لمحة نقديّة في نصّ للشّاعر التّونسي يوسف الهمامي آنظروا. هل تتراءى في عينيَّ؟ هي الآن داخلي تصلّي.. (يوسف الهمامي) ————— يدعو الشّاعر أولئك الّذين يعرفونه جيّداً، ويتلمّسون بشكل أو بآخر منزلته من الشّعر، يدعوهم إلى تبيّن كينونته الحقيقيّة. (انظروا)، لفظ يشير إلى دعوة مطلقة لا تدلّ على مكانٍ أو زمانٍ، أو شخصٍ غير شخص الشّاعر. ويخفي هذا اللّفظ بين طيّاته تبشيراً بارتقاء الشّاعر إلى مكان أرفع، وانتقاله إلى التّماهي مع الشّعر. فتستحيل عيناه مرآة تعكس تركيبته الدّاخليّة العميقة. لكنّه يرنو إلى ما هو أبعد من العين كأداة لرؤية الخارج، أو لكونها تبيّن الأمور المنظورة. (هل تتراءى في عينيّ؟). سؤال الشّاعر غير مرتبط بإجابة تثبت أو تنفي صدق الحالة، وإنّما يرتبط بدفع المتلقّي إلى تبيّن الحالة الجديدة ألا وهي انتقال المحبوبة من سكنى العينين إلى ولوج عمق الشّاعر والالتحام به. كأنّي بها دعوة إلى اختبار كون شعريّ أشمل من ذاك الدّال على انعكاس صورة المحبوب في العينين كدلالة على الحبّ. (هل تتراءى في عينيّ؟) عبارة قد ترادف عبارة (كفّوا عن النّظر في عينيّ) في قلب الشّاعر، ليستدلّ النّاظر إلى جسد الشّاعر كهيكل تصلّي فيه المحبوبة (هي الآن داخلي تصلّي..). يتجلّى المعنى مزدوجاً في السّطر الأخير، فيرشد القارئ إلى الشّاعر من جهة كونه هيكل صلاة، ومن جهة المحبوبة المصليّة في هيكله. لكنّ الشّاعر يُأّوِّن الحالة الممتدّة منذ البدء، فلفظ (الآن) يخرج عن سياق الوقت ليصبح الآن كلّ أوان وإلى الأبد. فالصّلاة حركة أزليّة أبديّة لا يحدّها زمان ومكان، لأنّها محاكاة روحيّة ومناجاة علويّة تطلق العنان للرّوح المتحرّرة من الآن كواقع زمنيّ. كما أنّ الصّلاة حوار قائم بين الإنسان والله، وصلة حبّ بين المنظور واللّامنظور، المحدود واللّامحدود. وفي ذروتها يلتقي الكيان الإنسانيّ بالكيان الإلهيّ. وبالتّالي فالقارئ أمام شاعر هيكل صلاة تقرّب فيه المحبوبة صلاتها إلى الله. بمعنى أتمّ وأكمل، يشكّل الشّاعر ومحبوبته معاً وحدة الصّلاة/ الحبّ في لغة واحدة تناجي الله يقينيّاً. هي/ المنصهرة بالدّاخل تلج حالة الصّلاة/ الشّاعر، ومعاً يناجيان السّماء بالرّجاء والحبّ. نصّ يتّخذ من المشهديّة الشّعرية أدوات بنائه المفتوحة على عناصر السّرد. فثمّة أحداث يشير إليها وفاعلون يتحرّكون في الأفق صامتون. ولكنّهم بالمؤكّد مندهشون من هذه الكونيّة المتجلّية في كثافة النّصّ القصصيّة الّتي تقول أكثر وأبعد من بنيتها النّصّيّة، الّتي تتجمّع في بؤرة واحدة لتؤدّي رسالتها الشّعريّة العاطفيّة ببلاغة خاصّة لا يستطيعها غير العالم بالشّعر المسكون به.