اليمن تعاود صراعها الداخلي علي السلطة من جديد فقد وصلت المواجهات إلى ذروتها بين القوات الموالية للرئيس اليمنى المخلوع، على عبد الله صالح، وميلشيات الحوثيين، في العاصمة اليمنية صنعاء، حيث تجددت المواجهات المسلحة العنيفة بين الطرفين، منذ فجر اليوم السبت، والمستمرة منذ يوم الخميس الماضي، إلا أن المعارك احتدمت بشكل كبير وكان لها عدة نتائج ملموسة على الأرض في صالح جبهة الرئيس اليمنى المخلوع. وتأتى المواجهات العنيفة بين قوات عبد الله صالح، والحوثيين، بعد مفاوضات فاشلة، أمس الجمعة، حاول فيها طرفي التمرد في اليمن، إنهاء الاقتتال بينهما، لكن هذه المفاوضات لم تتح التوصل إلى اتفاق بين حزب المؤتمر الشعبي العام، بزعامة على عبد الله صالح، وحركة أنصار الله "الحوثيون". لان الحلف بين الطرفين تخطى ازمة الثقة هذه، و أن الآثار المؤسفة لهذا النزاع تعود إلى قيام الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق «صالح» بارتكاب جرائم وأساليب لا أخلاقية وغير شرعية، يستخدم فيها المدنيين، بمن فيهم الأطفال، دروعا بشرية، ويزجون فيها بالأطفال في ميليشياتهم، في انتهاك صارخ للمعايير الدولية وحقوق الإنسان ودون اعتبار لحرمة النفس البشرية، وذلك لتحقيق أهدافهم وغاياتهم غير المشروعة. مما لا شك فيه ان الصراع السياسي الراهن في اليمن بين الأحزاب السياسية اليمنية والقوى الوطنية والتيارات الفكرية والمذهبية الدينية له جذور تاريخية وتراكمات سياسية واجتماعية وله أيضا ابعاد إقليمية ودولية كانت بمثابة النار المغطاة بالرماد او كما يقال مثل جبل الجليد المغطى بمياه البحار والمحيطات، ولكي نفهم طبيعة الصراع السياسي الراهن في اليمن لا بد لنا من الاخذ في الاعتبار تناول الجذور والمسببات والاشكالات التي كانت تتوقد وتلتهب في الخفاء قبل ان تتحول الى بركان متفجر ظاهر للعيان. لا يمكن الحديث عن الصراع السياسي في اليمن بمعزل عن التأثيرات الدولية والإقليمية التي لها مصالح في اليمن، وتلك التأثيرات تندرج ضمن المصالح الدولية والإقليمية في اليمن، وقد تجلى الدور الإقليمي والدولي بشأن الصراع السياسي في اليمن عام 2011م، حيث سعت الولاياتالمتحدةالامريكية ومعها دول الاتحاد الأوربي ودول مجلس التعاون الخليجي، لاحتواء الصراع السياسي في اليمن ومنع اندلاع الحرب الاهلية بين القوى السياسية اليمنية المتصارعة. وفي المقابل حاولت إيران عرقلة المسار السياسي في اليمن من خلال حلفائها الحوثيين وبعض القوى الأخرى التي رفضت الاعتراف بالمبادرة الخليجية وبقيت في ساحات الاعتصام تثير المشاكل بهدف افشال المبادرة الخليجية وافشال مسار التسوية السياسية اليمنية السلمية، حيث واصلت إيران جهودها السياسية السلبية المعرقلة للجهود الدولية والإقليمية العربية، من خلال دعم الحوثيين بالسلاح والمال لجعل اليمن تابعا للنفوذ الايراني في المنطقة. لقد اوعزت ايران الى عملائها الحوثيين بالتوسع والانتشار خارج محافظة صعدة من خلال الزحف على المحافظات اليمنية الأخرى واسقاطها بقوة السلاح والسيطرة عليها بدعم واسناد إيراني ومحلي داخلي من قبل بعض اقطاب السلطة والنفود اليمني رغبة في الانتقام عن طريق الحوثيين من الخصوم السياسيين، وهذا أدى الى سيطرة الحوثيين وايران على السلطة السياسية في اليمن والسيطرة على الجيش اليمني والأجهزة الأمنية، وهو ما جعل الدول الخليجية تشعر بتهديد امنها القومي وخاصة المملكة العربية السعودية، وكذلك القوى الدولية الكبرى شعرت بخطورة تعاظم النفوذ الإيراني في اليمن وما قد ينجم عن ذلك من تهديدات للملاحة الدولية عن طريق تحكم ايران في مضيق باب المندب واستخدامه وسيلة للضغط على القوى الدولة وابتزازها في قضية الملف النووي الإيراني وغيره من الملفات الأخرى. لم تكن الطائفية أو المذهبية أحد الأسباب أو العناوين التي كانت سبباً في الخلافات بين اليمنيين، رغم تعدد الأسباب والعناوين التي اختلف على أساسها اليمنيون. بيد أن المراقب للتطورات السياسية والعسكرية والأمنية الأخيرة في اليمن لا يمكن أن يخطئ محاولات منح الصراع السياسي صبغة طائفية، يعزز من فرصها الغياب المفاجئ لأجهزة الدولة، والتراجع الخطير في فرص العمل السياسي السلمي، في ظل هيمنة السلاح على المشهد العام في اليمن. فالبشاعة التي نراها اليوم من هدم البيوت ونهب الممتلكات وقتل الابرياء لها مستندات تاريخية وبعدا مذهبيا لكن الغالبية العظمى من القوى الوطنية ترفض وصم الصراع الحالي في اليمن بكونه صراعا طائفيا وذلك حفاظا على المجتمع من الانزلاق أكثر في متاهات العنف والعنف المضاد. ويمكن الوقوف في هذا البحث على اهم المحطات التي شهدت صراعا شديدا خلال القرن الماضي وبداية القرن الواحد والعشرين وتكاد تتكرر حالات الصراع وظروفه لكن تظل المسببات واحدة والجذور مشتركة. إن الطائفية السياسية هي العقدة التاريخية التي كان لها الأثر الأكبر في تأجيج كل الصراعات التي تعاقبت على اليمن منذ ما يزيد على أكثر من ألف ومائتي سنة، وقد كان البعد المذهبي والمناطقي، حاضرا بقوة في محاولة للاستئثار بالسلطة والثروة من الاقلية الزيدية على امتداد مراحل الصراع في اليمن، فالمنطلقات الفكرية المتمثلة بالفكرة السلالية والاصطفاء الإلهي التي وردت في "الوثيقة الثقافية والفكرية للحركة الحوثية" التي تعتمد عليها الحركة الحوثية الان إن الصراع الراهن في اليمن ليس وليد اللحظة أو ما قبلها بقدر ما هو صراع تاريخي طويل، تداخلت فيه كل العوامل، القديمة والحديثة، مشكلةً تعقيدات هذه اللحظة بكل تشعباتها، التي أعادت عجلة الصراع والآزمة في اليمن إلى لحظتها الأولى، عودة الصراع الزيدي الهاشمي اليمني القحطاني، فأصبح المشهد اليمني اليوم يتمثل في النتائج الاتية :- تحالف صالح مع جماعة أنصار الله "الحوثيين" لإسقاط عملية التحول السياسي وعرقلة مشروع الدولة الاتحادية التي نصت عليها مخرجات الحوار الوطني والتي كانت ستنهي سيطرة الهضبة الزيدية على السلطة والثروة. اشتعال حرب أهلية تمثلت بغزو مناطق الجنوب وتعز وتهامة وكل المناطق الشافعية التي ضاقت ذرعا بتسلط الهضبة الزيدية، ومما تجدر الاشارة إليه أن الحرب في اليمن لم تأخذ بعدا طائفا لان الصراع هو صراع اجتماعي سياسي بالأساس لأنه صراع من أجل السلطة والثروة بالأساس وهذا هو الصراع الازلي في اليمن رغم محاولة بعض متطرفي الزيدية بخالق حالة من الانقسام المذهبي وكذلك جماعات التكفير والقاعدة التي ظهرت مؤخرا في اليمن وحتى القاعدة يتم توظيفها سياسيا وليس لها حاضنة شعبية أو عمق اجتماعي في اليمن. ظهور مقاومة وطنية تحافظ على البعد الوطني للصراع ولم تنزلق لتطييف الصراع في اليمن كما هو الحال في العراق وسوريا ظهور تحالفات جديدة بين قوى الامامة وبعض قوى اليسار. الانهيار الاقتصادي المريع والاخطاء الفادحة للتحالف في استهداف المنشئات الاقتصادية في عمليات عبثية لا تحقق أي أغراض عسكرية في القضاء على الانقلاب وعودة الشرعية لليمن. المجاعة والوضع الانساني المأساوي الذي نتج عن الحرب الحصار الذي تفرضه جماعة الحوثي ودول التحالف العربي. القتل خارج إطار القانون من جماعات تكفيرية تدعي تطبيق الشريعة وإقامة حد الردة. الانتقام الممنهج من الاسلاميين " حزب الاصلاح" بسبب صراعاتهم مع خصومهم في المحطات التاريخية السابقة سوءا كانت في ثورة الدستور عام 1948 مع الامامة أو في فترة السبعينات وبداية الثمانينات في صراعهم مع القوميين واليسار وكذلك تحالفهم مع الرئيس السابق صالح في الحرب على الجنوب في صيف 1994 مما ولد حالة من النقمة الكبيرة التي خلقت حالة من تحالف الخصوم التاريخيين. دخول اليمن في وصاية خليجية وسعودية تحديدا، قد تستمر خمسة عقود قادمة. عودة إلى عصبيات القبيلة وتعمق المناطقية والجهويات التي قد تنذر بتفتيت اليمن. وفي الاخير يمكن الاشارة إلى ما يخطط لليمن والمنطقة عموما من إثارة الحروب الطائفية وإعادة تقسيم المنطقة على أساس طائفي عرقي وإنهاء مفهوم الدولة الوطنية بناء على خطة مرسومة، ونشير إلى ما ذكره صاحب كتاب برنارد لويس سياف سايكس بيكو 2 حيث قال ما نصصه: " إزالة الكيان الدستوري الحالي للدولة اليمنية بشطريها الشمالي والجنوبي، ورسم حدود جديدة قد تتفق مع حدود دويلات السلاطين قبل ثورة الاستقلال في الجنوب مع تقسيم الشمال إلى ثلاث مناطق منها منطقة للحوثيين".