بعد نفى وإنكار، اعترفت الخارجية الأمريكية بأن السيناتور كيرى، رئيس لجنة الشئون الخارجية، تسلم رسالة من حماس فى أثناء زيارته لقطاع غزة، موجهة إلى الرئيس أوباما.. اتضح أن شخصا ما وضعها من تحت عقب الباب فى مقر منظمة الأونروا لغوث اللاجئين. وأنكر السيناتور كيرى فى البداية معرفته أى شىء عن الرسالة، ثم جاء الاعتراف على لسان وزارة الخارجية من واشنطن بعد أن غادر غزة إلى دمشق. القصة تعكس الموقف الملتبس غير المنطقى للسياسة الأمريكية، التى شجعت حماس فى البداية على دخول الانتخابات الفلسطينية عام 2006، وعندما فازت بالأغلبية نكصت إدارة بوش على عقبيها.. وفرضت حظرا كاملا على حماس باعتبارها منظمة إرهابية. وأرغمت الاتحاد الأوروبى والدول العربية على مقاطعتها، وعدم التعامل معها. ثم جاءت إدارة أوباما لتجنى ثمار الفشل الذريع لمجمل أخطاء السياسة الأمريكية من أفغانستان إلى العراق، ومن إيران إلى لبنان وحتى فلسطين، ولتكتشف أن سياساتها بنيت على افتراضات خاطئة، واستنتاجات زائفة. تحاول السياسة الأمريكية الآن، أن تعيد اكتشاف الحقائق من خلال الوفود الأمريكية التى تتوالى على المنطقة.. وقد زارت غزة وأجرت اتصالات مع دمشق، وهى تسعى إلى فتح أبواب للحوار المباشر مع إيران.. وهو ما لم تفكر فيه الدول العربية التى تهيبت حتى الآن من إرسال وفود برلمانية لتفقد الأوضاع فى غزة، كما يفعل الأمريكيون والأوروبيون. ومازالت تقدم رِجلا وتؤخر أخرى فى إصلاح العلاقات مع دمشق. وتبحث عن أسباب لافتعال شجار محموم مع طهران بسبب تصريحات طائشة عن البحرين لشخص غير مسئول.. وحين يصل وفد من الجامعة العربية إلى غزة، فقد لا يسمح له بالدخول! لقد عمدت حكومة أولمرت إلى قلب المائدة فى وجه مصر، حين أعلنت أنها لن تنفذ اتفاق التهدئة بفتح المعابر، إلا إذا تم الإفراج عن الجندى الإسرائيلى.. وسدت بذلك الطريق لإعادة الأمور إلى أوضاعها الطبيعية بعد عدوانها الوحشى الغاشم على غزة، ومهدت لسياسة عدمية لا مصداقية لها على يد نتنياهو. فإذا كانت الولاياتالمتحدة فى عهد أوباما قد شرعت فى إعادة النظر فى موقفها من حماس، وإذا كانت حريصة كما جاء ذلك على لسان كبار المسئولين فى إدارة أوباما على وقف إطلاق النار وتنفيذ اتفاق التهدئة بمراحله المختلفة، فلابد من إشراك حماس فى العملية السياسية برمتها، وليس فى تنفيذ وقف إطلاق النار فحسب، وهو ما يستدعى الاعتراف بها لاعبا أساسيا فى خطوات عملية.. وقد تكون هذه هى الفرصة العملية لحملها على تصحيح مسارها، والانضمام فى مسار واحد مع منظمة التحرير الفلسطينية وسائر الفصائل. ومن هنا تأتى أهمية الخطوة التى أقدمت عليها مصر، رغم التراجع المهين لحكومة أولمرت عن اتفاق التهدئة، وذلك بالمضى فى بدء الحوار الفلسطينى وتشكيل حكومة وحدة وطنية. وسوف يكون نجاح هذه الخطوة بإعادة اللحمة إلى العلاقات الفلسطينية ورأب الصدع بين صفوفها هو أفضل رد على حقارة أولمرت، وتوحيد الصف العربى تمهيدا لمواجهة حكومة نتنياهو وسياساته العنصرية المعادية للسلام. وليس هناك شك فى أن ظهور موقف عربى موحد إزاء ما تقتضيه المصالحة الفلسطينية من تضحيات من الجانبين، سوف يكون عاملا قويا فى إعادة تقييم الموقف الأمريكى من التعامل مع فصيل ضد فصيل آخر، ومن التعامل مع المراوغات الإسرائيلية التى عرفنا فصولا منها أثناء سنوات حكم نتنياهو.