د./ شاكر عبد الحميد في كتابه "الغرابة .. المفهوم وتجلياته في الأدب" كتب المؤلف / صلاح شعير على غلاف قصته "تفقد الحياة بهجتها متى غابت القيم الروحية بين البشر بصفة عامة، وتأكدت تلك الحقيقة عندما تحوّلت مشاعر الحب بين الرجل والمرأة في أحيان كثرة إلى مجرد وعاءٍ للغريزة فقط، ومن هنا تحوّل المنزل إلى قفص ٍ من طوب، والفضاء الفسيح إلى سجن ٍ عتيق لقد أفلت جزء من شمس المروءة، والصدق عن سماء الوطن قبل 25 يناير 2011م، وتقلصت بعض الفضائل داخل النفس البشرية، نتيجة تسلل فصيل يعاني من الخلل التربوي، وسوء الفطرة لسدة الحكم، لذا سقطت قلاع القيم واحدة تلو الأخرى، فلا يمكن أن تثمر أغصان الحب زهورا ً بدون أخلاقٍ حميدة ا لقصة "ليلى فتاة ذات جمالٍ غير عادي، عانت منذ طفولتها مشاعر تربية خاطئة من أمها التي فرّقت بينها وبين أختيها، نمى بداخلها خصلة "العناد" والنفورِ من النساء وبجمال الأنثى الذي التفت به وميزها بين البناتِ أيام دراستها قبل سنوات الجامعة أو في الجامعة وحتى بين السيدات حين تزوجت، وصار كلا ً من العناد والجمال هما أسلحتها، وبسبب العنادِ والجمالِ تبدّلت سلوكياتها ومشاعرها، وصارت الذئاب بشراستِها تتألب عليها للنيل منها إما للإقتصاص منها لعنادِها أو قهرها واحتوائها، حتى تحوّلت إلى ذئبة مثلهم بأنيابٍ شرسة تجيدُ ليس فقط الدفاع عن نفسها، بل مواجهتم وتحقيق الإنتصار عليهم. وكان حب الله في النهاية، وأحداث 25 يناير 2011م بدايات الإستواء النفسي ثم السلوكي الرواية مع زخمِ الأحداثِ والشخصياتِ وتعددها بل وتقاربها في التأثير والمؤثرات التي أضافتها لإبراز الدواعي والخلفية التي قام عليها البناء الدرامي والروائي للرواية واهتمام الكاتب بهذا التنوع العددي والمُتشابه وتكثيفهُ تأكيدا ً لِما يأخذنا إليهِ عبر هذا التنوع المُتشابه لكمّ هذه الشخصيات والذي يقربُ من حد التكرار المُتوقع، فكأننا أمام شخصية واحدة محورية تحملُ نفس السماتِ المرضية، وإن كانت تحملُ أسماءً مُختلفة، إن هذا التشابه في السماتِ يعطينا دلالة، على وجود الظاهرةِ المراد الإشارة إليها وهي الإنحدار الجمعي للمجتمع لبؤرةِ الإنسلاخ المُميت من سلوكياتٍ وآدابٍ وقيمٍ دينية ومرورثٍ قيميّ إجتماعيّ ضارباً في أعماق الشخصية المصرية مهما تعددت البيئات، واختلفت الطبقاتِ الإجتماعية إن الرواية في أحد جوانبها الهامة، تعبيرا ً قويا ً لأحداثِ ما بعد انتفاضة 25 يناير وأحداث 30 يونيو – وكلاهما لا يحملان ما جرت عليهما التسمية بكلمة "ثورة" – ونحن هنا ليس في مجال التعريف أو استحقاق كل منهما لكلمة الثورة المؤلف... رصد بعين حكيمةٍ وخبيرة، والتقط أحداثاً وسعى إلى بناء درامي قوي ومؤثر يعكسُ حالة المجتمع، ومدى عمق التأثر والتأثير المُتبادل على الفرد والأسرة وبالتالي على المجتمع ككل، فأجاد من خلال الإنتقاء لشخصيات متعددة، تتلاقي جميعها في المواصفات كما تتلاقى وتدور كل شخصية في فلك الشخصية المحورية "العنيدة" والتي بصورة ما تتشابه مع الجميع تحت وطأةِ التأثر والتأثير المُتبادل فتتحول إلى "ذئبة" لا تقل عنهم ضراوة، بما يؤكد في النهاية سقوط المجتمع كله أشرارهِ وخيّريهِ في البئرِ، وليتمُ "التحول" الذي حدثنا عنهُ دكتورنا الناقد/ شاكر عبد الحميد في كتابه "الفن والغرابة مقدمة في تجليات الغريب في الفن والحياة"، فهذه الصور أو الشخصيات تمثلُ مفهوم "الغرَابة" الأدبية كونها غرابةً آتية من مصدرٍ غير آمن وتحملُ غير المألوف وغير العادي المُتعارف عليه، لذا يتطلب من المجتمع الإلتفاف حولهِ والتعرف عليه، ثم العمل على عزلهِ تمهيداً لدحرهِ وإعادتهُ إلى حيثما جاء، للتخلص منه نهائيا وهذا الجانب أجاد الكاتب بناءَهُ بحرفيةٍ تخدم رؤيته لحدثين سياسيين لهما تأثيرٌ حادّ على المجتمع، أجاد رصدهما في محاولةٍ منهُ لإقالة عثرةِ المجتمع الحالية قبل أن يتهاوى ساقطاً في بئرِ بلا قرار ننتقل إلى جانبٍ أخر، يُضفي عُمقاً فكرياً للإبداع في هذا النص الروائي للكاتب/ صلاح شعير، وهذا الجانب يتعلق بمفهوم الغرابة كما جاء في تصدير هذه القراءة من كتاب دكتورنا الناقد الفاضل/ شاكر عبد الحميد، في كتابه "الغرابة.. المفهوم وتجلياتهِ في الأدب" الغرابة" تعني وفق ما جاء في التوطئة بالدراسة المذكورة – الغرابة ضد الأُلفة، وهي نوعان : غرابة غير المألوف، وغرابة المألوف، وفي فصلٍ كامل خصصه عن هذا المفهوم جاء فيهِ : كرّسنا للحديث عن مفهوم الذات، وعن تطور هذه الذات – إرتقائها – نحو السواء أو نحو التفكك والإختلال والمرض وما يصاحب هذه الحالات من مشاعر خاصة بالغرابة وهذه الجزئية، ودون تلبيسٍ للنص، أو لَيِّهِ وتطويعهُ لهذه العبارة، سنجد أن بطلة القص- ومن خلال الأحداث والشخصيات التي تدور في فلكِها – تعاني من الّغُربة، والإغتراب الذاتي عن السموّ والإستواء الإنساني المألوف والمعتاد، لتضيعُ في فضاءِ غير المألوفِ والمعتاد من القيم والسلوكيات الراشدة والرشيدة، ونجدها، ومن في دوائرها من الشخصيات تحوّلوا ومعهم اغترابهم إلى كائنات أخرى غريبة وغير مألوفةٍ، ذات سِماتٍ وتصرفاتٍ سلوكية ممجوجة ومرفوضة، بل ومقيتة، أشبهُ بالذئاب التي اُصطلح على أنها تحملُ أقصى وأقسى صفات التوحش من بين الحيواناتِ غيرِ المُستأنسة والتي تثيرُ الخوفِ والرعبِ وعدم الأمان أينما حلّت واستقرت، وللعجب هي لا تستقر في مكانٍ كسائرِ الحيوانات ولعلّ هذا الربط التقنيّ الملموس يُبين ويُبرز ما اهتم به الكاتب كإشارة وتحذير من غربةٍ واغترابٍ وابتعادٍ عن جادة المجتمع السليم وقد اخترت من كتاب الدكتور/ شاكر عبد الحميد فقرة لا تُشير إلى هذه القصة وإنما إلى قصة "وليم ويلسون" المعروفة كتبها إدجار ألان بو: "هذه القصة جسّدت ذلك التناقض الموجود داخل الإنسان، الإنسان الذي يكافح من أجل البقاء على قيد الحياة، وفي الوقت نفسه يسعى من أجل تدمير نفسهِ، أي من أجل الموت، وهذا مثالٌ آخر على الغرابة في الحياة التي يُجسدها الأدب، فسعيّ الإنسان من أجل البقاء على قيد الحياة أمر مألوف، أما غير المألوف والغريب فهو قيامَهُ خلال الوقت نفسهِ بتدمير ذاتهِ بأفعالٍ تقرّبهُ من الموت والدمار بكل ما يناقض الدافع الأول الإيجابي الخاص به ) .