طوى التاريخ صفحة الحرافيش ، وإرتبط اللقب بصورة ذهنية لأعمال أديب نوبل نجيب محفوظ صاحب إحياء اللفظ وأدبياته ، وما بين حرافيش المماليك وحرافيش نجيب محفوظ هناك دائما تابع ومتبوع وحاكم ومحكوم .. فمن هم الحرافيش ؟ لغويا حرفش : احرنفش الديك أى تهيأ للقتال وأقام ريش عنقه ، واحرنفشت الرجال إذا صرعت بعضهم بعضاً .. وتاريخيا الحرافيش طائفة من عامة الشعب ظهروا فى العصر الأيوبى كفرقة قتال شعبية فى الجيش إشتهرت بالجراءة والإقدام و شاركوا فى الحروب الصليبيية حتى بدأ دورهم العسكرى يتلاشى تدريجيا فى العصر المملوكى و تحولوا إلى البطالة وكان لهم رئيس يعرف بإسم شيخ الحرافيش .. كما أطلق المؤرخون في بداية العصر المملوكي لقب الحرافيش والعوام على المصريين سكان القاهرة من الطبقات الشعبية ، خصوصا الحرفيين ، وقد كانوا اصحاب قوه وسطوه تخشاها السلاطين ، وكان النقباء يصلون لهذا المنصب عن طريق دفع الرشاوي للأمراء وحكام المماليك ومنذ هذا التاريخ اصبح للحرافيش دور سياسى واجتماعي هام وفي نهاية العصر المملوكي ساد لقب الحرافيش واستمر علما على الطبقات الشعبية حتى نهاية العصر العثماني . كان ولاء الحرافيش للسلطان يتوقف على الحالة الاقتصادية السائدة في البلاد فى عصره، فإذا صاحبه فيضان النيل وكثرت الخيرات أحبوه مثلماحدث فى عهد الناصر محمد بن قلاوون، أما إذا صاحبه قلة مياه النيل تشاءموا بحكمه وأسمعوه العبارات الغير لائقة كما حدث في عهد بيبرس الجاشنكير الذي سبوه مما اضطره للقبض على زعماء العوام فضرب جماعة منهم بالمقارع وقطع ألسنتهم . فى عصر المماليك ظهر " الموشومون " أصحاب الوشم على الصدر من البلطجية واللصوص وقطاع الطرق والذين عاثوا فسادا فى البلاد من خطف ونهب وقتل منتهزين حالة الإضراب الإقتصادى والأمنى ،وفى أحد المجاعات سيطر زعيم الموشومين " خزعل " على " خزانة البنود " التى كان يخزن فيها الكتب الثمينة والمصاحف النادرة وتلك المكتوبة والمزخرفة بأشغال الذهب والفضة ، وحولوها معصرة كبيرة لانتاج الخمور بجميع أصنافها وأشكالها، وأصبحت الخزانة ملجأ لكل اللصوص وقطاع الطرق والسفاحين، وعلا أمر خزعل فى البلاد حتى أصبح يستشار فى أمور السياسة ومن يتولى السلطنة والمناصب المهمة داخل مصر . فنادى الجوكندار نائب السلطنة فى عهد السلطان أبى الفداء إسماعيل بن السلطان محمد بن قلاوون الحرافيش ان يساندوا جيش المماليك فى القضاء عليهم ، وصاح فيهم :اهدموا الخزانة.. أهدموها معنا أيها المسلمون.. يا من تبغون شرع الإسلام، أهدموا موطن الخمر فوق صانعيها . واجتمع الحرافيش وانضموا إلى جيش الجوكندار وهجموا على الخزانة وسكبوا براميل الخمور فى الشوارع حتى سالت أنهارا، وبعضهم كان يخفى الزجاجات في بيته ، وتجلت الطبيعة الساخرة للشعب المصرى والتى تظهر دائما فى الأزمات فراح كل واحد منهم يعلق على أنهار الخمر فيقول أحدهم: «إن الأرض سكرت من أبحر الخمر» فيرد آخر «أنها لم تعد تشعر بوقع خطى الاعداء» ويقول ثالث «إن ساعة الحظ سوف تطول بها إلى فجر بعيد » . بروح المرح المعروفة عند المصريين كانت نهايه الموشومون ولكن الصراع بين السلطة والحرافيش مازال مستمر فدائما نهايه الحكاية مفتوحة..