حققت مصر إنجازا يحسب لها فى تذليل العقبات التى أعاقت حوار المصالحة الفلسطينية لفترة طويلة، والذى يأتى مؤتمر دعم الاقتصاد الفلسطينى وإعمار غزة فى شرم الشيخ تتويجا له ولجهود مضنية طويلة بلغت أحيانا درجة اليأس. وقد كان للنتائج المريرة والخسائر الجسيمة التى أنزلها العدوان الإسرائىلى بالشعب الفلسطينى تأثير بالغ فى ردم الفجوة بين فتح وحماس، بعد أن أدرك كل طرف أن للطرف الآخر قاعدة شعبية لا يستهان بها، ولابد من التعامل معها كتيار عريض يحسب حسابه. غير أن الخطوات الأولى التى قطعها الحوار، لا ينبغى أن تغرقنا فى بحور التفاؤل. فمازالت هناك خطوات تستأهل من الفصائل الفلسطينية، فى سبيل بلوغ هدف تشكيل حكومة وحدة وطنية، أن تجد الصيغة الملائمة لمسيرة النضال السياسى الذى لا يستبعد المقاومة، والمقاومة التى لا تستبعد أساليب العمل السياسى، مع القدرة على التنسيق أمام عدو مغرور بتفوقه العسكرى، وظروف دولية غير مواتية، وانقسامات عربية لم تلتئم بعد، وقدرة على الاختراق واستغلال الانقسامات إلى النهاية. وفى الوقت الراهن فقد تكون قضية الإعمار وإعادة بناء غزة، وتوفير الحد الأدنى من شروط الحياة الإنسانية والإيواء والطعام، هى التى تجعل لمؤتمر شرم الشيخ أهمية قصوى بل أهمية أولى فى المدى القصير، وقد سارعت دول كثيرة للإسهام فى المؤتمر، بعضها يحاول أن ينال جزءا من كعكة التمويل لمشروعات الإعمار التى تقدر بثلاثة مليارات دولار، والبعض الآخر للتعويض عن ذنبه فى السكوت المتواطئ مع العدوان الإسرائيلى. غير أن أخطر ما يهدد المصالحة الفلسطينية، وقد يجهض جهود الإعمار شيئان: الأول: إصرار أطراف دولية كما جاء على لسان هيلارى كلينتون وخافيير سولانا على استبعاد حماس من آليات الإعمار. وفرض الشروط التى حاولت واشنطن والاتحاد الأوروبى فرضها قبل ذلك، وهى القبول بالالتزامات الدولية التى فرضتها الرباعية الدولية، بما فيها اعتراف حماس بإسرائيل ونبذ العنف واتفاقات أوسلو. وهو ما من شأنه أن يفجر نزاعات بين الفصائل الفلسطينية، ويخرب كل الجهود التى بذلتها مصر، وسعت من خلال توافقات واتفاقات بين الفصائل على تأجيل بعض الخلافات السياسية إلى ما بعد تشكيل حكومة وحدة وطنية، تسمح بإطلاق جهود السلام على أسس جديدة، تفتح الطريق أمام السلطة الفلسطينية للتفاوض السلمى، ولا تنكر على حماس والفصائل الأخرى حقها فى إطار تنسيقى غير متضارب. والمشكلة هنا هى أن سيطرة حماس على غزة لابد أن تجعل لها الكلمة الأخيرة فى تنفيذ مشاريع الإعمار وإعادة البناء، وهو ما يتطلب وجود سلطة موحدة فى إطار حكومة وحدة وطنية تضع الأولويات فى غزة وفى الضفة. ولكن حين تعلن هيلارى كلينتون أن واشنطن لن تسمح بأن يذهب دولار واحد من المنحة التى سترصدها للإعمار إلى يد حماس، فإنها بذلك تضع العصا فى عجلة جهود المصالحة ولم الشمل الفلسطينى، وهو ما يثير الشكوك فى النوايا الأمريكية والأوروبية، ويتجاوز مقتضيات الواقع العملى الذى يستحيل معه تجاهل حماس فى غزة. العامل الثانى الذى قد يجهض جهود الإعمار: هو أن إسرائيل قد تصر على مواصلة إغلاق المعابر، وتمنع بذلك وصول مواد البناء والإغاثة وغيرها إلى غزة. وربما وضعت إسرائيل شروطا تعسفية وبالأخص فى ظل حكومة يرأسها نتنياهو.. الأمر الذى يجعل من اتفاق التهدئة أو الهدنة ضرورة أولية. ويلقى المسئولية على عاتق الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى، لتذليل الموقف الإسرائىلى.. إذا كان لمؤتمر الإعمار أن يحقق أهدافه.