كأس الدم " هلم نحتفل بنصرنا الأكبر ! " هتف رئيس المجموعة الذي يرتدي قناعا غريب الشكل على وجهه , ورفع كأسا مترعة بسائل أحمر كثيف رقراق ووضعه على شفتيه ، فقلده الباقون ، الذين كانوا على شاكلته يرتدون أقنعة لها ذات الشكل الغريب ، وجرع الجميع الكؤوس في رشفة واحدة .. إنهم عطشي للغاية فيما يبدو .. وهذا طبيعي يا فتي .. إنهم لم يحظوا بضحية واحدة منذ ما يزيد على أسبوعين ! فرغوا من كأسهم فجمعوا حاجياتهم وتوجه كل منهم ناحية غرفته الخاصة المنزوية .. وهناك وبعيدا عن عيون الآخرين نزعوا أقنعتهم واستعدوا للمغادرة .. كل منهم بفاصل زمني مقداره عشر دقائق كاملة عن الآخرين .. وذلك ليضمنوا ألا يري أحدهم وجه الآخر كما تقضي بذلك قوانين الجماعة وتقاليدها ! لا يجب أن يعرف أي عضو اسم الآخر ولا شخصه ولا أي معلومات عن شخصيته أو عن عمله أو أين يقطن .. لا أحد فيما عدا ( السادن الأكبر ) متاح له الوصول لتلك المعلومات الحساسة ومعرفتها .. إنها قوانين خالدة مقدسة ولا أحد ، لا أحد على الإطلاق ، يفكر في خرقها .. إنها توفر لهم الحماية رغم كل شيء وتضمن بقاء رؤوسهم متصلة بأعناقهم .. حتى تلك اللحظة على الأقل ! ولكن قبل المغادرة كان هناك شيء بالغ الأهمية يجب القيام به .. تنظيف الكأس المحترمة وتخبئتها جيدا بعيدا عن أعين المتلصصين أو المقتحمين .. كأس الدم المحترمة ! ........................... وقف شخص نحيل طويل للغاية بارز عظام الوجنتين في غرفة صغيرة جانبية .. أمامه كان هناك مقعد صغير ومنضدة قذرة وعلي الجانب حوض ذهبي اللون بصنبور صغير له قمة مستدقة غريبة الشكل .. دُفعت إليه الكأس برفق من شخص مقنع يحملها باعتزاز وتوقير وقيل له بصوت غريب لم تتضح نبراته جيدا بسبب القناع : "نظفها ! " أحني الطويل النحيل رأسه بخضوع ثم تناول الكأس من حاملها بهدوء يكشف عن تفهمه لمدي أهمية تلك الكأس وقيمتها .. كانت هناك نظرة خمول شريرة تلوح في عيني النحيل لكن الشخص المقنع لم يهتم بها .. أو لعله لم يراها علي الإطلاق : " أهي نظيفة ؟! " سأل المقنع باهتمام ظاهر وهو يرقب بعينين كعيني الصقر يدي النحيل وهما تجولان ببراعة فيما داخل الكأس وحولها بقطعة تنظيف خشنة مخصصة مغطاة برغوة بيضاء كثيفة مزيلا كل ما يمكن أن يعلق بها .. لكن أي شيء يمكن أن يعلق بتلك الكأس وهي تبتلع كل شيء يراق داخلها .. ما لم تتخذ الاحتياطات الواجبة التي يعرفونها جيدا ؟! علي كل حال أضحت الكأس نظيفة براقة . فحملها النحيل ولفها بفوطة صغيرة نظيفة وأخذ يجففها بحرص حتى باتت نظيفة براقة فلمسها بأصبعه وجره عبر جسدها الزجاجي البراق : " سكويك ! "* قال النحيل في سخرية باستمتاع فنهره المقنع وهو يمد يديه ليأخذ الكأس بحرص زائد منه : " لا تعرضها لأفعال الصبية الطائشة .. أنها كنز ! " تناول الكأس منه ثم خبأها بين طيات ثيابه الفضفاضة : " لن يكون هناك رفقة لشهر قادم .. فلا تفتح الباب لأحد ! " أومأ النحيل برأسه الطويلة المنفرة إيجابا .. تركه المقنع ورحل بينما صر هو علي أسنانه في أعقابه وهتف باستهانة وغيظ محتدم : " تري لم يهتمون بقطعة الزجاج السخيفة تلك ؟! مدللون تافهون !" * سكويك squeak : بمعني صرير الزجاج وهو نظيف أنتظرونا يوميا في العاشرة مساء