كتب - حاتم جمال الدين ومنة عصام ووليد أبو السعود: رجل أسمر ممتلئ قليلا يرتدى كابا من القماش، لديه لحية صغيرة، كساها اللون الأبيض بمرور الزمن، قد تقابله فيبتسم مرحبا أو يتجاهلك تماما، لكنك لا تغضب منه بل يردد كل محبيه ومريديه «مين اللى ما يحبش خان». المخرج الكبير محمد خان، الذى رحل عن عالمنا فجر الثلاثاء، فنان الشارع المصرى البارز، والذى يصفه الكثيرون بأنه أبرز من عبر عن هذه الشوارع بحواريها وأزقتها والأهم أناسها. من يعرف المخرج محمد خان يدرك كيف كان فرحا بالجنسية المصرية فرحة الأطفال الصغيرة بقدوم العيد، وظل يحمد الله أن تحقق بعد طول انتظار، إلى أن «خرج ولم يعد». • المشهد الأخير كشف احد المقربين من المخرج الراحل محمد خان ل«الشروق» ان اسباب وفاة المخرج الراحل هو اصابته بنزلة معوية حادة منذ ثلاثة ايام، وأن آثارها تضاعفت بشكل مفاجئ ما استدعى نقله بسرعة إلى مستشفى الاندلسية بسرعة لاجراء الاسعافات المطلوبة، وهناك تضاعفت الحالة بشكل سريع ومفاجئ ووجد الاطباء ارتفاعا كبيرا فى ضغط الدم ونقصا فى الهيموجلوبين بشدة ما ادى إلى وفاته. • وفاء التلاميذ كان المشهد حزينا للغاية فى وداع المخرج محمد خان، الصورة بدت هادئة، الوجوه صامتة، لكن القلوب كانت تنبض ألما لرحيل الانسان والمخرج محمد خان، فرغم الحزن الواضح على زوجته وسام سليمان وابنته نادين خان وبكائهما المستمر، إلا أنهما كانتا متماسكتين بشدة. واللافت للنظر هو حضور تلاميذه ممن عملوا معه وتحت قيادته وتدريبه لهم فى اللوكيشن، والذين بدوا متأثرين برحيل «الاستاذ» بشدة وغلب عليهم الحزن والمؤازرة لزوجته وابنته. واللافت للانتباه أيضا هو الهدوء الذى غلب على مشهد الجنازة، من عدم حضور عدد كبير من الفنانين، للدرجة التى أدت بإحدى الحاضرات عقب أداء صلاة الجنازة وتشييع الجثمان أن تصرخ بصوت عالٍ قائلة: «تلاميذ محمد خان كانوا أكثر وفاء من النجوم الذين صنع منهم نجوم شباك وصف أول، حيث لم يحضر كثير منهم إلى الجنازة لوداعه، ولو على الأقل حفظا لماء الوجه». وقد حضر الجنازة المخرجون كاملة أبو ذكرى ويسرى نصر الله وعمرو عبدالسميع والفنانون خالد النبوى وسيد رجب وأشرف زكى نقيب الممثلين وسامح الصريطى وكيل النقابة، والمنتجة ماريان خورى والإعلامى محمود سعد. • «ضربة شمس» قادته إلى عالم الواقعية - «الحريف» رائعة السينما التى يكرهها بطلها عادل إمام يوصف المخرج الراحل بأنه كان أحد أبرز مخرجى الواقعية بالسينما المصرية، فقد قرر خان، منذ بداية مسيرته السينمائية، أن يكون قابضا على شوارع مصر، وأحد عشاقها وفنانيها الكبار، ظل قابضا على جمر الفن وجمر الحلم بمصر ليقدم سينما من الشارع ولرجل الشارع انعكست فى كل أفلامه. لم يكن يعرف محمد خان، المولود بحى السكاكينى بقلب القاهرة يوم 23 فبراير عام 1942، أن السينما التى اعتاد الذهاب اليها بصحبة والده ستصبح هى عالمه الخاص الذى يطل منه على الدنيا، لكن شاء القدر أن يفتح خان نافذته باختياره عندما ذهب ليدرس الهندسة بلندن فيفضل عليها السينما وتصبح أولى خطواته بها من انتاج مجنون سينمائى آخر هو الراحل نور الشريف، الذى تحمس له عام 1977، ومنحه أولى خطواته السينمائية فى «ضربة شمس» الفيلم الذى أكد أن محمد خان قد جذبته غواية شوارع القاهرة ليصبح أحد مجاذيبها وواحدا من فنانى الشوارع، فالفيلم الذى لعب بطولته نور الشريف فى دور مصور صحفى وفى إطار من الإثارة والتشويق وتم عرض الفيلم عام 1978. وعام 1983 يقدم خان واحدا من أجمل أفلامه وأكثرها واقعية وشجنا فيلمه «الحريف» فى تعاونه الأول والأخير مع عادل إمام، نجم الشباك، الذى يقيس الأفلام بما تحققه من إيرادات، ولأن الفيلم لم يحقق الإيرادات المرجوة منه يغضب امام بالرغم من كونه قد لعب واحدا من أجمل أدواره فى شخصية فارس الاسم المفضل لمحمد خان فى معظم أفلامه لاعب كرة الشارع الحريف الذى يرفض المهانة حتى لو من مدرب بنادٍ كبير مما يدمر مستقبله كرويا ليصبح عاملا فى مصنع وينهار زواجه مع وجود طفل، إنه قصيدة سينمائية ربما لا يعرف كثيرون أن أحمد زكى كان المرشح الأول لها لكنها ضاعت منه كما ضاعت عدة فرص فى هذه الفترة ليكتفى زكى بقصيدة شعر يلقيها فى مقدمة الفيلم. عام 1988 يمتلك خان القدرة على تشريح حلم جيله وانهيار ثورتهم وحركتهم الطلابية من خلال شخصية هشام ضابط أمن الدولة، الذى يرى أمن الوطن من منظور ضيق وزوجته الرومانسية التى يتحطم حلمها يوما بعد يوم على أبواب طموح زوجها المهنى، الذى ينهار لأن رؤسائه يضحون به ككبش فداء لينتهى مصيره بانتحاره، الفيلم لعب بطولته أحمد زكى وميرفت أمين. وفى العام نفسه، وربما فى تجربة نادرة فى حياة خان، يقدم فيلمه «أحلام هند وكاميليا» مع بطله المفضل أحمد زكى ونجلاء فتحى وعايدة رياض وعودة لشوارع جديدة والطبقة المطحونة من خلال صديقتين تعملان خادمتين فى المنازل وكيف يسحق أو يحاول المجتمع سحق أحلام المرأة. عام 1990، الذى شهد وحقبة الثمانينيات، ظاهرة تحول كل شىء لسلعة تباع وتشترى، وخان يدخل التجربة بقصيدة جديدة لعازف البيانو الرافض للبيع فى سوق عصره ممدوح عبدالعليم الذى تركته زوجته لتتحول لراقصة فى الملاهى عايدة رياض وجارته نجلاء فتحى التى تحاول الحفاظ على ابنتها فى وجه طوفان الاستهلاكى الذى يفرضه طليقها العائد من الخليج نبيل حلفاوى، لكن نهاية العمل تؤكد أن الكل يباع فى السوبر ماركت رغم أنف الفنان. أحلام هند وكاميليا بدأت السينما تبتعد عن خان وجيله مع عام 2002، بعد أن قرر تجار السينما عقابهم بعد أن روجوا لمقولة إن السينما الواقعية أبعدت الجمهور، ويقاوم خان التيار فينتج فيلما بتقنية الديجيتال من تأليف محمد ناصر بعنوان «كليفتى» ولعب بطولته باسم سمرة ورولا محمود. وبعدها يبدأ خان لعبة التجارب الجديدة مع «بنات وسط البلد»، وأولى تجاربه مع زوجته السيناريست وسام سليمان ولعب بطولته هند صبرى ومنة شلبى وخالد أبوالنجا ومحمد نجاتى. وفى «شقة مصر الجديدة» مع وسام أيضا وبطولة غادة عادل وخالد أبوالنجا وفيلمه الثالث معها «فتاة المصنع» بطولة ياسمين رئيس، هانى عادل، ابتهال الصريطى، سلوى محمد على، وكان آخر أفلامه «قبل زحمة الصيف» بطولة هنا شيحة وأحمد داوود وماجد كدوانى. رحل خان قبل أن يبدأ فيلمه الجديد مع وسام سليمان «بنات روزا» والذى كان اسمه سابقا «عزيزى الأستاذ إحسان» وكانت مرشحة لبطولته غادة عادل. ولمحمد خان ثلاثة أعمال أخرى لم ترَ النور أولها «نسمة فى مهب الريح، ستانلى والمسطول والقنبلة»، إضافة إلى فيلم روائى قصير كان سيقدمه مع المنتج هانى أسامة وكانت مرشحة له الفنانة الشابة رغدة سعيد، التى قدمها خان فى فيلميه «فتاة المصنع» و«قبل زحمة الصيف» فى أدوار صغيرة. • الفنانون والسينمائيون فى وداع خان: إنسان الزمن.. لم نتوقع رحيلك نعى الفنانون والسينمائيون الرحيل المفاجئ للمخرج الكبير محمد خان، والذى وفاته المنية صباح امس الثلاثاء اثر أزمة صحية، وذلك عبر بيانات اصدرتها مكاتبهم الصحفية، وكلمات اطلقوها على صفحاتهم الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعى لرثاء المخرج الراحل. من جانبه نعى الفنان أشرف زكى، نقيب الممثلين المخرج الراحل بقوله «كان صديقا عزيزا ومخرجا مبدعا.. رحمه الله»، مؤكدا ان محمد خان واحد من أهم مخرجى السينما الواقعية التى انتشرت فى جيله من السينمائيين نهاية السبعينيات وطوال ثمانينيات القرن الماضى، مشيرا إلى دوره فى طرح قضايا المجتمع المصرى عبر افلامه. وعبر حسابه الشخصى على فيس بوك نعى الكاتب والسيناريست د. مدحت العدل وفاة المخرج محمد خان قائلا: «وداعا الصديق العزيز والمخرج العبقرى، محمد خان واحد من أعظم من قدموا مصر فى أفلامه وللأسف لم يحصل على جنسيتها إلا السنة الماضية فقط رحمه الله». نعت الفنانة وفاء عامر وفاة المخرج الكبير محمد خان، على حسابها الشخصى بموقع تويتر قائلة: «فقدنا علما من أعلام السينما المصرية، وواحدا من أهم وأروع المخرجين.. محمد خان فى ذمة الله.. اللهم ارحمه رحمة واسعة». وبتلقائية شديدة عبرت المخرجة هالة خليل عن مشاعرها تجاه المخرج الراحل على صفحتها فى فيس بوك وقالت: «قلتلك كتير اوى قد ايه بحبك.. ودلوقت حسيت انى كان لازم أقولك اكتر.. محمد خان من كتر حبى ليك لم أتوقع أبدا رحيلك.. الطفل الرائع بداخلك خدعنى وأنسانى الزمن.. وداعا وإلى اللقاء». ونعى السيناريست سيد فؤاد رئيس مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية خان بكلمات قال فيها: «استاذنا الغالى علمتنا حب الحياة والسينما بالفعل اعتقدنا كلنا انك لن تغادرنا ابدا ولكنك كنت دائما خارج التوقعات فاجئتنا يا استاذ وخلفت الروح والاعتقاد.. ربنا يرحمك». وقال المخرج الفلسطينى رشيد مشهراوى على صفحته الرسمية بفيس بوك: «حزن وألم ووداع مر فى رحيل الصديق محمد خان، الباقى دوما، والحى دوما، الفنان المبدع والإنسان.. نعزى أنفسنا أولا، والأهل والأقارب والأصدقاء والسينما العربية والعالمية». ونشر بعض المواقع عن النجمة ميرفت امين كلمات عن رحيل المخرج الكبير، عبرت فيها عن حالة الصدمة التى اصابتها اثر تلقيها خبر وفاته وهى خارج البلاد، فقالت ميرفت امين: «خان بالنسبة لى ليس مجرد مخرج ولكن حالة سينمائية وإنسانية خاصة، فهو صديق عزيز قبل أن يكون زميلا، عملت معه فى أكثر من عمل أعتبرها من أهم أعمالى، وكانت بمثابة نقلة حقيقية فى مشوارى الفنى، مشيرة لأفلامها زوجة رجل مهم، وأيام السادات، مع الراحل أحمد زكى». وأضافت أن خان كانت له رؤية خاصة ومختلفة فى كل شىء وهذا سر تميزه، وكان صاحب مدرسة سينمائية سعد بها كل من دخلها وعمل فيها من الفنانين، وساهم كثيرا فى إنعاش السينما المصرية بتقديم القضايا المهمة والتطرق للموضوعات الجديدة فى أفلامه والدخول فى مناطق شائكة رغم أن هذا كان يكلفه كثيرا من الترتيبات والتصاريح والتحضيرات وما شابه ذلك، إلا أنه كان حريصا على تقديم فكر سينمائى مختلف أضاف كثيرا للصناعة، فمن يشاهد أفلامه سيدرك أنها شديدة العبقرية وتحمل الكثير فى طياتها. جنازة محمد خان - تصوير: رافي شاكر • 6 أفلام ممثلًا و17 مؤلفًا و28 مخرجًا شارك محمد خان كممثل فى ستة أعمال أولها مع رفيق دربه خيرى بشارة، وأول أفلامه «العوامة 70»، وفى فيلم «واحدة بواحدة» مع المخرج نادر جلال ومع كاملة أبوذكرى فى «ملك وكتابة». لعب بطولة فيلم «عشم» مع المخرجة ماجى مرجان وبطولة إحدى حلقات مسلسل «امبراطورية مين» مع المخرجة مريم أبو عوف وهند صبرى. وكان محمد خان وعاطف الطيب وسعيد الشيمى ورضوان الكاشف وخيرى بشارة قد كونوا ما يعرف بالصحبة أو شلة المنيل وشارك محمد خان فى كتابة فيلم «سواق الأوتوبيس» لعاطف الطيب. ولخان تجربة إخراجية تليفزيونية وحيدة فى فوازير «فرح فرح» التى لم تكتمل. وبهذا يرحل خان وفى رصيده 28 عملا كمخرج و17 كمؤلف و6 كممثل وثلاثة أعمال لم تكتمل، تاركا ابنين هما المخرجة نادين خان والفنان حسن خان. خرج ولم يعد موعد على العشاء