حسن السّالمي من ثقب إبرة (*) رمضان يجمع أدباشه.. وروائح العيد تهبّ مع نسمات أوّل الخريف.. النّهار في رابعته، ومحلّ الألبسة الجاهزة، يشهد اكتظاظا على غير العادة.. من الواجهة الزّجاجيّة تقدّمت سيّدتان، شرعتا تتفحّصان معروضات العيد باهتمام بالغ.. تناولت إحداهما فستانا، وكانت جميلة رشيقة، أخذت تقلّبه وتقيسه على بدنها.. قالت صاحبتها: * كم هو رائق عليك هذا الفستان. وابتسامة الزّهو والخيلاء ترتسم على شفتيها، ثنت الفستان على ذراعها، قبل أن تتقدّم إلى قابض المحلّ: * بكم تبيعنا هذا الفستان؟ * لأجلك.. بخمسة وثلاثين دينارا. فجأة تغيّر لون وجهها، وانقلبت علامات زهوها إلى علامات غضب واستياء.. صكّت الأرض برجليها، دافعة بالفستان إلى البائع في اشمئزاز واضح، كما لو كانت القذارة بين طيّاته.. التفتت إلى صاحبتها قائلة والزّبد على شفتيها: * أمثلي يلبس هذا ! * لكنّه رائق عليك.. أظهرك كأجمل ما تكون النّساء ! * أيّتها المجنونة.. لا ألبس إلاّ ما اشتعل سعره وغلا ثمنه ! غمغم التّاجر في حسرة، وهو يراهما تخرجان كما دخلتا: * ليتني ضاعفت الثّمن !! ————— المُثبِّطون الوجه قطعة ليل مظلم.. وأزمته تدور رحاها في زنزانة رطبة مظلمة منذ عشرين يوما أو يزيد.. " ذروني وحيدا. لا أنيس لي إلاّ بقايا أمل يوشك أن يندثر.." بين الفينة والفينة، يدخل عليه كوكبة من المحقّقين يطمس الظّلام ملامحهم: * هل في جعبتك اختراعات أخرى؟ * كلاّ.. * هل من جهة تدفعك إلى اختراعاتك وتعينك عليه؟ * لا دافع لي إلاّ من نفسي.. وليس في جعبتي إلاّ موهبة حسبتكم ستعيونني على أوزارها ! * ما أدرانا أنّك لا تنوي صناعة سلاح تضعه في يد الإرهاب ؟! * ذلك ظنّ بعيد.. فقط أردت خدمة بلدي.. " ويظلّ هذا الصّحن يدور في رتابة، يأكل من أحلامي كلّ حين.. فلمّا خرّ سقفها وأتى عليها الدّمار، قيل لي: أخرج.. ولا تعد إلى مثل اختراعك.. الوطن لا يحتاج إليك!" بعد أيّام أخرى شاهدوه في السّوق جالسا على الأرض، يبيع مناجل ومحشّات من صنع يده ! —— (*) المجموعة القصصيّة " التّيه"-