دخل منزله وهو تائه فقالت والدته : مروان كنت في الخارج لهذا الوقت . فقال مروان : وما الفائدة من وجودي في المنزل وأنتم لستم موجودين .. المنزل أصبح مجرد فندق للنوم . فقالت والدته : وما الجديد في ذلك .. منذ زمن ونحن على هذا الحال .. ما الجديد . فقال مروان : أجل على هذا الحال .. لكن ما فائدة نجاحك في عملك .. أنتِ تعملين باستمرار ليلاً ونهاراً لتنجحي كمعدة برامج . التليفزيون أخذك منا .. بيتك يفتقدك وابنك محتاج لك .. تركتيه لمربية لتتولى تربيته .. الأم هي التي تهتم لتربية ابنها تربية صحيحة . فقالت والدته : عمرك تسعة عشر عاماً لِمَ لم تعترض كل هذه السنوات .. الآن بعدما أصبحت شاباً يافعاً تعترض . فقال مروان : شاب ولكنه يعتبر مربيته أمه بدون خجل .. الأم ليست من تلد .. إنما من تربي وتهتم لابنها. فقال والده : الزمن اختلف .. الآن المهم في أي درجة وصلت .. الأحسن تكون والدتك ربة منزل أم معدة برامج شهيرة .. تفتخر بها أمام أصدقائك . فقال مروان : أجل افتخر بها .. ولكن افتقد أماً) حنونة .. تضمني) لصدرها .. تسهر على مرضي .. تنتظر بساعات ظهور النتيجة على أعصابها .. تصلي وتتمني لي النجاح والتوفيق . أنت أيضا ً تغيرت .. كنت زماناً تهتم لأمري كثيرا ً .. ولكن حينما بدأت أعمالك تزداد أهملتني .. أليس حب الأب لابنه أعظم من أموال الدنيا .. إلى متى ستظلون أمي وأبي على الورق . تقدم نحو سامر وقال : إلى متى ستظل صامتا ؟ .. كبرت وأصبح عمرك خمساً وعشرين عاما.. لا تعرف معنى الحب وعاطفة الأمومة .. تناديها بأمي .. أتشعر بها ؟.. أم تناديها هكذا من باب المجاملة ؟. فرد سامر عليه في غضب : كن حذراً في كلامك .. ولا تتعدَّ حدودك .. إذا أردت التحدث تحدث عن نفسك .. لا يحق لك التحدث عني . فقال مروان : ولِمَ لا وأنت عاجز عن الكلام .. أليست هذه الحقيقة .. حقيقة المذيع الشهير الذي لا يفكر في الزواج ولن يفكر . جميع احاديثك الإذاعية مع رجال .. نادرا ً ما تجري حديثاً مع امرأة .. تراهم مثل أمي .. ناجحين في عملهم .. فاشلين في حياتهم العائلية أو العكس . يدور بعقلك صراع ليس له نهاية .. تحاول الإختيار زوجتك أيهما ترغب .. أم صالحة تشعر أولادها بالحنان فاشلة في عملها .. أم امرأة ناجحة وتهمل أولادها.... أيهما أفضل ؟؟.. وفي النهاية .. ستعيش حياتك بدون حب .. ولا زوجة تنجب لك أولاداً.. ستصبح شجرة بلا فروع . قطع كلامه : اسكت يكفي إلى هذا الحد . فقال مروان : لِمَ لا تريد الاستماع لكلامي ؟.. أليس كلامي صحيحاً؟ لذلك لا تستطع منع نفسك من التفكير فيه .. تريده بعقلك .. تعجز عن إيجاد حل لمشكلتك سوى الهرب . فقال سامر : ليس صحيحاً.. هذا في خيالك فقط . فقال مروان : لو كان في خيالي .. لِمَ حينما انجذبت لجارتنا" سها ".. وشعرت بتيار الحب يجذبك لمجراها .. بنيت سداً ثلجياً يحتاج لبركان كي يذوبه .. لم تستطع تحمل صراع الحبيبة والأم .. أيهما أنجح الأم الصالحة الأم الحبيبة الناجحة؟ .. فقال سامر في حالة انهيار : يكفي هذا .. أجل لم أستطع التمادي في حبها .. لا أريد نسخة من أم مهملة ومعدة ناجحة .. لم أعد أرغب في الحب .. سأظل هكذا وحيداً إلى أن أموت .. أو أتزوج فتاة لا تعمل . في عقولنا جميعا ً نريد نكون سي السيد .. لديه زوجته تهتم لأمره ولأولاده .. لا تنكر هذا أبي .. ألا تتمنى في يوم تعود للبيت وتجد أمي تنتظرك .. وهي في أبهي صورة .. أعدت لك العشاء على ضوء الشموع . تجلسون وتتحدثون .. تهتم لأمرك بدل داده بشرى.. أفتسمحان لي فتخبراني متى آخر مرة تحدثتم ؟.. أخبرنا ماذا تعرف عنا ؟..أخبرنا إن كنت تشعر بوجودنا في البيت ..أم لا يهمك هذا الأمر . رد الأب وعلى وجهه تعبيرات مختلطة : لِمَ هذه الأسئلة ؟.. مرت السنوات واعتدنا على هذه الحياة .. فما الداعي للإعتراض الآن ؟. فقالت رندا : الداعي للإعتراض أنني شابة .. ثمانية وعشرون عاماً ولا أفكر في الزواج .. وكيف سأفكر فيه وأنا وجدت أمي تهتم بعملها أكثر من منزلها . لا أريد زوجاً كأبي .. لا أراه إلا حينما استيقظ في المساء .. أجده غارقاً في النوم على الأريكة من شدة التعب .. سواء من العمل أو من السهر مع أصدقائه .. ليجد السعادة التي يفتقدها بمنزله . بالنسبة لي لقب عانس أحسن .. من زوجة وأم لأولاد يعيشون حياتي .. لم أعد أرغب حتى في العمل .. دكتورة تجميل تفقد بريقها الطبيعي من شدة الدوامة . قررت هذا الصباح أخذ أجازة لثلاثة أشهر .. سأسافر لأرى العالم .. لن أتردد في إنفاق أي أموال تكسبني السعادة . ربما أقابل رجلاً يخطفني من دوامة العمل .. وألمي من كوني وحيدة .. ربما يشعرني بمدى أهمية كوني حبيبة وزوجة وأمّاً وأنثى . الآن المرأة أصبحت تتقمص دور العاشقة لكي تكون زوجة ناجحة .. ولا عيب فى ذلك .. أين أجد حياة سعيدة أحيها .. أنذهب لسوبر ماركت ونشتريها ؟! .. أريد واحدة بالبريد المستعجل . فقالت والدتها : كل هذا بداخلكم ولا تتكلمون .. ما سبب ثورتكم إلى هذا الحد ؟. فقال سامر : لولا كلام مروان لما تحدثنا .. ماذا حدث كي يخرج مروان الهادئ من سكونه ليصل لهذا الحالة ؟. فقال مروان : ماذا تعرفون عني ؟.. ما أحب وما أكره ؟ .. هيا اخبروني ..هيا . صمت الجميع ثابتين لا حركة من شدة الجهل : أشعر بصدق تام أن داده بشرى .. أمي لدرجة أنني اكتسبت صفاتها .. أحب ممارسة اليوجا مماجعلني قوي البينة .. جعلتني طيب القلب و محباً للخير وللروح الفكاهة .. مؤمناً بالأرواح الطيبة . أستطيع أن أغمض عيني وأصف ماما بشرى بكل دقة .. عمرها أربعون عام .. وجهها صافٍ وبه بعض التجاعيد ولكن قليلة .. لا تلاحظ إلا عندما يقطب وجهها .. وفي شعرها بعض الشعيرات البيضاء دليل الوقار .. وتتمتع بصحة جيدة بسبب اليوجا . يكمن سحرها في عينها التي تجذب كل من ينظر إليها تجعله يقول الصدق ولا غيره .. عيناها خضراء بصفاء الخضرة .. تنعم بالفكاهة والضحك .. أما أنت) أمي أغلقي عينك وأخبريني بملامحي .. هيا . فقالت والدته : عيناك خضراوان وشعرك بني . فقال مروان : ألهذه الدرجة لا تعرفين ملامحي .. افتحي عينيك وأخبريني . فقالت والدته : عيناك عسليتان بلون الشفق الأحمر.. شعرك بني يحوي بعض الشعيراتالشقراء ..لم ألاحظ بعض الشعيرات المسدولة على جبينك قبل الآن . فقال مروان : بالنسبة لي الأمر مختلف .. سأغمض عيني وأخبركم كلاً على حده .. ماما عيناك عسليتان مثلي وأجمل .. تسحرين كل من ينظر إليها .. شعرك أملس وأسود ..طالما تمنيت النوم على كتفك وأشعر به .. يدغدغني.. متوسطة الطول .. ممشوقة القوام مثلنا جميعا ً . أما بابا خمري اللون .. عيناك بنيتان فاتحتان تاخذاني لبعيد .. أنا أخذت لون شعرك البني على.. عكس سامر أخذ لون شعر أمي .. وملامحه مثلك . أما زهرة البيت رندا فهي الأجمل .. عيناها كأبي تسحرني .. لن يتوقف حبيبك عن النظر لهم ..وشعرك أشقر ناري مموج كموج البحر حينما يتمايل مع الرياح .. قوامك رائع .. لم أخطأ فيما قلت .. أليس كذلك ؟. فقالت والدته : أشعر بأننا جميعا ً نحتاج لنراجع حياتنا .. انتهت المحاكمة .. تنتهِ أخبرنا ؟. فقال مروان : انتهت الآن ارتاحوا . **** يتبع ******