ارتفاع أسعار الأدوات المدرسية في المنيا لعام 2025 (تعرف علي الأسعار)    10 دول تعتزم الاعتراف رسميا بالدولة الفلسطينية الأسبوع الجاري    تعرف على تطور العلاقات المصرية السنغافورية تزامنا مع مباحثات القاهرة    اليوم.. ليفربول يستضيف إيفرتون في ديربي الميرسيسايد    تامر مصطفى مدربًا لفريق الاتحاد السكندري    هانيا الحمامي تتوج ببطولة CIB المفتوحة للإسكواش    نشرة مرور "الفجر".. انتظام مروري بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    وصول المتهم فى قضية طفل دمنهور لمقر المحكمة بإيتاى البارود    النشرة المرورية اليوم.. كثافات متقطعة بمحاور القاهرة الكبرى    أحمد السقا يفوز بجائزة أفضل ممثل سينما عن فيلم أحمد وأحمد من دير جيست    صلاة كسوف الشمس اليوم.. حكمها وموعدها وكيفية أدائها    أسعار اللحوم البلدي والمفرومة والمستوردة تستقر في الأسواق اليوم    يلتقي السيسي بقصر الاتحادية، برنامج عمل مكثف لرئيس سنغافورة اليوم بالقاهرة    حالة الطقس.. اضطرابات جوية وأمطار على السواحل الشمالية خلال الساعات المقبلة    انطلاق العام الجامعي الجديد.. 3 ملايين طالب يعودون إلى مقاعد الدراسة في الجامعات المصرية    اليوم، انطلاق الدراسة في 3 إدارات تعليمية بشمال سيناء    مصطفى عماد يهدي تكريمة في حفل توزيع جوائز دير جيست للمخرج محمد سامي    سعر الدولار أمام الجنيه المصري في تعاملات اليوم السبت    بعد تحريض ترامب، تعرض محطة أخبار تابعة لشبكة "إي بي سي" لإطلاق نار (صور)    «دست الأشراف» دون صرف صحى.. ورئيس الشركة بالبحيرة: «ضمن خطة القرى المحرومة»    أول تعليق من أحمد العوضي على فوزه بجائزة "الأفضل" في لبنان (فيديو)    نجوم الفن يشعلون ريد كاربت "دير جيست 2025" بإطلالات مثيرة ومفاجآت لافتة    الاعتراف بفلسطين، جوتيريش يطالب دول العالم بعدم الخوف من رد فعل إسرائيل الانتقامي    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة السيارات بمنشأة ناصر    أحمد صفوت: «فات الميعاد» كسر التوقعات.. وقضاياه «شائكة»| حوار    الأكاديمية المهنية للمعلمين تعلن تفاصيل إعادة التعيين للحاصلين على مؤهل عالٍ 2025    خطة شاملة للعام الدراسي الجديد في القاهرة.. مواعيد دخول الطلاب وامتحانات 2025/2026    كيف تحصل على 5250 جنيه في الشهر من شهادات البنك الأهلي 2025؟.. اعرف عائد ال300 ألف جنيه    حكاية «الوكيل» في «ما تراه ليس كما يبدو».. كواليس صناعة الدم على السوشيال ميديا    حبس المتهم بسرقة الدراجات النارية بالتجمع الأول    عوامل شائعة تضعف صحة الرجال في موسم الشتاء    «هيفتكروه من الفرن».. حضري الخبز الشامي في المنزل بمكونات بسيطة (الطريقة بالخطوات)    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي استهدف مدرسة تؤوي نازحين وسط غزة    قبل انطلاق الجولة الخامسة.. جدول ترتيب الدوري الإنجليزي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 20-9-2025 في محافظة قنا    مذيع يشعل النار في لسانه على الهواء.. شاهد التفاصيل    ترامب يعلن إجراء محادثات مع أفغانستان لاستعادة السيطرة على قاعدة باجرام الجوية    الشيباني يرفع العلم السوري على سفارة دمشق لدى واشنطن    ترامب يعلق على انتهاك مزعوم لمجال إستونيا الجوى من قبل مقاتلات روسية    أشرف زكي يزور الفنان عيد أبو الحمد بعد تعرضه لأزمة قلبية    كارول سماحة عن انتقادات إحيائها حفلات بعد وفاة زوجها: كل شخص يعيش حزنه بطريقته    محافظ الأقصر يسلم شهادات لسيدات الدفعة الثالثة من برنامج "المرأة تقود".. صور    ترامب يعلن إتمام صفقة تيك توك مع الصين رغم الجدل داخل واشنطن    ليلة كاملة العدد في حب منير مراد ب دار الأوبرا المصرية (صور وتفاصيل)    مدارس دمياط في أبهى صورها.. استعدادات شاملة لاستقبال العام الدراسي الجديد    سعر الفراخ البيضاء والبلدى وكرتونة البيض في الأسواق اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    «اللي الجماهير قالبه عليه».. رضا عبدالعال يتغزل في أداء نجم الأهلي    استشارية اجتماعية: الرجل بفطرته الفسيولوجية يميل إلى التعدد    شوقي حامد يكتب: استقبال وزاري    مدرب دجلة: لا نعترف بالنتائج اللحظية.. وسنبذل مجهودا مضاعفا    القرنفل مضاد طبيعي للالتهابات ومسكن للآلام    ديتوكس كامل للجسم، 6 طرق للتخلص من السموم    محيي الدين: مراجعة رأس المال المدفوع للبنك الدولي تحتاج توافقاً سياسياً قبل الاقتصادي    سيف زاهر: جون إدوار يطالب مسئولى الزمالك بتوفير مستحقات اللاعبين قبل مواجهة الأهلى    تراجع كبير في سعر طن الحديد وارتفاع الأسمنت اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    موعد صلاة الفجر ليوم السبت.. ومن صالح الدعاء بعد ختم الصلاة    لماذا عاقبت الجنح "مروة بنت مبارك" المزعومة في قضية سب وفاء عامر؟ |حيثيات    مدينة تعلن الاستنفار ضد «الأميبا آكلة الدماغ».. أعراض وأسباب مرض مميت يصيب ضحاياه من المياه العذبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لبنان والثورات العربية
نشر في شموس يوم 10 - 09 - 2012

لم ينتبه اللبنانيون الى مجريات الثورة التونسية. تونس بعيدة، ولا تؤثر سياستها على ما هم غارقون فيه من انقسام وطني حاد، ولا على موازينه الرجْراجة المتقلبة، والتي انعقدت وقتها على القطب «الممانع» من هذا الانقسام؛ علما ان السياسة الغربية-الاميركية التي ينضوي في ظلها الرئيس التونسي، المُطالب بالتغيير، كان يفترض بها ان تحرّك هذا القطب ضد نظامه، إعلاميا على الأقل. من تابع بعض مجريات هذه الثورة من بين اللبنانيين، وبشيء من اللامبالاة، تصوَّر انها احتجاجات على البطالة وضيق سُبُل العيش فحسب؛ وهذه القضايا البعيدة جغرافيا لا تجنّدهم، هم الواقعون تحت قبضة العواطف التعبوية للطوائف وانقساماتها.
وعندما تنحّى بن علي في 14 كانون الثاني، لم يكادوا يلتقطون انفاسهم من وقع المفاجأة، حتى خطفت ألبابهم ثورة 25 يناير (كانون الثاني) المصرية. غالبيتهم اندمج في أيام هذه الثورة، بدقائقها وتفاصيلها. تسمّروا امام الشاشة الصغيرة، مدركين بأنهم يشهدون حدثا تزداد أهميته مع كل مطلع شمس. «الممانعون» من بينهم كانوا السباقين بإبداء الحماسة لها، نظرا لما يعرفه الجميع عن سياسة النظام المصري المقرّبة من الولايات المتحدة الاميركية. تبعهم خصومهم، بحماسة متفاوتة، ولكن اكيدة. فالثوة في مصر هي ايضا ثورة من اجل بناء دولة حق وقانون وتداول السلطة؛ وكلها شعارات هذا الفريق الخصم، غير «الممانع»، من الانقسام الوطني. أجمع اللبنانيون اذن على تأييد الثورة ضد مبارك، ولأسباب متضاربة. وحين سقط حسني مبارك، ذُهِلوا، وشعروا بأن الارض تهتز تحتهم. وتوهموا بأن التاريخ يدقّ بابهم هم ايضا.
فلم ينتظروا كثيرا ليدعموا هذا التاريخ: ستة عشر يوما بالتمام والكمال، بين تاريخ سقوط مبارك في 11 شباط، وانطلاق اولى التظاهرات اللبنانية المنادية باسقاط النظام الطائفي، في 27 شباط. رافقت ذلك اعتصامات في المناطق والبلدات، تلتها تظاهرات اخرى، وكانت ذروتها تلك التي نُظِّمت في 20 آذار في بيروت، وجمعت 20000 متظاهر. ثم اخذت هذه التظاهرات تخبو شيئا فشيئا، حتى آخرها، وقد وقع فيها حادث، كان كفيلا باختتامها وبالتنبيه عما سوف يلي: ففي خضم المطالبة باسقاط النظام الطائفي اللبناني، ارتفعت بعض الاصوات من بين المتظاهرين تطالب بالتضامن مع الشعب السوري المطالِب، وبالتظاهر ايضا، بإسقاط نظامه الديكتاتوري. أُسكِتت هذه الاصوات بعد مشاجرة وعراك، وانفضّت التظاهرة. علينا التذكّر بأن الثورة السورية ضد الأسد كانت قد اندلعت قبل ذلك بشهرين، في 15 آذار.
التظاهرات اذن والاعتصامات المرافقة لها امتدت ثلاثة أشهر، وكانت مخيبة باستثنائيتها. كان يؤمل، أو يُتصور، في مكان ما من ذهن المتحمسين لها، ان «النظام»، كما في تونس ومصر واليمن... سوف يعترضها او يقمعها او يسجن المشتركين فيها، فتنطلق ساعتها عجلة التاريخ ... ولكن «النظام» كان واثقا من نفسه، صاحب فطنة ومراس. فالعنف المطلوب من هذا النظام، الذي تتوسله التظاهرات المطالبة باسقاطه، ليس هو بالضبط ما في جعبته. العنف العربي المرتجى مصدره واحد، هو الرأس الواحد للنظام السلطوي. اما في لبنان فالعنف موزَّع على عدد غير مستقر من «الرؤوس». عنف لا مركزي، منثور هنا وهناك.
فبناء على تقليد لساني راسخ تختلط فيه الانواع، بوسع اي «زعيم» او «رئيس» أو «أمين عام»، او حتى كادر متوسط من التكتلات الطائفية ان يخوض معركة ضد الطائفية ونظامها. بوسعه ان ينتقد «الدولة» التي يكون قد سطا على خيراتها، عبر وزارة أو نيابة أو اي من المواقع العليا في هذه «الدولة». لذلك اشترك في التظاهرات المطالبة باسقاط النظام الطائفي شخصيات من قلب هذا النظام وشباب ينتمون لأحزابه. وهي، أي التظاهرات، استحوذت على تغطية اعلامية من قبل اشد المجموعات مذهبية، فضلا عن تصريحات مؤيدة ومتعاطفة معها. ما جعل العديدين يعتقدون بأن هذه التظاهرات انما نظّمها احد اقطاب الطوائف الجالس الآن على المقعد رقم اثنين من الدولة منذ عقدين؛ ما أثار تشوشا حول «الخلفية الحقيقية» لهذه التظاهرات. كلها امور اغاظت الشباب المستعجلين، المتفاعلين بقوة مع بقية العرب، والمعتقدين بأن الثورة لا تحتاج الا لتظاهرات وقمع. احد الرسوم الكاريكاتورية وقتها صوّر لبنانيا يطلب من ربه ان يمنّ على لبنان بديكتاتور...
ولكن كل حيثيات الاستثناء اللبناني هذه لم تكن وحدها السبب في الخفوت التدريجي للفعاليات الاستنهاضية، حتى صمتت نهائيا بعد التظاهرة الاخيرة. فقد تلاشى الاهتمام الوطني اللبناني بها، الرسمي والأهلي، بعدما اجتاحته ثورة اخرى، هي الثورة السورية؛ وهي، على عكس المصرية، التي حظيت على اجماع وطني، انقسم اللبنانيون حولها. وأولى تجليات هذا الانقسام كان حصول نوعان من التظاهرات في العاصمة: الأولى آمنة يسير فيها عشرات المؤيدين لنظام الأسد، معظمهم من العمال السوريين العاملين في لبنان، والثانية مندّدة بهذا النظام، وهي أقل عددا، وقد تعرضت اولاها للضرب، وتلتها تظاهراتان صغيراتان، مرّتا بسلام. ضعف العاصمة عوّضته نسبيا مدينتا طرابلس وصيدا، اذ انتظم المئات من اهلهما في تظاهرات اسبوعية بعد صلاة الجمعة، نظم غالبيتها سلفيون متنوعو المشارب التنظيمية، فضلا عن «حزب التحرير الاسلامي» و»الجماعة الاسلامية» (أي الاخوان المسلمين»). وقد برز من بينهم الشيخ الصيداوي احمد الاسير الذي دشن دوره على الخشبة اللبنانية لخطب نارية وبتظاهرة حاشدة في العاصمة تضامنا مع الشعب السوري، هي الاضخم منذ اندلاع الثورة السورية، تلتها تظاهرة اخرى في البقاع الغربي. والسلفيون حازوا، بعيد احداث 7 ايار (هجوم حزب الله وانصاره على احياء من بيروت) على دفعة معنوية للتفعيل والتوسع، ثم جاءت الثورة السورية والمنطق المذهبي الذي رافقها لبنانيا واقليميا، لتضخّهم بالمزيد من ثقل الدور و فعالية الوظيفة.
الأنظار اللبنانية كلها شاخصة اذن نحو سوريا. الحكومة اولا، وقد تشكلت لتوها بعد انقلاب ابيض جاء بأنصار النظام السوري في لبنان، في 24 كانون الثاني، قبل يوم واحد من اندلاع الثورة المصرية... في البداية، صاغت هذه الحكومة موقفا معلنا «محايدا» تجاه ما يحصل الآن في سوريا. وفي الممارسة كان هذا الموقف معقدا متضاربا، ينطوي على ما يشبه التأييد الموارب، المقنّع، خصوصا في التصويت على القرارات الخاصة بسوريا في الامم المتحدة والجامعة العربية؛ ويميل في احيان اخرى للتماشي مع الارداة الدولية الخاصة بالثورة وذيولها، وبشيء من البهلوانية التي يتقنها سياسيو لبنان. فالمطلوب من هذه الحكومة عدم انفراطها؛ ذريعتها الحفاظ على الاستقرار، ودافعها العميق البقاء على رأس البلاد، وذلك تأميناً لما يسميه النظام السوري «خاصرته الرخوة». فالحياد ليس من تقاليد لبنان ولا الحفاظ على الاستقرار من تقاليده أيضا.
كل ديباجات الحكومة في الحياد لم تمنع حسن نصر الله، المتحكّم بتشكيلها، من القاء الخطب، الواحد تلو الآخر، ليعلن بحماسة شديدة وقوفه الى جانب النظام السوري؛ والى جانب حسن نصر الله، حشد من المحللين والاعلاميين والصحافيين ونواب (ونواب ووزراء سابقين) وامناء عامين لأحزاب موالية لسوريا. انقلب الموقف من الثورات العربية كلها: مع المصرية منها كانت انتفاضة مجيدة لشعوب ألهمتها الثورة الاسلامية الايرانية، ومع السورية تحولت الى مؤامرة امبريالية تستغل عواطف الشعوب الساذجة، غرضها التعويض عن الانسحاب الاميركي من العراق.
حجة حسن نصر الله والحشود من معسكره، هي نفسها لازمة النظام السوري، بتنويعاتها البلاغية المختلفة: الثورة «مؤامرة امبريالية صهيونية»، والمتظاهرون «ارهابيون مسلحون سلفيون». من الطبيعي الاستنتاج، مع هذه الحقائق «الممانعة»، بأن الثورة السورية يعتريها «تقصير فادح» تجاه قضية فلسطين، تدليلا على انعدام وطنيتها:»لا معنى لثورة تتجاهل قضية فلسطين»، «أين انتم يا اهل فلسطين»... تعويضا عن هذا «التقصير» نظم الممانعون بقيادة النظام السوري، مسيرتين الى الحدود الجنوبية لكلا من لبنان وسوريا: فى ذكرى هزيمة حزيران، وذكرى وعد بلفور. طويت صفحة المسيرتين بشهداء، فلسطينيين خصوصا، اعتقدوا لوهلة ان «مقاومة» النظام السوري وحلفائه اللبنانيين لهكذا «مؤامرة، صهيونية امبريالية» سوف تعيد اليهم بلادهم. (في هذه الاثناء، كانت «حماس» حليفة النظام وأبرز أصحاب القضية، تلمْلم بعضها بهدوء وتبحث لنفسها عن مكان يبعدها عن دمشق).
فلسطين لم تكن وحدها الذريعة. تردّدت معها، وطغت عليها احيانا، قضية البحرين. القمع الشرس الذي لاقاه البحرينيون المطالبون باصلاح نظامهم، كان يُرمى في وجه كل من قال بالثورة السورية. «تتكلمون عن سوريا وتسكتون عن البحرين؟!»، كان سؤالا أشبه بدقّ المسمار. لازمات اخرى رافقت مواقف اللبنانيين الموزعين بين مؤيد للثورة السورية وبين كاره لها، منذ بداية الثورة السورية وحتى هذه اللحظة: أكثرها شعبية واحدة تؤكد بأن النظام ساقط ومنهار، وأيامه معدودة، والثانية لا تقل ثقة بأن التمرّد انتهى، كل شيء صار تحت السيطرة، كل شيء تمام... طغت اللازمات في كلا الضفتين، وعلى وقعها فقط تكرّر صخب المواقف المؤيدة والمعادية (...).
مقتطفات من ورقة قدمت في مؤتمر «الثورة، الانتقال والديموقراطي» الذي عقده مركز دراسات الوحدة العربية في تونس في شباط 2012، وقد صدرت أعماله مؤخرا في كتاب.
المصدر : شفاف الشرق الأوسط‏‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.