أمور كثيرة تتحرك فى اتجاه يبدو أنه يبشر بانقشاع بعض الغيوم التى كانت تثير القلق والانزعاج، وينبئ بأن ينصلح بعض ما اعوج من الأمور، وأن تنفتح احتمالات إيجابية بدت وكأنها غير قابلة للانفراج بعد أن تمادى البعض فى مواقف ليس لها ما يبررها وانطلقت ألسن هنا وهناك كأنها تريد أن تهدم المعبد على من فيه استجابة لنوازع شريرة أو إلى هواجس وهمية وشعور بالنقص ألبسوه مسوح كبرياء الغيرة على الوطن بينما الوطن أكبر من صغائرهم ومن أقلامهم وألسنتهم التى انطلقت دون أن تدرى ربما وبعضها يدرى تخصم من رصيد ظل فى الحقيقة ورغم أى أخطاء أكبر من أن يحتاج إلى الحديث عنه بالتقليل من أى أدوار أخرى لا تستطيع مهما كانت قيمتها وبعضها ذو قيمة أن تخصم منه. فى الفترة الأخيرة رأينا تحركات عربية تريد أن تلتقط خيوط الاجتماع الخير الذى دعا إليه أمير دولة الكويت أثناء القمة من أجل المصالحة. رأينا زيارات سعودية سورية متبادلة، ورأينا بداية حوار أمريكى سورى، ورأينا تحركات خليجية نشيطة فى اتجاهات مختلفة تستهدف تهدئة زوابع بدا أنها قد تهب، ورأينا محاولات إيرانية لتصحيح زلة لسان كانت مناسبة لتأكيد تضامن مصر وغيرها من الأشقاء مع البحرين، وكان من نتيجتها تأكيد إيران على مستويات عليا ألا أطماع توسعية لها فى الوقت الذى تستعد فيه واشنطن رغم لهجة تشدد معتدل لإجراء حوار مع طهران. وفى نفس الوقت سمعت من شخصيات عربية عليمة أن قمة قطر القادمة ليست فى خطر، لأن هناك جهودا تبذل لتجاوز ما بدا أنه يتجمع من زوابع بمناسبة العدوان الإسرائيلى على غزة، وهى زوابع ما كان لها فى الأصل أن تكون لولا أعصاب توترت فأدت إلى معالجات كان من الممكن تجنبها، وأن أهم تحرك بدأ هو نجاح مصر بعد جهود مستمرة ومضنية فى جمع الفصائل الفلسطينية، ولا أريد فى هذا المجال أن أؤكد على الدور المصرى فهو لا يحتاج إلى تأكيد، فقد كان موجودا دائماً بلاشك لا يحتاج إلا إلى تفعيل ولا يستدعى ما رأيناه من قلق غير مبرر على هذا الدور، خاصة من الذين كانوا يتصورون أنهم يدافعون عنه حين يكيلون الشتائم لكل من كان يحاول الاجتهاد مهما كانت نياته تصورا منهم أن ذلك يخصم من دور أو مكانة لم يكونا أبداً محل تشكيك لدى أى طرف عربى. ويبدو من مقدمات الاجتماع الفلسطينى الذى سبقه إقرار بما لم تكن هناك رغبة فى الإقرار به من وجود معتقلين سياسيين فلسطينيين لدى فلسطينيين آخرين، والاتفاق على وقف حملات إعلامية كان جرحها يصيب من يطلقها قبل أن يصيب من تنطلق فى اتجاهه أقول يبدو أن هذا الاجتمتاع سوف ينجح فى رأب الصدع والخروج بحكومة وحدة وطنية تتغلب بها مصالح الوطن على شهوة الحكم، وتنتصر الروح الوطنية التى عهدناها لدى الفلسطينيين، لا يخلطون بين العدو وبين غيره من شخوص على مسرح الأحداث، ولا يعطون أولوية لخلافات فكرية أو أيديولوجية لا مكان لها طالما الوطن لم يتحرر. وبالفعل فقد أعلن بعد كتابة ما سبق عن اتفاق فلسطينى رعته مصر على الإفراج عن المعتقلين ووقف الحملات الإعلامية والشروع فى تشكيل حكومة توافق وطنى أو وحدة وطنية تصحح الأوضاع وتحظى بمساندة عربية تمحو الاختلافات وتسمح بالتحرك الإيجابى الحقيقى على أساس توحيد الصف العربى وتصفية خلافات هى فى النهاية والبداية ثانوية بالنسبة للمهم، وتجاوز صراعات فلسطينية لا تصب إلا فى خانة العدو، يمكن أن تلتقى فى الدوحة على أرض صلبة لمواجهة الأوضاع الجديدة التى تتشكل فى إسرائيل بعد الانتخابات الأخيرة التى تتيح وصول أعتى قوى الظلام إلى الحكم، وللاستفادة من الأجواء الجديدة فى الولاياتالمتحدة التى تفتح الأبواب لاحتمالات إيجابية مع الولاياتالمتحدة بعد تولى أوباما الحكم، فقد رأينا من الرئيس الجديد إرهاصات روح جديدة فى التعامل داخليا وخارجيا، واستعدادًا لحوارات حقيقية بعيدة عن روح الانحياز الأعمى والرغبة فى الإملاء والسيطرة ودراسة الأمور بأسلوب يعكس انفتاحا على الآخرين افتقدناه فى عهد أسرى الأفكار اليمينية المتطرفة الذين قادوا بلادهم والعالم إلى مآزق ومزالق. وهذه المواقف الأمريكية الواعدة والإسرائيلية التقليدية تحتاج إلى مواقف عربية موحدة. كما أن مؤتمر إعادة إعمار غزة القادم يحتاج لينجح إلى أن يقوم العالم باتخاذ تدابير لمنع إسرائيل مستقبلا، من تدمير ما يبنيه الآخرون لأنه ليس من المنطقى أن تدمر إسرائيل بغيا وعدوانا البنية الأساسية التى بناها الآخرون فيعودون إلى الغباء كأنهم محكوم عليهم أن يدفعوا حجر «سيزيف» باستمرار إلى قمة الجبل ليعيده المعتدون المجرمون إلى السفح فتستمر العملية. وأعتقد أنه من الضرورى إيجاد الوسيلة لتحميل إسرائيل نفقات إعادة بناء ما تدمره وفرض عقوبات عليها نظير إجرامها. وهذه مسألة أخرى سوف نعود إليها.