أكد الداعية الدكتور أنس عطية الفقي المشرف العام على متطلبات جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا أن حقيقة الذكر في قوله تعالى "ولذكر الله أكبر" هو ألا يبرح العبد باب مولاه. وقال في الخطبة التي ألقاها اليوم من فوق منبر مسجد طارق بن زياد بمدينة السادس من أكتوبر إن اليأس الذي يقعد العبد عن العمل يحاربه الإسلام. وأوضح أن دين الإسلام هو دين البناء والتعمير، لقوله تعالى: "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" وفي هذا تحذير لنا من أن يصدق في بني إنسان ما عناه الملائكة بقولهم: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟" لكن الله تعالى يعلم ما لا يعلمون، فأراد لنا سبحانه وتعالى أن نرتقي بأعمالنا وبسلوكياتنا حتى نكون وفق مراده مكرمين لا نبغي في الأرض فسادا ولا عوجا. ولن نصل إلى درجة القرب من الله تعالى إلا إذا اتبعنا منهجه، حينئذ نرتقي بأرواحنا الطاهرة التي هي نفخة ربانية فنصل إلى الدرجة التي تستغفر لنا فيها الملائكة. وإذا ما أخطأنا وزللنا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرشدنا إلى طريق الأوبة فيقول: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون". فشرف لنا جميعاً أن كرمنا الله وجعلنا من بني آدم، وقد ازددنا شرفاً حين جعلنا الله من أمة خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا ضريبة لا بد أن نتحملها وهي أن نكون القدوة والأسوة الحسنة في تحقيق مراد الله من الخلق ومن استعمارنا في الأرض. ولن نعمر الأرض إلا بالعمل المثمر المفيد بينما الكسل والقعود والتواكل أمور استعاذ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم صباح مساء، فورد عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال". وخير الرزق المساق إلى العبد هو الذي يأتيه من عمل يده، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده"، وما ينطبق على الفرد ينطبق على المجموع، فالأمة التي يأتيها رزقها من عمل أيدي أبنائها خير من الأمة التي تتسول لقمة عيشها. ويزيد الأمر ترغيباً ودفعاً قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بات كالاً من عمل يده بات مغفوراً له". وفي الحديث المرفوع عن كعب بن عجرة: أَنَّ رَجُلا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَلَدِهِ وَنَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، " لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : إِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ لِيَعِفَّهَا فَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَهْلِهِ فَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى تَفَاخُرًا وَتَكَاثُرًا فَفِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ". وقوله صلى الله عليه وسلم: "لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه". وليس المقصود العمل في أدنى درجات الجودة بل المطلوب العمل ابتغاء أعلى درجة في الجودة والإتقان لحديث عاصم بن كليب عن أبيه قال: شَهدت مَعَ أَبِي جَنَازَة شَهِدَهَا رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا غُلاَمٌ أَعْقِلُ وَأَفْهَمُ، فَانتُهي بِالْجَنَازَةِ إِلَى الْقَبْرِ وَلَمْ يمكَّن لَهَا. قَالَ : فَجَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (سَوّوا لَحْدَ هَذَا). حَتَّى ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ سُنَّة، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِم فَقَالَ: (أَمَا إِنَّ هَذَا لاَ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَلاَ يَضُرُّهُ، وَلَكِنَّ اللهَ يُحِبُّ مِنَ الْعَامِلِ إِذَا عَمِلَ أَنْ يُحْسِن) وفي لفظٍ ( ولكن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان . والعمل مرتبط بالأمل والشعور بالكرامة والرضا وأنه عبادة يثاب المرء عليها حتى إذا كانت آخر ما يفعله في حياته، بل آخر ما يفعل في الحياة الدنيا بأسرها.. يؤكد ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن يغرسها فليغرسها". وفي أمره تعالى لنا بالعمل سيق الأمر متضمنا المراقبة من الله أولاً ثم من الرسول ثانياً ثم من المؤمنين ثالثاً.. قال تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون". ويستمر الأمر بالعمل لا نتوقف عنه إلا لتأدية الصلاة المفروضة، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون". وأشار الداعية د. أنس الفقي إلى أننا مأمورون بالعمل أما الرزق فيقسمه الله بمشيئته، ولذلك قال رسول الله في الحديث القدسي: "إن روح القدس قد نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب". ولذلك قال الله : "فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه"، لكن في مسألة طلب الجنة قال الله تعالى: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين". وفي طلب الركون إلى الله والبقاء على بابه قال: "ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين". اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد.