"طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ.ّ" ( متى 7:5) الرّحمة في الإنسان تدلّ على احترامه لإنسانيّته وإنسانيّة الآخر. كما تعكس حضور الله الرّحمة فيه، ما يجعله يفكّر ويتصرّف ويحسّ بحسب هذا الحضور. والرّحمة تعني أن ننظر إلى أعماق النّفس الإنسانيّة لا إلى ظاهرها. وإذ يقول لنا الرّبّ في (لو6: 36): " كونوا رحماء كما أن أباكم أيضًا رحيم"، فهو لا يطلب منّا شفقة أو إحساناً، بل نظرة إلهيّة تتفهّم أعماق الإنسان وضعفه، وقلباً إلهيّاً يحبّ ويحنو ويرأف. ولا يمكن للإنسان أن يطلب الرّحمة الإلهيّة ما لم يكن رحوماً، لأنّه كي يتجرّأ على طلب الرّحمة من الرّبّ، عليه أن يكون رحيماً مع أخيه. الرّحمة تطرد القسوة والحقد من القلب، وتزيل كلّ خلاف، وتترأّف بالحالة الإنسانيّة وتهتم لخلاصها. ونرى هذا المعنى في مثل السّامري الصّالح (لو10: 29-37). سأل أحد علماء الشّريعة السّيّد المسيح: "من هو قريبي؟". فحكى له السّيد المسيح قصة السّامري الصّالح الّذي صادف رجلًا يهوديًا كان نازلًا من أورشليم إلى أريحا، فوقع بين لصوص فعرّوه وجرّحوه، ومضوا وتركوه بين حيّ وميت.. ولكنّ سامريًا مسافرًا جاء إليه ولما رآه تحنّن. فتقدّم وضمّد جراحاته وصب عليها زيتًا وخمرًا وأركبه على دابّته وأتى به إلى فندق واعتنى به".. وسأل السيد المسيح عالم الشّريعة، عمّن صادفوا الرّجل المجروح: " أي واحد من هؤلاء الثلاثة كان في رأيك قريب الذي وقع بأيدي اللّصوص؟ فقال: الّذي صنع معه الرّحمة. فقال له يسوع: اذهب أنت أيضًا واصنع هكذا". إذاً، فالرّحمة هي المحبّة للآخر بدون شروط، وهي التّحنّن عليه إنسانيّاً بغض النّظر عن أي خلاف أو نزاع. بالمقابل فإنّ عدم التّصرّف برحمة، هو بمثابة حجب رحمة الرّبّ عن الإنسان، لأنّ رحمة الله تظهر من خلالنا. " لأنّ الرّب إلهك إله رحيم لا يتركك ولا يهملك ولا ينسى عهد أبائك الّذي أقسم لهم عليه" (تث4: 31).