ماهية القرنية الخلفية التشريحية والبيوكيميائية للقرنية الخلفية الوظيفية والفسيولوجية غزاة القرنية المراجع ماهية القرنية؟ أنظر الشكل رقم (1) القرنية هى خط الدفاع الأول عن العين أو مقلة العين، وهى تتميز بالقوة والصلابة وفى نفس الوقت بالشفافية والمرونة ، كما تتميز بقدرتها على حرف الضوء أو كسره مما يعطيها ميزة اضافية لأنها تساعد فى تركيز الضوء على شبكية العين. وتذكرنى القرنية بالقبة الحديدية التى أنشأتها أمريكا من خلال برنامج حرب النجوم للوقاية من صواريخ الأعداء بمختلف أنواعها من قصيرة وتكتيكية أو متوسطة وبعيدة أو استراتيجية. ومما سيلى سنجد أن العين عامة والقرنية خاصة تتعرض للهجوم باستمرار من مملكات عديدة من الكائنات الدقيقة. ولكنها عادة ما تقف منيعة فى وجه هذا الهجوم ، إلا إذا تم إضعافها بطريقة ما بسبب نقص مناعة أو مرض مزمن أو سوء تغذية. وهنا تصبح قبة العين الحديدية (القرنية) عرضة للانهيار. دعونا نعود بمعلوماتنا للوراء لنتعرف على تركيب العين أو مقلة العين تحرياً للدقة، وما هو موقع القرنية من هذا التركيب الفريد؟ العين تشبه الكرة، وهذه الكرة تسمى مقلة العين (Eye Ball)، وتتكون مقلة العين من ثلاثة طبقات طبقة خارجية للحماية والتى بدورها تتكون من القرنية (Cornea) فى السدس الامامى ولها وظيفة اضافية تسمى الوظيفة البصرية، والصلبة (Sclera) بالخمسة اسداس الخلفية، ثم طبقة وسطى للغذاء وتتكون من القزحية (Iris) وتشغل الجزء الامامى من الطبقة الوسطى والجسم الهدبى (Ciliary Body) ويشغل الجزء الاوسط من الطبقة الوسطى والمشيمية (Choriod) وتشغل الجزء الخلفى من الطبقة الوسطى، وأخيراً طبقة داخلية للرؤيا وتتكون من الشبكية (Retina). الشكل رقم (1): يوضح تركيب مقلة العين بطبقاتها الثلاث (وفيها تلاحظ القرنية في الجزء الامامى من الطبقة الخارجية لمقلة العين) القرنية – الخلفية التشريحية والبيوكيميائية: أنظر الشكل رقم (2) تتكون القرنية من 5 طبقات؛ الطبقة الأولى تسمى "الغشاء الطلائى" (Epithelium)، الطبقة الثانية تسمى "غشاء باومان" (Bowman's Membrane)، الطبقة الثالثة تسمى "الطبقة اللحامية" (Stroma)، الطبقة الرابعة تسمى "غشاء ديسمت" (Descemet's Membrane)، وأخيراً الطبقة الخامسة تسمى "الطبقة المبطنة"(Endothelium). تمثل الطبقة اللحامية 90% من سمك القرنية، ولذا تم تناولها باستفاضة. ويبلغ متوسط سمك القرنية حوالى 550 ميكرون في منتصف القرنية وحوالى 1000 ميكرون في اطراف القرنية بالقرب من منطقة اللم (Limbus). وقد يزداد هذا السمك أو يقل باختلاف الشخص. الشكل رقم (2): مقطع ميكروسكوبى لقرنية العين يوضح طبقاتها الخمس الطبقة اللحامية: وهى الجزء المركزى من القرنية وتمثل 90% من سمكها وتحتوى على 78% ماء من إجمالى مكوناتها، و 1% أملاح ، 21% جزيئات حيوية (تنقسم الجزيئات الحيوية إلى 80% ألياف كولاجينية، 10% مواد أساسية، و 5% خلايا لحامية). الكولاجين: يقبع الكولاجين ساكناً فى نسيج الطبقة اللحامية وهذا السكون هو فى حقيقته سكون نسبى، لأن هناك عملية إحلال للكولاجين، ولكنها عملية بطيئة تقوم بها خلايا متخصصة تسمى كيراتوسيت (Keratocyte). أما التصميم المعمارى للكولاجين فهو فريد من نوعه، ولقد تمت دراسته باستفاضة وذلك لدوره المهم فى عملية "شفافية القرنية". ويتراوح قطر ألياف الكولاجين ما بين 25-35 نانوميتر، ويتراص الكولاجين على هيئة طبقات تتوازى مع سطح العين الخارجى. ولقد أثبت العالم "موريس" أنه بالاضافة لتراص طبقات الكولاجين بصورة متوازية، فإن تقاطع الألياف فى كل طبقة على هيئة شبكة. وبالتالى يؤدى إلى ظاهرة ضوئية تسمى "التداخل المدمر" (Destructive Interference)، وفيها تلتقى الموجات الضوئية المنعكسة فى ألياف الكولاجين بنظيرتها المنعكسة من ألياف الكولاجين الأخرى، فيلغى أو يدمر كل منهما الآخر، فيتلاشى التأثير السلبى لتشتت الضوء على شفافية القرنية، وتحتفظ القرنية بشفافيتها. ويعتقد أيضاً أن حجم الألياف بالأضافة إلى المسافة بين الألياف يلعبان دوراً هاماً ومحورياً فى شفافية القرنية. وتتآخى القرنية مع السائل الزجاجى الذى يشغل تجويف العين ، بتشابههما فى العديد من الخصائص التشريحية والوظيفية. فكلاهما –القرنية والسائل الزجاجى- يتكون من نوع من أنواع البروتين يسمى الكولاجين (Collagen) ، وهذا الكولاجين يكون أليافاً يقل قطرها عن منتصف الطول الموجى للضوء، بينما يشغل نوع من السكريات العديدة يسمى جليكوز أمينو جليكان (GAG) (Glycos Amino Glycan) تلك المساحة الموجودة بين الألياف الكولاجينية، والتى تقوم بتقليل تشتت الضوء. إن اتحاد البروتينات والكربوهيدرات فى أنسجة القرنية والسائل الزجاجى أعطى كليهما أهمية خاصة، وبالرغم من التشابه العام فى تركيب القرنية والسائل الزجاجى، إلا أنه وظيفيا تحتاج القرنية لأن تكون صلدة ليفية لكونها الطبقة الخارجية للحماية، وأما السائل الزجاجى فيحتاج لأن يكون مرناً مثل الوسادة لكى يمتص الصدمات التى قد تؤثر على الشبكية. يسمى البروتين الأساسى فى كل من القرنية والسائل الزجاجى بالكولاجين ، وهو بروتين ليفى (Fibrous Protien) . وهو يتواجد فى المسافة بين الخلايا ويكون هيكلاً للأنسجة. ويرتبط مع هذا الهيكل الكولاجينى كميات من الكربوهيدرات، والبروتيو جليكان (Proteo-glycan) ، والجليكو بروتينات (Glyco-protein) ، وبروتينات غير كولاجينية تساعد فى إعطاء خصائص الهيكل الكولاجينى، وبالتالى تغيير خصائص الأنسجة. وتتكون الكربوهيدرات أو السكريات فى هذه الأنسجة من جليكوز أمينو جليكان (GAG) (Glycos Amino Glycan) وهى ما كان يطلق عليها سابقاً السكريات العديدة المخاطية (Mucopolysaccharides) وتتعدد أنواع ج أ ج (GAG)، ففى السائل الزجاجى يسود نوع يسمى حمض الهيالورينك (Hylouronic Acid)، أما فى القرنية 4 أنواع ج أ ج (GAG) الأول يسمى كبريتات الكيراتان (Keratan Sulfate) والثانى يسمى كوندرويتين (Chondroitin) والثالث يسمى كبريتات الكوندرويتين (Chondroitin Sulfate) والرابع يسمى كبريتات الدرماتان (Dermatan Sulfate). الخلفية الفسيولوجية والوظيفية للقرنية يسقط الضوء على الجسم المراد رؤيته، فتنعكس أشعة الضوء متجهة إلى أعيننا. تلتقى هذه الاشعة أول ما تلتقى بقرنية العين وتكون الاشعة متوازية أو متفرقة، وهنا تقوم القرنية بتمرير الاشعة ومحاولة تجميعها. بعد أن تخترق الاشعة الضوئية قرنية العين تمر على الخزانة الأمامية التى تحتوى على السائل المائى الشفاف، خلال انسان العين (فتحة دائرية في وسط القزحية)، حتى تصطدم بعدسة العين المعلقة في وسط مقلة العين خلف انسان العين بواسطة أحبال دقيقة تصلها بالجسم الهدبى. وتقوم عدسة العين بنفس وظيفة القرنية البصرية فتقوم بتمرير الضوء وتجميعه، ليمر بعد ذلك بالجسم الزجاجى الشفاف والذى يمرر الضوء مثل السائل المائى حتى يسقط متجمعاً في نقطة على شبكية العين، والتي بدورها تحول الضوء إلى موجات كهروكيميائية تمر إلى العصب البصري والذى يقوم برحلة طويلة تنتهى بالقشرة المخية. لكى تقوم القرنية بوظيفتها البصرية عليها أولاً أن تكون شفافة، ولكى تحافظ القرنية على شفافيتها، هناك العديد من العوامل التى تساعدها على ذلك. عوامل تشريحية (Anatomical Factors): 1. يتكون الطبقة اللحامية للقرنية من طبقات أليافها مصففة بطريقة متوازية بلا تقاطع أو ميل وفى طبقات متعامدة بعضها مع بعض، يؤدى ذلك إلى نفاذ الاشعة الضوئية دون تشتت أو تفرق. ومن ثم فان أى عامل يؤدى إلى صف الخلايا والالياف بطريقة غير متوازية وفى طبقات مائلة وغير منتظمة يجعل سطحها يفقد شفافيته ويصبح معتماً. ويظهر ذلك جلياً في قرح القرنية المندملة. اذ أن الالياف ترتص بلا نظام ومن ثم تصبح معتمة وتظهر كسحابات تختلف كثافتها بمقدار سطحيتها أو تعمقها في أنسجة القرنية. 2. خلوها من الأوعية الدموية: تحمل الاوعية الدموية خلايا متعددة من كرات دم حمراء وكرات دم بيضاء، ولذا فاذا دخلت الاوعية الدموية سطح القرنية كما في حالات الالتهابات والقرح والجفاف ونقص الفيتامينات، فان القرنية قد تصبح معتمة. 3. خلوها من الخلايا: تتواجد خلايا عاملة أو غريبة في قرنية العين يؤدى إلى اعتامها، مثل في حالات دمل القرنية وفيه تتواجد الخلايا الصديدية بين أنسجة. وفى حالات تجمعات خلايا خلقية في المرض المسمى الحوصلة الجلدوية (Dermoid Cyst). عوامل فسيولوجية (Physiological Factors): 1. وجود ضغط معين متوازن ثابت واقع على أنسجتها: لو اختل سواء بالزيادة أو بالنقص لانعدمت الشفافية 2. سلامة وتكامل الغشاء الطلائى والغشاء المبطن: فلو اختلت سلامتهم بالاصابة أو بالمرض، فانهم يفقدون قدرتهم على على حماية باطن القرنية (الطبقة اللحامية)، فتتسرب سوائل العين عبر الغشاء المبطن إلى الطبقة اللحامية وتتسرب دموع العين والسوائل الخارجية عبر الغشاء الطلائى إلى الطبقة اللحامية. الغشاء المبطن يحتوى على مضخة فسيولوجية للسوائل تعمل في اتجاه واحد من داخل القرنية إلى خارجها و تستخدم هذه المضخة كوقود لعملها مادة أدينوسين احادى الفوسفات الحلقى (cAMP). فاذا اضطربت هذه المضخة لأسباب وراثية أو اصابية أو مرضية، فان القرنية تمتص السوائل إلى داخلها ويزداد سمكها وبالتالى تفقد شفافيتها. عوامل إعاشية (Metabolic Factors): كثيراً ما نرى القرنية تتأثر وذلك نتيجة لاضطراب إعاشى، إما موضعياً مثل الضمور الهلامى يؤدى إلى حالة عِرْق سِنّى (Arcus Senilis) أو الضمور الدهنوى (Lipoid Degeneration) وإما كلياً مثل ترسب أملاح الكالسيوم في حالات اضطراب الغدة الجار درقية، وترسب بعض الاحماض الامينية السيستينية وترسب السكاكر الرغوية (Mucopolysaccharides). أنظر الشكل رقم (3) الشكل رقم (3): العوامل التى تؤثر في درجة شفافية القرنية غزاة القرنية؟ يتعدد غزاة القرنية من أشكال الكائنات الدقيقة المختلفة ، فمنهم من فصيلة البكتيريا ومنهم من فصيلة الفيروسات ومنهم من فصيلة الفطريات ومنهم من مملكة البروتوزوا. ويقف الغشاء الطلائى (Epithelium) سداً منيعاً أمام غزو الكائنات الدقيقة (Micro-organisms)، فإذا ضَعُف أو جُرح أو انتقِص، أصبحت القرنية فريسة سهلة لغزو الميكروبات والكاتئات الدقيقة. ومن أشهر الغزاة مملكة الفيروسات ، الفيروس الرهيب هربس (Herpes) الذى يقتحم القرنية بقرحته الشُجيرية الشكل الشهيرة. والذى يتسبب فى فقدان الابصار لدى العديد من البشر، نظراً لمقاومته العنيفة للعديد من الأدوية المضادة للفيروسات، وارتداده المحتمل للمرضى بعد شفائهم. أنظر الشكل رقم (4) أما مملكة البكتيريا فقد أخرجت لاعبين شهيرين خاضا معارك طاحنة مع علماء الفارماكولوجى حتى تمكنوا من إيجاد مضادات حيوية مناسبة للتغلب عليهما هذين اللاعبين هما البكتيريا الكروية الرئوية (Pneumococci sp.) وبكتيريا السيلان الكروية (Gonococci). أنظر الشكل رقم (5) ثم تأتى مملكة الفطريات بأشهر أعضائها "الكانديدا البيضاء" (Candida albicans) التى تقتحم قبة العين الحديدية (القرنية) عندما تجُرح هذه القبة بواسطة أجزاء حادة من النباتات أو عند هؤلاء الذين يعانون من ضعف عام فى مناعة الجسم مثل مرضى السل أو مرضى السكر. تسبب التهاب فطرى بالقرنية وهو من الخطورة بمكان بحيث يمكن أن يؤدى إلى فقدان الإبصار. أنظر الشكل رقم (6) الشكل رقم (4): يوضح قرحة القرنية الشجيرية التى يسببها فيروس هربس الشكل رقم (5): يوضح قرحة هيبوبيون بالقرنية التى تسببها البكتيريا الكروية الرئوية الشكل رقم (6): يوضح التهاب القرنية الفطرى التى يسببها فطر الكانديدا وفى الختام....أوجه حديثى لذلك التركيب الذى أبدع الخالق عز وجل فى صنعه...أوجه حديثى لقبة العين الحديدية ...فلكم ألهمتى العلماء على مر التاريخ ...فمن تركيبك المبدع أُلهم المهندس إيفل تصميم برج إيفل بباريس بفرنسا ، فخرج علينا بإحدى العجائب الهندسية فى العصر الحديث. ولولا دفاعك المستميت عن مقلة العين لفقد الملايين والبلايين من البشر على مر التاريخ نعمة الابصار نتيجة لهجوم الممالك الميكروبيولوجية (الممكة البكتيرية والمملكة الفيروسية والمملكة الفطرية)على العين باستمرار ، وقبل أن يتمكن العلم الحديث من إكتشاف هذه الممالك ومن ثم إبتكار وسائل للتغلب عليهم. فكلمات الشكر والعرفان لا يمكن أن تمنحك حقك أيتها القرنية الرائعة. المراجع Jeffery J. Machat. Excimer Laser Refractive Surgery – Practice and Principles. Slack Incorporated. NJ. USA. 1996. Roy Porter. The Cambridge History of Medicine. Cambridge University Press. 2006. كتاب الليزك وقصر النظر – من الموسوعة العربية لأمراض العيون - الجزء الثالث – الدكتور حسام الزمبيلى – الدار العربية للنشر والتوزيع - 2011 كتاب العين – التصرف الزين فى مناجزة سقم العين – أ.د. محمد عبد العزيز. 1983. التبصرة فى علم البصر – المقدمة لعلوم البصر التطبيقية – دكتور / على محسن السقاف 2008.