وزير التعليم: المعلمون القوة الدافعة للتعلم.. ولدينا آلية دقيقة للاختيار    لأول مرة.. انطلاق تدريب لاستخدام المنصة الرقمية لرصد نتيجة المسح القرائي ببورسعيد    تحسين معيشة المواطن وزيادة الإنتاجية.. وكيل "قوى عاملة النواب" توضح مستهدفات الموازنة الجديدة    الدولار الأمريكي يقفز في ختام تعاملات اليوم.. تعرف على القيمة الجديدة    الأسبوع المقبل|فصل الكهرباء 6 ساعات لمدة 4 أيام عن عدة مناطق ببني سويف    أخبار السيارات.. مواصفات تويوتا فورتشنر 2025 بالسوق المصري .. إرشادات للحفاظ على ناقل الحركة اليدوي    إسرائيل.. والخطر الإيرانى    عاصفة تضرب الإمارات.. شاهد| الأمطار تغرق مطار دبي الدولي    الهند تدعو إلى اتخاذ إجراء حاسم بشأن إصلاح مجلس الأمن الدولي    بسبب تأجيل جولة بالدوري| حسام حسن ينتظر رد رابطة الأندية    بتكلفة 6 ملايين جنيه.. وكيل رياضة القليوبية يتابع عددا من المشروعات بشبين وطوخ    غدا.. انطلاق بطولة الجمهورية للاسكواش في نادي مدينتي    رسميا - بتروجيت أول العائدين للدوري الممتاز بعد غياب 4 مواسم    سوبر هاتريك «بالمر» يشعل الصراع على الحذاء الذهبي    تأجيل محاكمة متهمين قتلوا شخصا بسبب خلافات بينهما بالقليوبية ل11 يونيو    أسخن 24 ساعة فى الربيع| عاصفة ترابية على القاهرة.. والموجة الحارة تصل ذروتها    يصارع الموت.. سقوط فني تكييف من الطابق الرابع بالمهندسين    السبت.. عرض «مقسوم» بمهرجان هوليوود للفيلم العربي    ريهام حجاج عن انتقادات مسلسلها «صدفة»: «مش كل الناس اتفقت على ربنا»    سهر الصايغ تشارك سامح حسين ومحمد ثروت بطولة فيلم «اتنين × واحد»    «مالمو للسينما العربية» يُكرم المخرج خيري بشارة.. و4 نجوم في ضيافته (تفاصيل)    بالأسماء.. رئيس جامعة القاهرة يصدر قرارات تعيين وتجديد ل 19 رئيسا لمجالس أقسام علمية    بعد تحذيرات العاصفة الترابية..دعاء الرياح والعواصف    عالم بالأوقاف: يوضح معني قول الله" كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ"؟    تسبب زيادة الوزن.. إحذر من تناول تلك المشروبات على الريق    «طب قناة السويس» تكرِّم أساتذة ومؤسسي قسم الباطنة العامة    في فصل الربيع.. كل ما يخص مرض جفاف العين وكيفية العلاج (فيديو)    وزير التعليم: مد سن الخدمة للمُعلمين| خاص    جامعة الإسكندرية تتألق في 18 تخصصًا فرعيًا بتصنيف QS العالمي 2024    وزير الخارجية ونظيره الصيني يبحثان تطورات الأوضاع في قطاع غزة ومحيطها    الحرية المصري يشيد بدور التحالف الوطني للعمل الأهلي في دعم المواطنين بغزة    خطوة بخطوة.. طريقة الاستعلام عن المخالفات المرورية    فى ذكرى ميلاده.. تعرف على 6 أعمال غنى فيها عمار الشريعي بصوته    «الأهلي مش بتاعك».. مدحت شلبي يوجه رسالة نارية ل كولر    ختام فعالية دورة «تدريب المدربين TOT» لإعداد كوادر بجامعة العريش    هل يجوز العلاج في درجة تأمينية أعلى؟.. ضوابط علاج المؤمن عليه في التأمينات الاجتماعية    سلوفاكيا تعارض انضمام أوكرانيا لحلف الناتو    فصل التيار الكهربائي "الأسبوع المقبل" عن بعض المناطق بمدينة بني سويف 4 أيام للصيانة    هل يحصل على البراءة؟.. فيديو يفجر مفاجأة عن مصير قات ل حبيبة الشماع    بعد جدل راتب الإمام، وزير الأوقاف يكشف بالأرقام رواتب الأئمة في عهد الرئيس السيسي    توفير 319.1 ألف فرصة عمل.. مدبولي يتابع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر    ضبط خاطف الهواتف المحمولة من المواطنين بعابدين    الطب البيطرى بالجيزة يشن حملات تفتيشية على أسواق الأسماك    وزارة الأوقاف تنشر بيانا بتحسين أحوال الأئمة المعينين منذ عام 2014    طلبها «سائق أوبر» المتهم في قضية حبيبة الشماع.. ما هي البشعة وما حكمها الشرعي؟    صداع «كولر» قبل مواجهة «وحوش» مازيمبي في دوري أبطال إفريقيا    وزير الخارجية يزور أنقرة ويلتقي نظيره التركي.. نهاية الأسبوع    مستشار المفتي من سنغافورة: القيادة السياسية واجهت التحديات بحكمة وعقلانية.. ونصدر 1.5 مليون فتوى سنويا ب 12 لغة    رئيس جهاز العبور يتفقد مشروع التغذية الكهربائية لعددٍ من الموزعات بالشيخ زايد    المؤبد لمتهم و10 سنوات لآخر بتهمة الإتجار بالمخدرات ومقاومة السلطات بسوهاج    "التعليم" تخاطب المديريات بشأن المراجعات المجانية للطلاب.. و4 إجراءات للتنظيم (تفاصيل)    اقتراح برغبة حول تصدير العقارات المصرية لجذب الاستثمارات وتوفير النقد الأجنبي    برلماني يطالب بمراجعة اشتراطات مشاركة القطاع الخاص في منظومة التأمين الصحي    ميكنة الصيدليات.. "الرعاية الصحية" تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024    جوتيريش: بعد عام من الحرب يجب ألا ينسى العالم شعب السودان    حظك اليوم برج القوس الثلاثاء 16-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صباحكم أجمل/ كور عمامة التلال – "الحلقة الثانية"
نشر في شموس يوم 01 - 09 - 2020

رغم الفترة الزمنية التي مرت على جولتي في بلدة كور الا انها لم تخبُ بتفاصيلها وتراثها وقصورها التي تشكو من الوحدة والشيخوخة من الروح والذاكرة، ولعل انشغالي بمقالاتي التي نشرت عن بلدة سلواد لبؤة الجبال وانشغالي بكتاب جديد سأحيله للنشر أخر قليلا بوح الذاكرة والأمكنة عن كور، لكنها بقيت وكما كانت منذ الطفولة رغبة لم تفارقني ابدا حتى تحققت، فالتجوال في ربوع الوطن والتوثيق بالكلمة والمقال والعدسة رسالة امارسها بجهد شخصي منذ ستة عشر عاما، يرافقني فيها بعض ممن يسكنهم الوطن كمرافقين للجولات حينا ومضيفين ومرشدين دوما، فواصلت جولتي في بلدة كور مع صديقي ومرافق جولتي صديقي الأستاذ سامح سمحة ومضيفنا الرائع الأستاذ فريد عصمت الجيوسي، فخرجنا الى خارج قصر الشيخ يوسف واكد والذي تحدثت عن تفاصيله وذاكرته التاريخية وهموم الوحدة والاهمال الحالية في الحلقة الأولى، لنواجه زاوية القصر التي تهدمت وقد تم بناء جدار استنادي حولها وبعض الشباك المعدنية فوقها وبجوارها من قبل برنامج الأمم المتحدة الانمائي وبتمويل من البنك الألماني الإنمائي/ جمهورية ألمانيا الإتحادية، لنتجه بعدها لمشاهدة القصر من المنطقة الخلفية حيث امتداد على طول مائة متر، وفي اسفل الواجهة الخلفية توجد أربعة بوابات منها ثلاثة مستطيلة الشكل وأعلاها سقف حجري على عرضها من قطعة واحدة، وبوابة قوسية الأعلى على النمط التقليدي للبناء وست فتحات صغيرة كطاقات ربما كانت تستخدم للدفاع عن القصر على ارتفاع الطابق الأول إضافة للتهوية، بينما النوافذ فقط في الطابق الثاني وهذه البوابات في اسفل الجدار متصلة بساحة القصر، ويظهر أنها كانت مبنية من ناحية أمنية تسمح بمغادرة القصر حين حصول أي طارئ على البوابة الأمامية، وظهر القصر مطل على مساحة من الأرض بها شجرة واحدة ومحاطة بالردم ويظهر ان هناك من يستغلها لزراعة بسيطة، ولكن يمكن استغلال هذه المساحة لحديقة جميلة لو وجدت جهات تشرف على هذه القصور وهذا القصر وترميمه.
كور بلدة ضاربة بالقدم ولا يعود تاريخها فقط الى تأسيس مشيخة الجيوسي وتحولها لمركز قيادة مشرف على قرى الصعبيات ومركز لملتزمي الضرائب لصالح الدولة العثمانية، فهذه المنطقة والتي يسميها البعض "محور الصعبيات" والبعض يطلق عليها إسم "محور الكفريات" لوجود مجموعة من البلدات التي تعود للفترة الكنعانية قبل الآف الأعوام ويبدأ اسمها بكلمة "كَفر" بفتح الكاف وليس الضم وهي كلمة آرامية كنعانية تعني القرية، ومنها كَفر عبوش وكَفر جمال وكَفر زيباد وكَفر صور، اضافة لوجود آثار رومانية وبيزنطية في كور والبلدات المحيطة من طولكرم حتى عزون، ومن هنا دار أكثر من حديث عن أصل تسمية كور بهذا الاسم، ومعظم من تحدثوا عن ذلك أشاروا الى المعنى العام والمنتشر (كور الحداد) وهو آلة النفخ التي يستخدمها الحدادون بصناعة الأدوات المعدنية، حيث أشار أكثر من شخص أن كور اشتهرت بصناعة السيوف والأسلحة المعدنية.
لكن موقع كور على ارتفاع حوالي 400م عن سطح البحر وموقعها المتميز اعطاها ميزة الظهور من مسافات بعيدة، فحين صعدت إلى سطح قباب قصر الشيخ عبد الله الابن الأكبر للشيخ يوسف الواكد رأيت كم أن بلدة كور بموقع مطل وكاشف للمناطق المحيطة حتى البحر المتوسط، وكونها كانت مسكونة قبل المشيخة من عشيرتين رحلتا عنها بعد تأسيس المشيخة، وكون بيوتها من الحجر الأبيض وهو لون حجارة المنطقة، ولعدم وجود أي مصدر تاريخي موثوق لتسمية كور نسبة لآلة النفخ لدى الحدادين، إضافة أن مهنة الحدادة كانت منتشرة في فلسطين وليس في كور وحدها إن وجدت بها، فلا يمكن منح هذه الاسم بتقديري الشخصي فقط لكور، وكون كلمة كور في المعاجم العربية القديمة مثل لسان العرب والقاموس المحيط وغيرها من المعاجم العربية تعني الكثير من المعاني، نجد أن المعنى الأقرب هو من "شد العمامة على الرأس" فكور ستظهر للرائي من المسافات البعيدة كما عمامة بيضاء مشدودة على الرأس فهي مشاهدة لكل البلدات المحيطة وتميزت بحجارة البناء البيضاء قبل المشيخة وبعدها حين بنيت القصور الضخمة، وورد في لسان العرب أن هذا الاسم"العمامة" ورد كصفة في حديث للرسول عليه السلام، ووردت بنفس المعنى بالقرآن الكريم في سورة التكوير "وإذا الشمس كورت" أي جمعت جمعا.
من قصر الشيخ يوسف الكايد اتجهنا الى جواره الى قصر الشيخ محمد من أبناء الشيخ يوسف الواكد، وهذا القصر أطللت عليه من سطح الطابق الأول لقصر الشيخ يوسف واكد، وهالني وأنا أنظر اليه أن يصبح خرابة ومعظمه آيل للسقوط، فاتجهنا اليه ودخلت للساحة الخربة بين ما تبقى من جدران وأنا اشعر بكم هائل من الألم يجتاحني، فهل يترك هذا التاريخ وتترك هذه المباني التراثية الضخمة والمتميزة شكلا وتاريخا وموضوعا لعاديات الزمان وعوامل أخرى لعبت دورها بهذا الحجم الكبير من التلف والخراب؟
قصر الشيخ محمد كما كل قصور كور التاريخية مكون من ساحة بها ابار الماء والقصر يلتف من حول الساحة مع بوابة كبيرة وضخمة وجدار يحجب الساحة والدور الأول من القصر، لكن البوابة والجدار أصبحا أثرا بعد عين، ولم يتبق الا المبنى على يمين القصر ويظهر انه استمر فترة من الزمان حيث جرى اغلاق واجهته المكونة من قوس كبير وفتح بوابة عادية فيه للدخول، وأعتقد أنه هجر بعدها فلا أثر يشير للحياة فيه والنباتات التي تلعب دورها في تخريب هذه المباني التاريخية تنمو بين حجارة القصر وعلى سقفه وقبابه، وتم بناء بيت صغير عادي بجواره مع بعض أشجار الزيتون بجوار ساحة القصر، وعلى يسار المبنى الذي أشرت اليه ساحة القصر وهي تعاني من الخراب والحجارة المتساقطة وتنمو بها النباتات البرية بكثافة اضافة لوجود الكثير من الأشياء المرمية بساحاته مما يزيد من كآبة المشهد ويثير الحزن والألم في الروح، والقصر كما نمط قصور كور يتكون من العديد من الأقواس الحجرية المرتفعة ويتم الدخول لساحة صغيرة تحت القوس حيث اماكن السكن والاستخدام ببوابات قوسية صغيرة، تدخل الى طابقين والأول له بوابة قوسية كبيرة ومنه يتم الصعود للقسم العلوي حيث المنامة ونافذة تطل على الخلف من ارتفاع يسمح بالتهوية ولا يسمح لأحد برؤية ما بالداخل، والملاحظ أن قصور كور والتي كان يضمها سور يحيط بها جميعا، متباعدة بمسافات عن بعضها بسبب الطبيعة المحافظة جدا لأهل كور وتشددهم بالمحافظة في العلاقات الإجتماعية وفيما يتعلق بالمرأة.
وما بين قوسين من أقواس القصر الضخمة والمرتفعة كان هناك قسم جار عليه الزمان أيضا وواضح ان قوسه جرى اغلاقه وفتح مكانه نافذة مستطيلة وباب مستطيل، وأعلى المبنى قد تساقطت حجارته، وعلى أعلى بعض البوابات وحول بعض النوافذ ما زالت بقايا النقوش والزخرفيات الحجرية المتميزة والرموز التي تشير لمكانة صاحب القصر موجودة، تحيطها أطر منقوشة من الحجر بشكل جميل، لكنها بدأت بالتساقط والضياع بكل ما تحمله من تراث جميل ومتميز، وجميع أنحاء القصر بنيت على نظام العقود المتصالبة والأحواش المتجاورة داخل القصر، حتى تسمح للخصوصية لسكان القصر أن تكون موجودة وكذلك طبيعة الاستخدامات المختلفة.
وكان الدخول لهذه الأمكنة مغامرة مع وضعها المؤلم والمؤسف واحتمالية سقوط بعض من حجارتها مع الحالة المزرية التي وصلت اليها، لكن كان لا بد أن أوثق بعضها بعدستي من الداخل فقد اعتدت المغامرة في جولاتي في ربوع الوطن والأمكنة التراثية التي في غالبيتها تعرضت للاهمال وما زالت في العديد من البلدات مهملة إلا من رحم ربي من بعض قرى الكراسي التي جرى ترميمها، مثل قلعة كفر اللبد التي جرى ترميمها وأصبحت قبلة سياحية بعد أن زرتها ووثقتها وكتبت ونشرت عنها حين كانت في حالة خراب كبير، ومثل قصر عبد الهادي في عرابة جنين وقصور وبيوتات دير استيا وقلعة سمحان في محافظة رام الله والبيرة، فألا تستحق كور ذات التراث العريق والقصور التي لم تشهدها قرى الكراسي الأخرى الترميم والاهتمام من الجهات المختصة، وخاصة وقف الكسارات والمقالع الحجرية التي لا تكف عن تفجر الألغام فتهتز لها بيوت وقصور كور والتي سأتحدث عنها لاحقا بالتفصيل، وأن تتحول الوعود الهوائية بالترميم والمشاريع إلى واقع ملموس على الأرض يعيد لكور ألقها كونها بعض مهم من ذاكرة الوطن، وترميمها سيجعلها قبلة للزوار والسائحين.
في جيوس بلدتي وفي وكني الجميل وأمام حديقتي وشجرات التين والبرتقال والليمون أجلس على الشرفة في هذا الصباح قبل أن تشتد درجات الحرارة، أحتسي قهوتي واتمتع بنسمات عابرة وأستعيد ذكرى زيارتي لبلدة كور وما سيكون من حديث في الحلقة الثالثة، وأستمع لشدو فيروز: "على باب منوقف تنودع الأحباب نغمرهن وتولع ايدينا بالعذاب، وبواب بواب شي غرب شي صحاب، شي مسكر وناطر تيرجعوا الغياب، آه البواب.. في باب غرقان بريحة الياسمين، في باب مشتاق في باب حزين، في باب مهجور أهلو منسيين، هالأرض كلها بيوت، يا رب خليها مزيني ببواب و لا يحزن و لا بيت ولا يتسكر باب".
فأهمس: صباحكم أجمل، صباح حلم آمل أن يتحقق في كور، صباح أجمل يا وطن..
"جيوس 30/8/2020"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.