ويمضي العمر مع الرياح ، وتبقى آثار رحلته الشاقة مدموغة بلحظات ايقونية من التباهي والفرح تتشبث بها الذاكرة الى الأبد ، وكأنه ما حدث معي بالضبط ، جاءني صوته الرخيم عبر الهاتف الخلوي يدعوني لحفل زفاف ابنته ميريهان بأحد الفنادق الفخمة المطلة على اهرامات الفراعنة ، شهقت بعمق حتى كدت اختنق من فرط الدهشة .. \" يا الله ، بهذه السرعة كبرت البنت ، ودخلت الجامعة ، والآن يدعونني لحفل زفافها \\\" ! . لم اتوقع ان أمر على مرآة الزمن والذي أكاد أُوقن ان ليس له وجود في الواقع ، لكن ذلك الذي حدث . في طريقي الى سيارتي تزاحمت داخل رأسي خيالات وصور وذكريات لبنوته صغيرة ، جميلة ، شقية تظل عالقة في ساقي طوال فترة جلستي ساعات طويلة في ركن الصالون مع والديها في المساء . والآن تندفع بي السيارة بجنون نحو مكان يتقرر فيه مصير جديد لميريهان يرسم خطوطه في ذاكرتها ، ويدمغ جسدها البض بعلامات مميزة تخترق بها حواجز الطفولة والحب ونضارة الانثى ، وارادة الحرية والتغيير . وداخل القاعة الفسيحة حيث يتقرر المصير كانت طاولات الطعام متراصة بعناية ، وكان هناك نفر قليل من المدعوين يحتلون اماكنهم في انتظار بدء مراسيم الحفل وكانت اضواء المكان ، \\\" والبيست \\\" تتمازج بعفوية مع القلوب المتوثبة للفرحة . و كذلك كان مشهد الأريكة المنسوجة بلون البياض الناصع ، والمصنوعة على هيئة مركب فرعوني لكي يجلس عليه العروسين في الجانب الأمامي القصي من الصالة مدهشا وجالبا للبهجة الداخلية . واتت اصوات الصخب والجلبة عبر الباب المغلق ، وترددت عبارات وصيحات لأصوات ضاعت مع وهج الضوضاء الناشئة توا بسبب ظهور العروس وعريسها في بهو الفندق متأبطين اذرع بعضهما في تباهي مثل طفلين يزهوان بما لديهم من الفرح . التم حولهما الجميع ، اصدقاء ، اقارب ، خواجات من رواد الفندق ، ومصور محترف يحمل كاميرة فيديو ، وعشرات الموبايلات والكاميرات الصغيرة لأصدقائهم منشغلة بتتبع تلك اللحظة الفريدة في جنون . استمر ذلك الأمر مدة خمسة عشر دقيقة قبل ان يدخل العروسان قاعة الاحتفال وخلفهما الجميع ، ويعلن منسق الحفل عن بدء المراسم . كأنه اعلان عن بدء الفرحة ، ولحظة التخلخل التي تهز كيان المرؤ ، وتزرع له جناحين يطير بهما في عوالم الروعة والبهجة والصفاء . وهكذا تحلق حول العروس وعريسها اصدقائهما وزملائهما بالجامعة ، جميعهم في نفس اعمارهم ، ويلبسون بذات انيقة وروابط عنق لافتة ، وفساتين سهرة أكثر من رائعة للفتيات . داروا عدة دورات في حيوية مثيرة ، وانتزعوا العريس انتزاعا ، وحملوه على الاعناق وطفقوا يدورون بسرعة كأنهم يتعجلون تلك اللحظة الفارقة المبهجة في كون باتت اركانه تبعث على الملل والسخف . درات حركتهم المدهشة مع حركة الارض حول الشمس في بهاء وحسن لم نعد نراه في حياتنا كثيرا ، وكانت الموسيقى المنبعثة من \\\"الدي جي\\\" تغلف حركتهم بالروعة والحيوية ومنتهى النشاط ، وتوقظ في المدعوين الذي لم يبرحوا طاولاتهم تلك المشاعر العميقة من البهجة وقوة الفرح الانساني الذي قلما نلتقيه هذه الايام . لم تكن الموسيقى مجرد اصوات ، أو كلمات اغاني لمطربين معرفين ، بل كانت واقع مدهش يزلزل الكيانات الميتة ، والتي دهستها الفوضى والاهمال والتهميش . كانت تدخل في الصدور فتجليها من صدأ قبيح اعتراها مع مرارة القسوة ، وتحول الكائن الانساني الى كائن مسخ ، لا يشبه شيئا . وقد كان ، اصبحت الحلقة حول العروسين أكثر اتساعا ، اكثر ازدحاما ، واكثر بهجة . تحرك المدعوين جميعهم نحو \\\" البيست\\\" ، تحلقوا حول العروسين واصدقائهما ، رقصوا مع الموسيقى ، وفرحوا مع الاضواء ، والقاعة ، والكون المبتهج في تلك اللحظة الفريدة . كان مشهد الجميع وهم يتمايلون ويهتزون بأجسادهم ، ويطلقون الضحكات وعيونهم تلتمع من الفرحة يؤكد ان الله كان حاضرا معهم فرحتهم ليلتها ، وكان يبتسم لهم ويبارك للعروسين وللجميع بما فيهم صديقي الذي دعاني لحضور حفل زفاف ابنته .