أدرجتها بال CV ( السيرة الذاتية Curriculum Vitae ) كوظيفة مارستها لعشر سنوات أصقلت من الخبرات التي لم أكن أظن أنها تُصقَل .. حملت فيها غضب العالم وصبره، ملازمة نفسى كمعلم وتلميذ، ومع أول مقابلة عمل كان المنطق يسخر من عشر سنوات كأنها لا شئ! وماذا يهمني أنا كونك أُم وهي وإن كانت خبرة كما تزعمين لن تدعم أحقيتك بالعمل لدينا .. يمكن بهذا المنطق أن أوظف أيَّة أُم. العمل بأي مجال خيرى لساعات قليلة تدعم خبرتي وتبرهن استعدادي للعطاء؛ فما بالك بمجال يستهلك اليوم بكامله حتى ساعات نومي أظل متحفزة لمجرد عطسة أو ظَنِّي أن أحدهم لم يحكم شد غطائه . ولكنك مازلت أُم؛ فكيف ستعملين بعمل آخر ويومك مغلق على أمومتك ؟ أحتاج لعمل آخر حتى أستمر بالكفاءة المطلوبة . الانتماء لعمل تعطيه كل المصلحة والأولوية لا يصب فى ميزان عملك لدينا . نجاحاتي في أي شئ مهما بدا تافهاً أو لا يندرج تحت مصلحة المكان هو نجاح لأي خطوة بأي مكان وحافز للإنتاج الجيد. تلذذي بقهوتي الصباحية ، عبوري الطريق آمنة ويقظة ، استقبالي التحية الصباحية بابتسامة مشرقة من جارتي ، الاعتناء بإعداد النسكافيه لزوجي ،مساندة أطفالي للحاق بأتوبيس المدرسة بلا تأخير وبأقل اضطراب ، أشياء صغيرة تجعل مني كياناً أكثر تقبلاً لصعوبات أشد وأكثر نهماً للعمل بكفاءة أعلي .. بدايات تحقق أعلى إنتاجية لبقية أجزاء اليوم. تُمهِّد لنجاحي بمشروع عملاق كوني أُم. وما البحث عن نافذة جديدة تستهلك بعضًا من وقتي الذي يلزم لأمومتي إلا محاولة لكي أُنمي أحقيتي بترقية في الأمومة. بوقت ما تكرر مراراً حادثت نفسي أنني لا يمكن أن أستمر هكذا وهكذا.. للبعض ليست سيئة كما يبدو من سردها فهي تُعني أنني لا أستطيع تناول قهوتي ببروتوكولات التلذذ في الاتكاء علي أريكة بركن خاص ومحبب دون سماع كلمة "ماما " سبع مرات بالدقيقة، بدون أن تحمل أي مهمة تستلزم النداء، هي في حقيقتها تهديد من الصغير لأختيه ، "هكذا" تعني عدم إكمالي لأي كتاب في الثلاث سنوات المنصرمة، تُعني الاستماع وإنجاز المطلوب بأسرع وقت وأكثر كفاءة بآلية روبوت، تُعني استصدار إذن لتنشق الهواء ساعة بالخارج، وتفنيط كل الأعذار التي قد تحول دون تحقيق ذلك .. يحدث أن ترفض وتحاول النجاح وتفشل حتي يصل الأمر أشبه بطفح علي الجلد، ونسياناً لأبسط الأشياء البديهية، وتَأخُّر عقلك عن استيعاب ملامح الشارع الذي تطل عليه نافذتك .. يحدث أن تصنع بلسماً ببهجة أطفالك وضحكاتهم وبدايات حروفهم المشحونة بأولوية "ماما " فقط، وينضب مصنعك في إنتاج هذا البلسم مهماحاولت في نكسة تنسى فيها أن تنتج بلسمًا من مادة مختلفة .. يحدث أن ينفد وقتك بين طفلتك الأولى ومحاولة دخول عالمها واتخاذ الحيطة والحذر من ردود أفعالها، وطفلتك الثانية والجهاد في التماس وابتكار طريقة جديدة تحثها علي حفظ جدول الضرب متفاديًا اندفاعاتها المنطقية بأن هذا غير مهم وغير مجدٍ " فانا لا أحبه"؛ فتضطر أن تتقمص دور تلميذ وهي (الميس) التي ستسأل وأنا أجيب، وتعطيني تسعة من عشرة، وهي تحصل علي العشرة كاملة .. وأحتفل معها بانتصارها على ماما .. كل هذا فيما أرتب بنية غير معلنة كيفية تدمير مشروعها الصغيربالامتناع عن الذهاب للمدرسة غدًا وابتكار منطق أحارب به حيلتها السحرية التي مكنتها من نسخ فقرة الإملاء مسبقًا قبل وقت تمليتها بالصف لتحصل علي الدرجة كاملة بلا تعب ولا صراخ ولا معاناة في نطق الحروف وإشراك لسانها في التهجئة .. والأهم من ذلك بلا غش كما أبلغتني " حيلة سحرية يامامي والله ما غشتش ". كل ذلك في نفس التوقيت مع إعداد أكثر من نوع طعام لصغيري تحسبًا لرفضه أي منهما والقفز كبهلوان متمرس لإعطائه فتفوتة وهو يلعب ويقاتل، والحرص ألا تقل القفزات عن مستوى شعوره بالشبع فيما تنبهك حواسك بحاجته للتواليت سبع مرات بالساعة نصفهم حيلة لشد انتباهي والتدلل علي، فيما أُكمِل وجبة محببة للكبار للحيلولة دون تناول الطعام بالخارج في يوم عطلتهم لأتجنب مخاطر الطعام الجاهز فيما يعلق بذهني بلا داعٍ ضرورة تنظيف المطبخ وتعقيمه بعد الانتهاء حتى لا تذهب خططي للقضاء على الصراصير سُدًا ، ويعاتبني ضميري لإهمالي حق زوجي بغفلته، ويزج بضميري انشغالاً ما يتزامن مع انزلاق أحدهم بأرضية الحمام الغارق بالمياه نتيجة صرف الغسالة الخارجي، يجاور الظن في هذا ضرورة نشر الغسيل وتجميع الدور الذي سبق وجف وضرورة طيه. مدار طولي عرضي عكسي حلزوني كلما تأكد الظن بنتيجة مرضية يتفلت شعوري لأصرخ بطفلتي الكبرى المتمردة علي المذاكرة والصغري التي تحارب أخيها الصغير علي لعبته، والصغير الذي يشتكي الكبري .. وأنادي ولا إجابة وأصرخ فيُلقي كل منهم باللوم على الآخر، واتهامات بالتحيز لأحدهم دون الآخر، وأحاول تبرئة نفسي، ويشتد العراك ويستيقظ زوجي، ويُلقي بقنبلة في وجهي أنني سبب كل المشاكل؛ فأنا مَن حرضتهم علي الصراخ .. غير قادرة علي حسم الأمور، وأعاملهم بطريقة غير آدمية، وأنزعج بأنني أنظف وأعد الطعام وأهتم بشئؤنهم، ويُبرهن وجهة نظره بأنهم ليسو بحاجة لكل ذلك، ويخبرهم بتناول الغداء بالخارج ويتحمسون فيرتدون ملابسهم ولا يمشطون شعرهم، ويخرجون بالطبع من غير ماما ، وأبكي لإخفاقي وعدم أهميتي وأصوم يومين عن الكلام . ويلازمني شعور أنني " لولاهم" لكنت بوكالة ناسا أخطط لرحلتي ل "بلوتو"، أو يغافلني النوم بمعملي وأنا أبتكر مصلاً جديدًا لمرض شلل الأطفال يقضي بجيرة ملازمة للجدري ، أو أغمض عيني عن النور الساطع الذي يغلف إسمي علي أحد مقالاتي بجريدة التايمز. يزرعون بجنونهم أفكارًا لدي أحارب بها جهل الإنسان بأحقيته في القراءة قبل الطعام، وأرفض "نوبل " للسلام لأنها كاذبة وما من سلام تحقق بهذا العالم منذ قرر نوح بناء أسطوله الذي ضم الصالحين فقط ومع ذلك استمر نسل الخنازير للآن. أضع خططًا للهروب استعدادًا لهجوم حاد يحقق طمأنينة بالمكان. "لولاهم" ما نبت بذهني هذا الشعور بالعظمة لكونهم بحياتي، وكيف يجعلون مني إنسانًا نادرًا يحمد الله كل دقيقة علي عودتهم وتمني عودتهم سالمين من الخارج .. "لولاهم" ما بحثت عن "أنا" تكون جديرة بصحبتهم وفخرهم وتمني إرضائي ، ماتمنيت أن أعلو بخلقي وأشطب صرخاتي وأكتمها ، أرتب ساعاتي وأنقذها من شاشة إم بي سي تو لأمسك بالقلم وأكتب وأبحث علي جوجل عن الأسباب الحقيقية وراء الحرب العالمية الأولي وغيرها .. "لولاهم " ما عدت لأحلامي القديمة من طريق أكثر نورًا ، ما حاولت زرع داخلهم أن ماما ليست بأجازة، وأن وظيفتها أكثر صعوبة من الذهاب يوميًا للمدرسة، ماما تذاكر الإنجليزية لتضاهي تفوقهم فيها، ماما تحاول أن تدر دخلاً تدعم به موقفها للإصرار على حفظ جدول الضرب الذي سيختصر خطوة للتقرب من أحلامك .. شعور أنك فريد تتقن السعادة من حرفين وتبتهج من التعذر من نطق إسم "سلمى " باللام بخطفة نشوه لا تعادلها أي من رفاهية العالم. مجابهة ما يجابهون وارتياد شوارعهم الصاخبة وتدكيك مبدأ أنا صالحة لجيل صالح وطرح نصف للأهمية ونصف آخر ليد أخرى ليست يدك لتنجزه؛ فتجفيف الأرضية أسهل من أن يرهقك، ويجانب أفكار أكثر أحقية بوقتك فيما أصابعك تنتخب من شاشات اليوتيوب حكاية قبل النوم. هذا النور الذي يغمر عينيك فتغلقهما، احذر أن يصيبك بالعمى أو تُطيل إغلاق عينيك فتظن أنه ما من نور فلا تعد تستطيع أو تتحمل يومك معهم . هم علي جمالهم يستحقون جوائز عالمية فريدة فى الاستفزاز وتحريك مشاعرك لحواف النافذة لتلقي نفسك من الدور العاشر.. إتيان بنيَّة يمكنك بعد أعوام ليست ببعيدة ألا تجد نفسك عائقًا لبناء ذواتهم وعقلهم .. فتجد نفسك تقتحم خياراتهم وأصدقائهم وقوائم إفطارهم ومواهبهم؛ فتدمن وجودك بيومهم .. بتفاصيل لم يعد بالإمكان تقديمها إليهم، ولم يعودوا في حاجة إليها وقبولها على طريقتك حتي يصبحوا "هم " و"نحن" يجب إصلاح "أنا" وتدارك غفوتها فيتفلت منك الأمر على طريقتي فتُغطي زجاجة المياه بغطاء برطمان النوتيلا !