ما الفرق بين الحاضر والماضي؟ هل المدنية زودتنا بمزيد من السعادة؟ هل منحتنا الأمان وزادت من البحبوحة وخفضت ساعات العمل وساهمت في استقرار الصحة… وغيرها من أسئلة تستحق التوقف عندها؛ في الماضي كان الفجر رائعا بألوانه بطيبه بأناشيده، والآن ليس في الأفق غير الدخان ورائحة البارود. لقد كان "روسو" مصيبا في قوله بأن الحضارة تسلب الإنسان السعادة، ودعا إلى انتزاع قناع النفاق، واستئصال الحسد والكبرياء، وكل هذه الأمور الملازمة للحضارة. في الماضي كان الإنسان ينعم بالبراءة والخير؛ لا ليست المشكلة في النوع والكم، وأصناف الأطعمة، والفخامة، والأزياء، وغيرها. كانت الأطعمة البسيطة توفر لذة تساوي أضعاف ما توفره الآن لذة المآكل الفاخرة، لأن تناولها كان يتم في أجواء دافئة بعيدة عن الصخب والشجون. قد لا يعجب البعض هذا الكلام؛ ولكن كثر يشعرون بالحنين الى الماضي او إلى مجتمعات لا زالت تتميز بالطيبة والمحبة. الشاعر الروسي "الكسندر بوشكين" هذا الشاعر الذي خبر حياة المدن والازدحام والمصانع، بهرته حياة الغجر وأحبها وكتب عنها؛ وصفهم بأنهم: "بشرا قادرين على توليد المتعة من طواحين الألم، بشرا يبنون مدنا من العفوية، والبساطة، والتلقائية، من دون حساب أو وجل أو خوف، هم أشقاء النبات الذي يمتد ويتطاول كيفما يشاء. على النهر يقيمون بيوتهم خيام رثة، نومهم في الهواء الطلق كما الحرية، إقامتهم سعيدة وكأنهم جزء مشتق من الطبيعة، لا بل كأنهم الطبيعة نفسها…" لماذا يكتب شاعر كهذا يعيش في أرقى المدن عن حياة بهذه البساطة؟! وغيره من مفكرين وباحثين وجدوا مكانهم في أماكن بعيدة عن الضوضا وهموم الحياة. لنترك الإجابة معلقة ولكل منا حق الاختيار.