لست خبيرا أو ناقدا رياضيا، بل مجرد مشجع للزمالك شأن الملايين، وأعجب فعلا باللعبة الحلوة لأى فريق فى العالم إسبانيًّا كان أم موزمبيقيًّا. والسطور المقبلة ليست تحليلا فنيا لمباراة الزمالك والأهلى فى كأس السوبر التى أقيمت فى أبوظبى مساء الجمعة الماضى.. ولكن سأكتب حول المشاهد التى صاحبت المباراة، وعن قوة الرياضة وقيمتها ودورها فى حياة الأمم إذا أحسنّا التعامل معها. الكأس حسمها الزمالك لصالحه بعد تألق حارسه محمود جنش وتصديه لضربتى جزاء. فرح الزملكاوية كثيرا، لكن الفرحة الأهم بالنسبة لى هى المشهد العام الذى انتهت إليه المباراة واللوحة الجميلة للجماهير فى الملاعب. الجماهير المصرية محرومة من دخول الملاعب منذ المأساة التى حدثت فى استاد بورسعيد فى أول فبراير 2012 وأدت إلى استشهاد 72 من مشجعى النادى الأهلى، ثم تكررت الماساة جزئيا فى مباراة الزمالك وانبي ،حينما سقط أكثر من 20 قتيلا من مشجعي الزمالك أمام استاد الدفاع الجوي في 8 فبراير 2015 بسبب اشتباكات قوات الأمن والمشجعين وسوء التنظيم في اجراءات الدخول. مباراة نهائى السوبر يوم الجمعة الماضي ذكرتنا مرة أخرى أن كرة القدم تفقد معظم عناصر إثارتها من دون الجمهور. شاهدنا يوم الجمعة فى استاد محمد بن زايد بأبوظبى أسرا كاملة تجلس فى المدرجات سعيدة وفرحة. شاهدنا أصدقاء يدخلون الاستاد معا. شاهدنا اثنان يبدو أنهما شقيقان، أحدهما يرتدى زى الأهلى والثانى زى الزمالك. شاهدنا فتيات جميلات وجودهن يضفى لمسة مختلفة على المشهد، وعوض غياب المستوى الفنى المرتفع عن المباراة. المباراة من دون جمهور أشبه بشقة على الطوب الأحمر أو المحارة!!، وبالتالى فإننا صرنا نحلم باليوم الذى تعود فيه الجماهير إلى الملاعب. الأصل أن يكون الجمهور حاضرا، لكن شرط ألا يتصرف بالطريقة التى تصرفت بها بعض جماهير الألتراس، وحاولت وربما معها بعض الجهات اختطاف المباريات وتحويلها إلى منصة لانتقاد الحكومة أو أى جهة أو مؤسسة. من يريد انتقاد الحكومة، فعليه أن يفعل ذلك خارج الملاعب، بالتظاهر فى الشارع أو فى أى مكان، أو يصدر بيانا سياسيا، أو عبر برنامج تليفزيونى.. أما الملاعب فهى أماكن للمشاهدة والمتعة والتسلية البريئة، وبالتالى علينا أن نناقش بجدية القواعد التى يفترض أن نطبقها لكى تعود الجماهير إلى الملاعب. أعلم أن هناك نقاشات كثيرة بين الأندية واتحاد الكرة ووزارة الداخلية وبقية الأطراف ذات الصلة. مطلوب أن نحل المشكلة من جذورها لتعود الجماهير تملأ المدرجات وتزينها، وتعيد لهذه اللعبة الجماهيرية ألقها وجمالها وفتنتها. ونتمنى أن تتحرك وزارة الشباب والرياضة بالتعاون مع الحكومة ومجلس النواب لحسم هذه المسألة. مساء الجمعة وبعد انتهاء المباراة ظللت أتنقل بين القنوات المختلفة، وقدمت قناة أبوظبى الرياضية تغطية متميزة، وفيلما وثائقيا جيدا عن نادى الزمالك منذ تأسيسه وحتى الآن. الجماهير التى تحدثت بعد المباراة كانت راقية جدا فى كلماتها وتعليقاتها، وكشفت عن مستوى مرتفع من الوعى والمسئولية والوطنية، وحتى التعصب الطبيعى بين جماهير الناديين كان منخفضا جدا، وفى إطاره الطبيعى. مشهد يوم الجمعة البديع فى أبوظبى يؤكد للمرة المليون أن كرة القدم لم تعد مجرد لعبة أو حتى صناعة، بل صارت أيضا واحدة من أرقى أنواع الدبلوماسية. يكفى أنها أكدت على عمق العلاقات الشعبية بين مصر والإمارات، بطريقة أفضل من ملايين المقالات والتصريحات التقليدية. ونتمنى أن ينتقل هذا التقليد، ليتكرر بين مصر والعديد من البلدان العربية، بحيث نرى مباريات للأهلى والزمالك فى الرياض والكويت ومسقط والمنامة والدوحة وبغداد وعمان وتونس وطرابلس والجزائر والرباط ونواكشوط والخرطوم وبيروت ودمشق، بعد أن يعود الهدوء والاستقرار إلى غالبية المدن والعواصم العربية التى تكتوى بنيران العنف والإرهاب. ونتمنى أن نرى لقاءات ودورات ودية كروية عربية. فربما تُصلح الرياضة ما أفسدته السياسة.. شكرًا للأهلى والزمالك وأبوظبى.. ومبروك للزمالك.