النقد إبداع كذلك في الرد على مقال "وللنّقد أمراضه المعدية كذلك" للأستاذ فراس حج محمد النّقد عمليّة صعبة ودقيقة جدّا ولا بدّ أن يتحلّى النّاقد بالتّواضع أوّلاً كيما يتمكّن من استخراج جماليّات العمل المرجوّ نقده. والتّواضع في هذا الصّدد يعني خلق علاقة بين النّاقد والعمل وليس بين النّاقد والكاتب أو الشّاعر، وإلّا انتفت الموضوعيّة في العمل النّقديّ، واستحال النّقد فارغاً من مضمونه الأدبيّ الإبداعيّ، ومجرّد سطور لا تؤثّر في القارئ. إذا كان فعل الكتابة هدفه البحث عن القارئ، كذلك النّقد هدفه الوصول إلى القارئ ويكون ذلك من خلال "الغوص في أنساغ العمل الأدبي وأعصابه من أول جملة فيه حتى آخر كلمة"، كما تفضّل الأستاذ فراس. ما يتيح للنّاقد أن يبدع كما الكاتب. فالنّاقد لا يقلّ إبداعاً عنه، وبالتّالي فالنّاقد والكاتب معاً، يشكّلان نسيجاً يتوغّل في عمق القارئ ليرتقي به. وإذا كان دور النّاقد مرتبطاً بالعمل الأدبي لا بصاحب العمل، فهو يتعامل مع عالم ابتناه الكاتب، وعليه ينبغي ولوج هذا العالم وتفحّصه وتسليط الضّوء على جماليّاته واستنطاقه بهدف تقريب القارئ من المعنى الكامن في قلب الشّاعر والكاتب، الّذي قد يظلّ مبهماً إن لم يتمّ إبرازه. يحتاج النّقد إلى أشخاص يتفاعلون مع النّص، لا مع صاحب النّص، وإلّا دخلنا في دائرة الحسابات الشّخصيّة، والمصلحة الشّخصيّة. لذا فالنّقد لا يعني المدح أو الحقد. كما أنّه لا يعني عرضاً وطلباً. "يتيح لنا الأدب معرفة الإنسان في الإنسان" (دوستويفسكي)، وبالتّالي فدور النّاقد مرافقة الكاتب من جهة لاستشفاف إنسانيّته المترجمة في النّص، ومن جهة أخرى مرافقة القارئ ليعاين هذه الإنسانيّة ويتعرّف عليها، فيتعرّف على ذاته. ليس النّقد عملاً استعراضيّاً يظهر قدرات النّاقد، بل هو إبداع خاص يرتكز على قدرة النّاقد في التّعمّق في العمل الأدبيّ، واستفزاز الكاتب نفسه لتفجير المزيد من الجمال والإبداع. من هنا تبرز قدراته وأدواته النّقديّة. ولا ريب أن إبداع النّاقد يقوده إلى تبيّن ثغرات العمل وإبرازها دون أن يحقّر من العمل الأدبيّ أو من صاحبه، بهدف التّطوير والتّحسين والارتقاء بالأدب.