هذا القرار هو حساب سعر الدواء وفقا لأسعاره فى الدول الأخرى التى غالبا ما ستكون الدول الصناعية وغيرها من الدول الغنية. حيث ينص القرار فى البند الرئيسى على أن يقوم صاحب العقار بتقديم قائمة بأسعار المستحضر فى الدول التى يُتداول بها. ويتم تحديد سعر البيع فى مصر على أساس أقل سعر بيع للجمهور فى البلاد التى يتداول بها المستحضر بعض خصم نسبة 10% من هذا السعر. كما يتم تحديد أسعار المستحضرات الجنسية (بالاسم العلمى) بناء على هذا السعر بعد تخفيضات تتراوح بين 20 40%. وفى تعقيب سريع على هذا القرار، أود أن أضع عدة حقائق أمام أعين من يهمه الحفاظ على أمن هذا البلد الاجتماعى الدوائى. يعرف الجميع بمن فيهم وزارة الصحة أن القرارات المتعلقة بصحة الفرد ليس للفرد حرية فى اتخاذها ويقوم بها نيابة عنه آخرون منهم وزارة الصحة. ومن ثم كانت الأهمية البالغة للالتزام بالمسئولية المهنية والأخلاقية عند اتخاذ مثل هذه القرارات. يضاف إلى ذلك أنه فى القرارات التى تمس عامة الناس لابد أن تكون هناك مناقشة واضحة ودراسة علمية مهنية لأسباب اتخاذ هذه القرارات. فكم كنت أتمنى وأطالب المسئولين بوزارة الصحة أن يوضحوا للناس الأسباب التى دعت إلى اتخاذ هذا القرار فمثلا: هل ترى الوزارة أن شركات الدواء تعانى خسائر تستدعى زيادة الأسعار؟ إن ذلك بالتأكيد غير صحيح، فجميع الشركات تحقق أرباحا يعتقد أنها كبيرة بما فيها شركات قطاع الأعمال. أم هل قررت وزارة الصحة أن تعطى أولوية للمستثمرين فى قطاع الدواء ولتصدير الدواء المصرى على توفيره للمواطن المصرى بأسعار مناسبة؟ نرجوا ألا يكون وراء هذا القرار الاعتقاد بأن نظام التسعير الحالى ينتج عنه عدم جودة الأدوية المصنعة محليا، إذ إن الدراسات المتوالية أثبتت جودة الدواء المصرى ومطابقته للمواصفات. أم أن وراء هذا القرار اعتبارات وأمورا أخرى لا نعلمها. إن المسئولية الأولى لوزارة الصحة هى بالتأكيد مصلحة المواطنين والمرضى والدفاع عنها. أما مصالح المستثمرين فلها العديد من الوزارات والهيئات التى تهتم بها، ونتمنى أن تكون لوزارة الصحة القوه لمواجهتها. كما لا يمكن القبول بأن يكون وراء هذا القرار الاعتقاد الخاطئ بأن أسعار الأدوية فى مصر رخيصة. ففى دراسة حديثة أخذت فى الاعتبار بعض المعايير الاقتصادية مثل القوة الشرائية للعملة المحلية، ودخل الفرد، ومستوى المرتبات والدخول، وتكلفة الإنتاج تبين أن أسعار الأدوية فى مصر أعلى مما يجب. ولدى الوزارة نسخة من هذه الدراسة التى تحوى أرقاما لها دلالة مهمة ويمكن عرضها تفصيلا فى حديث لاحق. وفى إطار الطريقة المقترحة لتسعير الدواء فى مصر نجد أن الهيئة الرقابية الدوائية فى مصر تنازلت عن مسئوليتها التقنية فى هذا الأمر الخطير إلى ما تقرره هيئات فى دول أخرى، واقتصر دورها على الإجراء المكتبى وحساب السعر بشكل إدارى. ويبدو أن القرار ليس لديه الثقة الكاملة فى الخبرات التقنية الوطنية فى مجال اقتصاديات الدواء وتسعيره وفقا للأوضاع الاقتصادية فى مصر. وعلى الرغم من أن القرار يبدو بسيطا فإنه من الناحية العملية قد يكون فى منتهى الصعوبة خصوصا فيما يتعلق بالتأكد من الأسعار فى مختلف دول العالم. وذلك لأن القرار كما أعلنت عنه الصحف يعتمد على الشركات المصنعة كمصدر لتلك المعلومات. علاوة على ذلك ليس هناك ما يشير إلى الأساس الذى تم عليه تحديد نسبة الخصم من السعر المتداول فى الدول التى يباع بها العقار، والتى حددها القرار بعشرة بالمائة 10%، والأساس الوحيد المقبول لهذه النسبة هو المقارنة بالأوضاع الإقتصادية فى مصر. وبناء على هذا الأساس يجب أن تكون نسبة الخصم هذه، إذا ما تم تنفيذ هذا النظام وأتمنى غير ذلك 60% على الأقل. إن أخطر ما فى هذا القرار هو تأجيل دراسة تأثيره على أسعار الدواء فى مصر لمدة عام علما بأن مثل هذا القرار يجب ألا يصدر إلا بعد إجراء هذه الدراسة. وهذه الدراسة يمكن إجراؤها الآن وفى وقت قصير لأنه كما أوضحنا سابقا نظام مكتبى يمكن حساب الأسعار المتوقعة قبل تنفيذه، كما يجب أن تنشر نتيجة هذه الدراسة للنقاش العام قبل تطبيقه. وأخيرا فمن الضرورى تدارك مخاطر هذا القرار على الأمن الاجتماعى الدوائى، فتنفيذه سوف يؤدى إلى زيادة كبيرة جدا فى أسعار الدواء ليس لها مبرر اقتصادى، وسوف تنعكس آثاره على الأمن الدوائى فى مصر. وهو يصب فى مصلحة الشركات الدوائية بالدول الصناعية المتقدمة. ولابد من وقف تنفيذ هذا القرار لحين توضيح أسبابه وإجراء دراسة علمية محايدة حول الآثار المتوقعة لتنفيذه ومناقشة نتائج هذه الدراسة بشكل واسع بين المتخصصين. كما يجب أن تأخذ إدارة الصيدلة بالوزارة فى الاعتبار النظم المختلفة لتسعير الدواء، وأن تعتمد الأسلوب الذى يناسب المصلحة العامة فى مصر، خصوصا النظام الذى يعتمد على دراسة اقتصاديات العلاج فى الظروف المحلية.