أمسية أدبيّة مغايرة وبنكهة خاصّة للمبدع فادي بديع أبو شقرة، أقامَها منتدى حيفا الثقافي بتاريخ 14-3-2019، في قاعة كنيسة مار يوحنا المعمدان، وتحت رعاية المجلس الملي الأرثوذكسي الوطني، وذلك احتفاءً بباكورة إبداعه (رهين الجسد)، وسط حضور كبير من أدباء وأصدقاء وأقرباء، وقد ازدانت أطراف وزوايا القاعة بلوحات الفنانة فاطمة رواشدة، وبعد أن رحّب المحامي فؤاد نقارة مؤسس ورئيس المنتدى بالحضور تولت عرافة الأمسية خالدية أبو جبل، وتحدث عن الكتاب كلّ من: د. راوية بربارة عن قناع الكاتب في النّصّ السّيْرذاتيّ، ود. محمد هيبي عن فادي أبو شقارة، “رهين الجسد” طليق الفكر والرّوح!، ثمّ ختم اللقاء المحتفى به، شاكرا المتحدثين والمنظمين والحضور، وقد تخللت الأمسية مداخلات غنائية للفنان عبدالسلام دحلة من تلحينه وصوته، ثم تمّ التقاط الصّور التذكارية! مداخلة العريفة خالديّة أبو جبل: أمسيتنا اليوم ليست ككُلِ الأمسيات، فهي أدبيّةٌ نعم، ومن النّوع الثّقيل. لكنّها مُميّزةٌ بالابتسامةِ الّتي ستحملونَها حين مُغادرتِكم، وأنتم تعيشونَ أرقى وأعظم حالات الإرادة والعزيمة والأمل، وأنتم تَلْمسون بأياديكم روح الحياة، من خلال روايةٍ حرّرت صاحبَها من أنّاهُ، كَسرَ القيد، وأطلق الصّرخة، فصار الكون مداه. “الوقوف، المشي، الرّكض، ارتداء الملابس والأحذية، الاستحمام، صعود الأدراج، تسلق السّلالم، القفز بالحبل، السّباق جريًا، تسجيل هدف في المرمى، تصويب كرةً في السلة، ضرب كرة تنس بالمضرب، الغوص، السّباحة، التزلج، الرّقص، الدّبكة، الملاكمة، الكراتية، ركوب الخيل، الدّرّاجة، الأرجوحة، السّواقة، تقبيل فتاةٍ، الزّواج بها، ممارسة الجنس معها، إنجاب أولاد منها، تربيتهم، رؤيتهم يكبرون، الافتخار بهم وبالأحفاد، لن تكون لي حفلة خطوبة، ولا حفلة زواج، لن أكون أبو فلان . أسمّيها “قائمة المُحرّمات: حقوق أساسيّة تولد مع كلّ مُعافى، أنا مُعاق، هذه الحقوق بالنّسبة لي تَرَفٌ، لا تحظى به إلّا الطبقة المختارة المميّزة، وأنا لست منها”. فماذا تراك اليوم صديقي وأخي العزيز فادي، وأنت بين هذه الطبقة المُختارةِ المميّزةِ من الأدباء والشّعراء، وأصحاب الفكر والقلم، جاؤوا يحتفون بك وبرائعتك “رهين الجسد” الّتي أهديتها لكلّ البشر، لتكون رسالة إنسانيّة توقظ الضّمير من سباته، فيستحق اسم البشر. نعم، عَرَفْتَ طريقَكَ ، ووَقَفْتَ بقلمك منتصبًا، وظِلُّكَ من خلفك طويلٌ طويل. مداخلة د. راوية بربارة بعنوان: قناع الكاتب في النّصّ السّيْرذاتيّ مساؤكم آذاريّ. كان قد احتفى فادي قبل أيّام، تحديدًا يوم الثامن من آذار بذكرى ميلاده، أوَتظنّونها صدفة أن يولَد فادي في يوم المرأة، ذاك اليوم الّذي راح ضحيّته مئات النساء حرقًا؟ ذاك اليوم الّذي يشهد على تضحية المرأة في كلّ مجتمعٍ بطريركيّ، أوَ ليست هي رهينة العاداتِ والتقاليد وتعاني من صلافة تعامل المجتمع ونظراته؟ أوَ ليس الفقراء في عالمنا والمحرومون الحياة والجوعى هم رهناء ذلّهم؟ أوليس العاقلُ رهينَ عقلِه، على حدّ قول الشّاعر: ذو العقل يشقى في النّعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم لم أجد مرتاحًا جادَ وأبدعَ، فالإبداع الحقّ يولدُ مِن قلبِ المأساةِ غيريّةً كانتْ أو شخصيّة؛ فهل أبدعَ بيتهوفن أجمل موسيقاه إلّا والصّمم قد سرقه الاستمتاع بلذَة ما أنتج؟ وهل أبدعَ رهينُ المحبسيْن مِن فراغٍ فلسفيّ أم من شقائه في العمى والدّار، وعلى حدّ قوله: رهينُ المحابس الثّلاثة أنا: العمى والدّار والجلد الخبيث، وعلى علّاته أصبح فيلسوفَ الشّعراء وشاعرَ الفلاسفة، وترك لنا إرثًا أدبيّا وتراثًا نتوارثُهُ ونفخرُ به. وأنت فادي، ماذا تركتَ بين أيدينا؟ تركتَ جرحًا مفتوحًا لا تقوى السّنونُ على تضميدِهِ، لأنّك حفرتَ عميقًا في الوجدان أخاديدَ حزنٍ ومجاريَ دموعٍ، كيف تجرّأتَ وعرّيْتَ كلَّ ذاك الألمِ، وألبستَنا رداءَ الغباء والعار؟ كيف تجرّأتَ ورششتَ بحبركَ الملحَ فوق جراحِنا ففتّقتَها؟ كم كنّا نظنّ أنّنا نُعاني الألمَ، لكنّ صرختَكَ أخجلتْ أَلَمَنا، ما أصعبَه من وصفٍ يَنطقُ صدقًا، حين وصفتَ ألمَك الجسديّ والنّفسيّ والاجتماعيّ: “الآلامُ الجسديّة الّتي ترافقُ الإعاقةَ لا تُطاقُ. الجلوسُ لفترةٍ متواصلةٍ يُؤدّي إلى آلامٍ في الفخذيٍن، ومِن هناكَ يتصاعدُ الألمُ إلى الظّهر حتى يحتلَّ جسديّ كلّيًّا. وكذلك الأمرُ خلالَ أوقاتِ النّوم، فأحتاجُ إلى تغييرٍ في وضعيّةِ النّوم والجلوس من وقتٍ إلى آخر. ما عانيتُهُ في طفولتي كافٍ ليُدمّر حياةَ أيّ معاق.. تحديقاتُ النّاسِ وتعليقاتُهم المُشفقةُ تارةً، والسّاخرة تارةً أخرى، الّتي لا أدري أيّها مهينة أكثر، مع الآلام الجسديّة والنّفسيّة النّابعة من العجز والنّقص واليأس والإحساس بالدّونيّة والظلم، والأسئلة المتكرّرة لماذا أنا؟ أيُّ ذنب اقترفتُه؟ هل سأُشفى لاحقًا؟ كيف سيُعاملني المجتمع؟ كيف سأتحمّلُ مصيري؟ هل أحاولُ أم أستسلمُ للواقع؟ عشتُ كابوسًا لا يقدرُ كلُّ صاحبِ إعاقةٍ تجاوزَه”. مداخلة فادي ابو شقرة: مساءُ الخير، مساء الفن والأدب، مساء التّحرّر من كلّ السجون الّتي تعيقنا عن الإبداع. تحياتي لنادي حيفا الثقافي والمنظمين والمتحدثين، وتحياتي للعائلة الكريمة الّتي ترافقني يد بيد، للضيوف الكرام فردًا فردًا.. لكم محبتي وتقديري. خلال الأمسيات الخاصّة بالرّواية، إن كان إشهارُها أو المناقشات فيها، يرددون أمامي: “فادي نحن اليوم نحتفي بك، فادي أنت اليوم عريس الحفل”. وكل عريس يحتاج إلى.. ماذا؟ عروس! وعروسي اليوم أكثرهن جمالًا وبهاءً وميّزة.. إنها عروس البحر.. حيفا! بعد الإقبال الكبير على روايتي فور طباعتها ونشرها، وبعد الصدى الّذي لاقته أمسية إشهارها، وضعت نصب أعيني هدفًا واضحًا، صريحًا، جريئًا، أن أكون ضيفًا أنا وروايتي فوق هذا المنبر المحترم. ولم أكن لأقدم على هذه الخطوة وطلب الفرصة لو لم أشعر وبكل تواضع أن الرّواية من ناحية أدبيّة تستحق النقاش والتحليل داخل هذا المكان الراقي، الّذي يجمع نخبة الأدباء والشّعراء والنقاد المحليين. تحملُ بعض كلمات روايتي في طيّاتها ألمًا، وتشعّ بعضها أملًا، تكشف غيرها ما يحمله شابٌ مقعدٌ من همّ وغمّ، وأخرى تصرخ عاليًا أنّ العزيمة والإصرار هما الأهمّ. فقد عشت في ظلال الإعاقة سنوات بدت لي دهرًا. عشت تحت وطأة نظرات رأت بي شبحًا، وتحت رحمة كلماتٍ تخلو من الرحمةِ. تلقيتُ الضربة تلو الضربة وبقيت واقفًا صامدًا إزاءها، أو وجب القول في حالّتي بقيتُ جالسًا.. صامدًا، ولم يجد اليأسُ سبيلًا إلى قلبي. ولكن لن أطيل الكلام حول الوجع الإنسانيّ الشّخصيّ داخل نص الرّواية ولا خارجها، لم أتِ حتى هنا طمعًا في كسب شفقة من الموجودين، هذا أحد المفاهيم الخاطئة الّتي أحارب من أجل تغييرها. الرّواية ليست رواية تاريخية، ولا تتناول أي قضية سياسية، لكن هذا لا يجعل منها أقل قيمة وأهمية. قمت بكتابة رواية اجتماعية إصلاحية هادفة، تسلّط الضوء على فئة مهمّشة من المجتمع لتكون المحور الرئيسي فيها، تسعى إلى زرع أسمى القيم الإنسانيّة كالمحبة والمساواة والتواضع وتقبل الآخر. فهل وفقت في ذلك؟ الرّواية غيّرت مفاهيم خاطئة عديدة تتعلّق بأصحاب الإعاقة، كما قامت بثورة فكرية نحن بحاجة ماسة إليها، ساهمت في تحريك مشاعر وأحاسيس القراء ليتعاطفوا ويرغبوا في سماعي والدليل على ذلك أكثر من 1200 نسخة بيعت دون مساعدة أي دار نشرٍ، وأيضًا تم دعوتي من كافة القرى والمدن فزرتُ منذ إصدار الرّواية عيلوط والعزير ووادي سلّامة وعين ماهل والمشهد وكفر ياسيف والناصرة وكوكب أبو الهيجا وكفر مندا وكفر قرع وام الفحم. كما تم استضافتي عبر قناة مساواة ومرتين في برنامج الأسبوع على قناة 13 ريشت، وراديو مكان وراديو جمعية المنارة وموقع بانيت وموقع بكرا ووموقع وازكام وموقع وفا الفلسطيني.. قبل عدة أيام زارني في البيت ثلاث طالبات من الإعدادية لكتابة موضوع إنشاء عن شخصية بارزة في طرعان ووقع اختيارهن عليّ.