باحثة دكتوراه بقسم تاريخ كلية الآداب جامعة القاهرة تعد العلاقة التفاعلية بين المجتمع والمسرح بمثابة التعبير عن التطور الثقافي الذي يشهده المجتمع . وكان انتشار المسرح وازدهارة في مصر مرتبط بتطور المجتمع المصري الفكري والثقافي فكان المسرح المصري بمثابة التعبير عن تطور المجتمع المصري خلال النصف الأول من القرن العشرين فالمجتمع المصري شهد تطورات ثقافية وفكرية منذ مطلع القرن العشرين كان من أهمها تطور نشاط الصحافة المصرية واتساعها و الندوات والصالونات الفكرية والأدبية التي ناقشت أهم مظاهر تطور الثقافة في أوربا ومن بينها الفن بصفة عامة والمسرح بصفة خاصة لدورة في عرض قضايا المجتمع المختلفة ومحاولة حلها . وفي مطلع القرن التاسع عشر شهدت مصر فنونا شعبية تشبه المسرح مثل الاراجوز وصندوق الدنيا وخيال الظل وتحدث عنها المستشرقين الأجانب الذين زاروا مصر في هذه الفترة ، وكانت في شكلها ومضمونها متأثرة بالمسرح الأوربي وكان من بين الفرق التي جاءت إلى مصر في تلك الفترة الفرق الفرنسية التي دخلت مصر مع الحملة الفرنسية فعند نزول نابليون بونابرت إلي مصر طلب استقدام فرقة من الممثلين ، حيث بدأت العمل في منزل كريم بك في بولاق ثم أنشأ بعد ذلك "مسرح الجمهورية والفنون " وتذكر لنا المصادر اسم مسرحيتين تم تمثيلهما هما رواية "الطحانين" ورواية "زايس وفلكلور" واشترك فيهما أغلب علماء الحملة في مصر ، فالفرق الأجنبية كانت تفد إلي مصر بصورة منتظمة من سنة 1869 ولم تتوقف عن الحضور إلي مصر إلا تحت ضغط بعض الظروف السياسية وبجرد انتهائها تعاود المجئ إلي مصر ، مما كان دافعٌا لبناء المسارح في شارع عماد الدين في القاهرة لتقدم عروضها كما كانت تقدمها في مسارح الإسكندرية عرفت مصر المسرح النابع من البيئة المصرية مع أواخر القرن التاسع عشر ، وأن كان لا يزال متأثرا في تلك الفترة بالمسرح الغربي إلي حد ما ، فقد قام الشيخ سلامة حجازي بدور واضح في إزدهار المصري خلال فترة أمتدت لأكثر من ثلاثين سنة من 1885 حتي وفاته في عام 1917 ومن بين هذه العوامل التي اسهمت في هذا الازدهار ، اجتذاب الجمهور بأسلوب المسرح الغنائي الذي شهد ازدهارًا فريدًا فالشيخ سلامة حجازي الذي بدأ حياته الفنيه مغنيًا ، أدخل القصائد الغنائية في إطار العمل المسرحي ، سواء أكان ذلك في افتتاحيات الروايات ونهاياتها أو بين فصولها بالإضافة إلي إنه كان يستعين بأبرز الكتاب في عصره لتقديم الأعمال المميزه ومن هؤلاء الكتاب إسماعيل عاصم بك ومحمود تيمور وعباس علام وغيرهم ،فقد كانت مسرحياته تعبيرًا عن أحوال المجتمع المصري المختلفة في تلك الفترة . وشهدت نفس المرحلة التي ظهر فيها الشيخ سلامة حجازي ، ظهور مسرح جورج أبيض(1880-1959) الذي ساهمت أعماله بقدر كبير في تطوير المسرح المصري ، وترجع اهمية الدور الذي قام به جورج أبيض إلي ثلاثة عوامل " أولها هوإنه أعطي للعمل المسرحي أساسه العلمي بشكل واضح ، فقد سافر إلي باريس ليتلقي فن التمثيل لمدة سبعة سنوات مابين 1904 و1911 قبل أن يعود إلي مصر ويكون فرقته ، والعامل الثاني هو اتجاه جورج أبيض لتقديم ترجمات عربية لأعمال كبار المسرحين الغربيين مثل مسرحية (عطيل ) لشكسبير ، أما العامل الثالث ، فهو تمصير بعض هذه المسرحيات بصورة تعكس مشاكل وأوضاع المجتمع في تلك الفترة" ، وكان من أهم أعماله مسرحية "جريح بيروت" عام 1912 لشاعر النيل حافظ إبراهيم وكان لأعضاء فرقته المسرحية دورًا هام قي الحركة الفنية المصرية وكان من بينهم ( عباس فارس – حسين رياض – عبد الوارث عسر – بشارة واكيم – فردوس حسن – روحية خالد ) ، ثم تأتي في نهاية الفترة السابقة علي ثورة 1919 مسرحيتان كتبهما محمد تيمور ، ورغم أن تيمور تأثر في كتابتهما بالمنهج الأوروبي تأثرًا واضحًا إلا أنه قدم فيهما شخصيات مصرية صميمة ، ومعالجة من وحي المجتمع المصري لقضايا أسرية طبقية كانت موجودة في المجتمع في تلك الفترة ، والمسرحية الأولي هي "العصفور في القفص" والثانية هي "عبد الستار أفندي" . وقبيل الحرب العالمية الأولي ، تطورت النظرة إلي التمثيل ، فتكونت "جمعية أنصار التمثيل والتأليف" ، ومع إندلاع الحرب علي الرغم من اتساع نشاط صالات الغناء وتقديم الاسكتشات لتسلية جنود الحلفاء ، فقد اتسع نشاط فرق جورج أبيض وسلامة حجازي وظهر إلي جوارهما أولاد عكاشة ، ومسرح منيرة المهدية ، وعبد الرحمن رشدي الذي قدم مسرحية البكاء والدموع . ويشهد عام 1916 تطور هام في تاريخ المسرح المصري ، عندما قام نجيب الريحاني(1949-1889) وصديقه عزيز عيد بتكوين فرقة مسرحية ، وكان مسرح نجيب الريحاني تعبيرا عن روح المجتمع المصري في الوقت الذي كان فيه هذا المجتمع يمر بتغيرات جذرية عميقة المولود لأب من أصول عراقية وأم من صعيد مصر وولد في حي باب الشعرية وعاشر الطبقات الفقيرة والبسيطة والحقه والده بمدرسة الفرير بالخرنفش لتعلم اللغة الفرنسية فأتقن اللغة الفرنسية فكان ذلك من أسباب شهرته حيث ساعده ذلك في ترجمة الروايات الفرنسية ، وعندما استكمل تعليمه التحق بوظيفة كاتب حسابات في البنك الزراعي ، والتقي هناك بالفنان عزيز عيد الذي كان له ميول فنيه واتفقا علي تكوين فرقه مسرحية بالاشتراك مع استيفان روستي وأمين عطا الله وأمين صدقي واستأجروا مسرح صغير بالفجاله وهو مسرح الشانزليزيه وقررت أغرب قرار في عالم المسارح وهو " أنه علي المتفرج إحضار كرسيه معه" وأنضمت إليهم فيما بعد روزاليوسف ثم أنضم إليهم فيما بعد بديع خيري الذي شارك نجيب الريحاني أنجح أعماله ، وكان من أهم هذه الأعمال (كشكش بك – الجنيه المصري – حسن ومرقص وكوهين) وبعد الثورة المصرية عام1919 انتقل مسرح الريحاني ليعبر عن الإنسان العادي الذي شارك في الثورة فأصبح. ياقوت المدرس الابتدائي وعباس البائع بمخزن الأدوية أبطال مسرحياته. واستمر تطور المسرح المصري في تطورات متلاحقة ، فعندما عاد توفيق الحكيم من فرنسا عام 1928 أحدثت آراؤه وإبداعاته ثورة في البنية الذهنية لهذا المسرح ، خاصة حين قدم مسرحيته الشهيرة "أهل الكهف" عام 1933 وظل يواصل عطاؤه السرحي ، الذي تم عرض معظمه علي المسرح القومي إلي أن توفي عام 1987 . وفي أعقاب الأزمة الااقتصادية العالمية التي شملت مصر في الثلاثينات ، أضطرت الدولة إلي التدخل في شئون المسرح وتأسيس الفرقة القومية المصرية للمسرح سنة 1935 ، التي اتخذت اسم "الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقي " ، وعهد بإدراتها للشاعر خيل مطران ، وفي خطوة مهمة للارتقاء بالمسرح المصري أسس ذكي طليمات المعهد العالي للفنون المسرحية أوائل الأربعينات ، وأسس مع بعض خريجيه "فرقة المسرح المصري الحديث " عام 1950 ، لتحقق إنتعاشًا في الحركة المسرحية بمنافستها الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقي مما ساهم في إثراء الحركة الفنية المصرية بشكل عام .