جيفارا.. غاندي.. مانديلا.. أسماء كلها عرفها العالم وقدرها واحترمها وبجلها، ومازالت هذه الأسماء تحمل من التقدير والاحترام الكثير.. والسؤال: لماذا؟ نعم.. لماذا؟ إذا كانت الإجابة لأنهم فقط دافعوا عن حرية أوطانهم وجاهدوا وكافحوا من أجل نيل هذه الحرية، فسأقول لك: لا، ليس هذا فقط.. وإنما لأنهم اتسقوا واتصلوا وتوحدوا مع كل صاحب ضمير إنساني في كل ربوع العالم.. ألم تتعجب يوما وأنت ترى في أحد شوارع مصر أو أحد ملاعبها صورة جيفارا (كوبي، أرجنتيني المولد) على صدر واحد من هؤلاء الشباب المتقدين حماسة.. لماذا؟ هل لأن جيفارا دافع يوما عن حرية مصر واستقلالها، أو أنه أيد مثلا الثورة المصرية؟ الإجابة بالقطع: لا.. ولكن لأنه صار رمزا للحرية.. الحرية التي تنطلق من فكرة الضمير الإنساني التي تتجاوز كل حدود. اسمحوا لي بسؤال آخر: ماذا كان شعورك عندما عرفت أن كريستيانو رونالدو قال يوما وقت اشتعال الثورة المصرية إنه يتابع ما يحدث في مصر أكثر من متابعته لأي شيء آخر.. لابد أنك سعدت سعادة كبيرة، وأكاد أجزم أنك وقتها لم يدر في خلدك القول: "وهو ماله ما يخليه في البرتغال بتاعته".. أجزم أيضا أنك شعرت بالزهو حين استمعت لأقوال الناس في كل مكان وهم يشيدون بالثورة المصرية، ولم أرَ واحدا يهتف وقتها: "وهم مال أهلهم بثورتنا".. إن كل ذلك يأتي -وفقا لفهمي المتواضع- تطبيقا عمليا لما يسمى بالضمير الإنساني.. فهناك حقوق واضحة جلية لا يختلف عليها أحد سواء كان في مصر أو في أي بقعة من بقاع العالم.. والحرية تأتي على رأس هذه الحقوق، والمدافع عن الحرية في مصر سيدافع عنها في كل مكان.. سؤال آخر إذا سمحت: ما شعورك وأنت ترى محمد أبو تريكة يجري فرحا بإحرازه هدفا في بطولة الأمم الإفريقية 2008 معليا ذلك الشعار الذي ذاع صيته في كل مكان في العالم: "تعاطفا مع غزة"؟ لقد شعرت بالزهو والفخر وأنت ترى هذا، ووددت لو كنت مكان أبو تريكة لتصنع هذا بل ربما لتصنع ما هو أكثر.. ما الذي أسعدك في هذا المشهد؟ وما الذي دفع أبو تريكة لهذا؟ إنه مرة ثانية الضمير الإنساني الذي يتجاوز كل حدود.. بالمناسبة، هل كنت سترضى عن أي فلسطيني يقول: "وهو إيه اللي دخل أبو تريكة في قضية فلسطين ما يخليه في ناهيا بتاعته".. الإجابة بالتأكيد: لا.. إن الضمير الإنساني هو الذي يدفع كل إنسان يمتلك هذا الضمير في كل مكان لأن يرفع صوته مدافعا عن الحق، محاربا الباطل في كل صوره.. والآن.. لماذا كل هذه المقدمات؟ ولماذا كل هذه الأسئلة؟ الإجابة يا سادة أنني تعجبت كثيرا من تلك الأصوات التي علت في الأيام الأخيرة مهاجمة ذلك الشاعر الشاب الرائع "تميم البرغوثي" الذي أخذ على عاتقه كغيره من الشرفاء في مصر أن يعلي صوته مدافعا عن حرية مصر.. الهجوم لم يتعرض أبدا لرأي تميم –الذي لم أشرف بلقائه بالمناسبة- ولو كان الهجوم متناولا رأيه لما أخذ هذا اهتمامي، فمن حقك أن تختلف معه، ولكن الهجوم كله قد تركز عند شيء واحد: "هو الفلسطيني ده ماله ومال مصر واللي بيحصل في مصر.. ما تخليه في فلسطين بتاعته".. يا سادة.. إن الضمير الإنساني ينادي كل حر في كل مكان لأن يدافع عن أهم حق من حقوق الإنسان.. "الحرية.. العدالة".. وهو ما دفع رسام الكاريكاتير البرازيلي الشهير كارلوس لاتوف لأن يتحفنا برسوماته عن الثورة المصرية.. وإذا كان تميم يملك ما يبرر مواقفه ذلك من خلال هذا الضمير الإنساني الذي يملكه، فإن له مبررا آخر أقوى وأكبر، وهو في الحقيقة أنه مصري، وليس فقط فلسطينيا، فوالدته الأستاذة الكبيرة "رضوى عاشور"، وهي واحدة من كبريات الحياة الأكاديمية والأدبية في مصر والعالم العربي.. ولعله من الغريب أن السؤال ذاته "وإنت إيه اللي دخلك في مصر يا فلسطيني إنت؟" قد وجه لمريد البرغوثي الشاعر الفلسطيني الكبير ووالد تميم حين علا صوته منتقدا السياسات المصرية وعلاقتها بإسرائيل، فكان رده: "أليس من حقي أن أتحدث عن هذه السياسات التي حرمتني من زوجتي وولدي ومنعت ولدي من أن يكون له أخ أو أخت.. إن هذه السياسات حددت عدد أفراد أسرتي".. وكان الرجل قد أبعد عن مصر نتيجة لآرائه الحرة.. ثم سيدي وعزيزي القارئ.. إنني أخاطب فيك هذا الضمير الإنساني: هل هناك من عبر من شعراء مصر عن ثورتها كما عبر تميم؟ في رأيي أنه المعبر الأعظم حتى الآن، فلم أقرأ قصيدة حتى الآن في روعة ما كتب تميم.. بالمناسبة: هل تعلم من قائل هذه الكلمات: "لا يهمني متى وأين سأموت.. لا أعرف حدودا فالعالم بأسره وطني".. نعم.. إنه جيفارا.. اضغط لمشاهدة الفيديو: يا شعب مصر.. كلمات تميم البرغوثي.. اضغط لمشاهدة الفيديو: يا مصر هانت وبانت.. كلمات تميم البرغوثي.. غناء وألحان: مصطفى سعيد *