فاروق حسنى خسر نفسه قبل أن يخسر معركة انتخابات اليونسكو، خسر عندما أفرط فى الدفع مقدما، مسددا فواتير بضاعة لم يتسلمها ولم يكن هناك فى الأفق ما يشير إلى أن البائعين سيلتزمون بوعودهم.. وخسر عندما قدم كل هذا الكم من التنازلات المجانية أمام قوى الابتزاز الصهيونية، على نحو جعلنا نضرب كفا بكف ونحن نتابع اندفاعه العنيف صوب المنصب دون أن ينتبه إلى أن الصهاينة الذين أفرط فى مغازلتهم أشطر منه بكثير، وأنهم بامتداد التاريخ يأخذون ولا يدفعون المقابل، بل إن كيانهم الاحتلالى أنشئ بالسرقة والاغتصاب وفقا لعقيدة محو الأغيار من الوجود. لقد دفع فاروق حسنى الثمن قبل أن يعقد الصفقة، طلب الصفح والمغفرة عما تقدم من مواقفه ضد الصهاينة وما تأخر، اعتذر عن تاريخه السابق فى رفض التطبيع الثقافى، أبدى مرونة وانسيابية خلابة فيما يتعلق بالموقف من السفر إلى إسرائيل، فتح أوكازيون ترجمة الأدب العبرى على مصراعيه، ترميم المعابد اليهودية، تراجع مخجل عن تصريحات سجلت له تحت قبة البرلمان بشأن حرق الكتب الإسرائيلية المتسللة إلى سوق النشر فى مصر، إعلانات مدفوعة فى صحف أوروبا مدفوعة من لحم دافع الضرائب المصرى الحى عن كل لحظة بدا فيها الوزير ضد الثقافة الصهيونية.. باختصار، لم يترك الوزير بابا إلا وقف أمامه يطرقه باستجداء، هو أقرب لتسول الرضا الصهيونى والأمريكى عنه بعد أن تملكته رغبة جامحة فى الوصول إلى اليونسكو بأى ثمن. وكما أخطأ حسنى فى الاستراتيجية، فقد أخطأ فى «التكتيك» بعد أن أوقع نفسه فى تناقض ساذج، حين طرح نفسه باعتباره مرشح العرب والمسلمين لرئاسة المنظمة الدولية التى تهتم بثقافة العالم، بما هى ثقافة بعيدا عن أطر الدين والعرق والقومية. والغريب أن الوزير الذى سجن نفسه داخل حدود الدين والعرق كمرشح للعرب والمسلمين، عاب على أوروبا أن تتبع المنهج ذاته وتتكتل خلف مرشحتها البلغارية، دون أن نسمع أحدا من الأوروبيين يصنف البلغارية بوكوفا كمرشحة للعرق الأوروبى أو الديانة المسيحية، أى أن فاروق حسنى والقائمين على حملته هم الذين نقلوا المعركة من كونها تنافسا بين أشخاص، إلى حرب دينية سياسية. وفى غمرة انفعال حسنى ضد ما اعتبره «تسييس» المعركة، شن المرشح المصرى هجوما كاسحا على أوروبا التى لم تعد قارة التحضر والرقى التى عرفها، ونسى فاروق حسنى أو تناسى أنه قبل أن يلقن الأوروبيين دروسا فيما ينبغى أن يكون، كان الرئيس المصرى، الذى يعتبر فاروق حسنى أنه مرشحه هو بشكل شخصى، كان الرئيس قد اتصل بملك إسبانيا الأوروبى خوان كارلوس يشكره على دعمه لفاروق حسنى وهو الدعم الذى وضع أربعة أصوات فى سلة المرشح المصرى فى الجولة الثالثة. مشكلة فاروق حسنى أنه خاض المعركة وكأنه ينافس على رئاسة مؤسسة داخل مصر، ذلك أن تركيز الحملة على الداخل المصرى كان أكبر من استهداف الخارج، وكأن المعركة مع معارضيه المصريين. غير أن هذا لا ينفى أن القائمين على الحملة خاضوا معركة حامية الوطيس قدموا فيها أداء جيدا، حيث بذلت وزارات الخارجية والتعليم العالى والإعلام جهودا لا يمكن إنكارها، لكن أمهر فرسان العالم لا يستطيع كسب سباق إذا كان الحصان هزيلا. [email protected]