«أول ما كلمونى، رحت جرى ومضيت العقد من غير حتى ما أقرأه، دى فرصة مش محتاجه تفكير». كان العمل فى ماكدونالدز حلما بالنسبة لمحمد ع.أ، عامل توصيل الطلبات أو كما يسمونه فى المطاعم «طيارا». ويرى محمد، أنه محظوظ لأنه حصل على هذه الوظيفة، خاصة وقد تم تعيينه عن طريق الواسطة فى قسم توصيل الطلبات، لأن الطيار يحصل على بقشيش كبير يساعده على تحسين راتبه على عكس باقى عاملى ماكدونالدز، «التبس ممنوع داخل المحل». يعتبر محمد عمله فى مطعم أجنبى، وظيفة شيك، ويقول: إن العمل فى أى محل مصرى «بلدى» مختلف، كما لا تقدم المحال المصرية راتبا جيدا أو عقدا أو تأمينا، ويرى محمد الرواتب فى ماكدونالدز، أعلى منها فى مطاعم الوجبات السريعة الأخرى. فراتبه الشهرى يبلغ 550 جنيها، بعد أن كان 250 جنيها عند أول تعيين له، «ده غير البقشيش.. أنا بيطلع لى فى اليوم من 5 إلى 10 جنيهات، على حسب الطلبات». وقامت شركة ماكدونالدز، منذ عامين، باتباع نظام جديد للتأمين الصحى والعلاج لموظفيها، «دى حاجة الصراحة طمنتنى. كان قبل كده لو حد عمل حادثة بموتوسيكل التوصيل بيتبهدل»، أما الآن فلدى محمد كارت علاج مع إحدى شركات التأمين الصحى الكبرى، وإذا أصابه مكروه تدفع له الشركة راتبه بالكامل. ويعمل طيار الوجبات السريعة، فى الشركة منذ 10 سنوات، أى منذ دخول ماكدونالدز تقريبا إلى السوق المصرية. ويمتد عمل محمد لمدة 8 ساعات فى اليوم، بنظام الورديات «شيفت»، وأى ساعة إضافية يحصل مقابلها على أجر «أوفرتايم» من 3 إلى 5 جنيهات، حسب الراتب. ويتم تقييم العامل كل 6 أشهر، وفقا لالتزامه بمواعيد العمل وأيام غيابه، ويحصل على علاوة سنوية. يبلغ محمد من العمر 35 سنة، وهو حاصل على دبلوم صنايع عام 1993. وقد عمل بشهادته فى مصنع ألوميتال لمدة عام، كما عمل بشركة قطاع عام لمدة عام ونصف العام، كان يحلم أن يتم توظيفه فيها «الحكومة ضمان وأمان». ولكن بعد الفترة التى قضاها هناك تم الاستغناء عنه لأنهم أوقفوا تعيينات الشركة فى ذلك العام. «الحق يقال أنا مازعلتش لأن راتبى هناك كان 180 جنيها، وماكانش بيكفى أى حاجة.. أنا عندى عيال»، كما يقول محمد، وهو زوج وأب لطفلين، حنين وكريم. لم يتوقف طموحه، طوال فترة عمله فى ماكدونالدز، لتحسين دخله، ولذلك لم يضيّع أول فرصة جاءت له، وكانت عرضا للعمل فى محل عباءات فى الإمارات، «قلت فرصة، وقدمت استقالتى وسافرت، لأنهم بيقولوا الإمارات كنز فلوس». لكن ظروف ومواعيد العمل فى الإمارات، كانت بالنسبة لمحمد، لا تستحق الغربة والابتعاد عن زوجته وأولاده. فلم يتجاوز دخله هناك 1500 جنيه. «العملية كانت مش مستاهله»، خاصة أن مواعيد العمل مجحفة، فقد كان يعمل من العاشرة صباحا إلى الثانية فجرا، والراحة لمدة ساعتين فقط، دون إجازات. ويلخص محمد تجربته فى الغربة بقوله: «من خرج من داره، اتقل مقداره»، لذلك قرر، بعد خمس سنوات من «الوحدة» العودة إلى مصر، خاصة أنه لم ينجح هذه المدة فى «تحويش أى شىء، وما نابنى إلا البعد عن أولادى». ويرى محمد أنه كان «محظوظا» لأنه استطاع أن يعود إلى عمله مرة ثانية فى ماكدونالدز بعد العودة من الإمارات. ولكن لا يخلو الوضع من بعض المرارة فهو «متأزم» لعدم قدرته على توفير وجبات الهامبورجر، التى يقوم بتوصيلها طوال الوقت، لكريم وحنين. «كريم 3 سنوات فاكر إن ماكدونالدز ده بتاعى وكل شوية عاوز هابى ميل علشان اللعبة. ده حمل تقيل، إلا الأولاد مش ممكن أقولهم لأ على حاجة، وكمان صعب الواحد ياكل حاجة من غيرهم». ورغم أن ماكدونادز يوفر للعاملين وجبة مكونة من ساندويتش كبير وبطاطس ومشروب، ولكل واحد الحرية فى اختيار نوع الساندويتش الذى يريده، لكن «ممنوع أخذ الوجبة خارج المحل». ولذلك وفى الأعياد الرسمية، بعد انتهاء «شفت العمل»، يأخذ محمد أولاده إلى أحد مطاعم الشركة، «على الأقل يحسوا إنى بأعملهم حاجة، أصلهم مش فاهمين إن المحل ده مش بتاعى». ويتأثر عمل محمد بالأحداث الاقتصادية «من ساعة البورصة ما نزلت الطلبات انخفضت جدا، والبقشيش كمان قل»، ويقول محمد: إنه بدلا من 500 وجبة دليفيرى تخرج يوميا من المطعم، أصبحت الآن لا تتخطى 300 وجبة، مما أثر على البقشيش، «لكن الأمر مش حيدوم، فترة وحتعدى». رضا محمد بالوظيفة وارتياحه لظروف العمل الجيدة لا يمنعانه من البحث عن فرصة عمل فى القطاع العام فى الوقت الحالى، «أنا خلاص كبرت ومش حينفع أشتغل طيارا على طول، والعمل فى القطاع العام أمان وتأمين لمستقبل أولادى».