تقديم..هذه القصة واقعية .ترتبط بشكل مباشر بفترة تهجيرنا .وكان عمرى وقت خروجنا من السويس بداية سن المراهقة وكانت عودتنا مع بداية سن الشباب .ومنذ رجوعنا أنقطعت علاقتى نهائيا بموطنى الثانى ..حتى كانت رحلتى إلى القناطر الخيرية فكانت أحداث الحافلة".عندما يأتى الخريف بعد تساقط معظم الاوراق نجد أنفسنا تحت مقصلة الضمير وحساب النفس وأحيانا نجتر الذكريات الجميلة كوسيلة دفاعية ضد جفوة الحياة..-.قطعت بنا الحافلة شوطا .من السويس إلى القاهرة فى طريقها للقناطر الخيرية حيث يوم راحة وأستجمام فى أحضان الطبيعة.-. غفوت على مقعدى كعادة المصابين بدوار الحركة.و ما حدث لى أغرب من الخيال ،تنبهت . نعم ما شعرته حقيقة مؤكدة!وما اسمعه ليست بهلاوس !.فهذا صدى صوت لصبية يخرج من عبق الماضى.ضحكات مرحة بروح كلها حيوية وأقبال على الحياة.، مع إيقاع لخطوات فى مضمار سباق للأختباء من حبات مطر شقية، دقات قلبى تتراقص يوم نجاحى ،دموع فرح تغسل النفس وتمحو العار بأنتصار أكتوبر، قبلات حزينة للفراق وأنا أودع صديقات الصبا لأرجع من مهجرى لموطنى !.كل هذه الجلبة أنبثقت متدفقة ، متدافعة ..تتزاحم لمنطقة الشعور ..توقظنى لأتساءل أهى حالة نكوص لمرحلة الصبا ؟؟أو لحظة تعويض ..او حيلة من حيل النفس الدفاعية التى تصد عنى الانهيار.. تطلعت من خلف نافذة الحافلة.لأقفز كمن مسه جن.صحت بصوت يغمره الاشتياق والحنين لعمر سحقته السنين .-..ثم رحت أشير بهستريا ..فرح ممزوج بحالة وجدانية غريبة !!لوثة تلفت الأنظار .وبصوت ارتفع رغما عنى لافتا الانظار إلىّ شارعنا !سنوات صباى،الطريق الذى أمتطيته مازال يحمل حبات عرقى التى أمتزجت بثرى الارض ،حتى رائحة أنفاسى ،عبيرى مازال ممتزجا بنسمات تدغدغ وجهى وأيقاع دقات القلوب عندما خفقت بالحب الاول، وهو يلاحقنا بالابتسامة العذبة وأغانى حليم ،والرعب اللذيذ خشية أن يعرف أحد.-كل تلك المشاعر أحسستها عايشتها اللحظة كأن الزمن توقف عندها،...هللت نعم هذا طريق مدرستى وهذا بيتنا القديم وسكنى وذكرى طفولتى.-حتى شاركتنى أبنتى الصغيرة وغنت لى مطلع أغنية :الشارع ده مدرستى وصبايا ويا طفولتى ..سبقت دموعى مشاعرى .ولحظة صمت شردت فيها لأتذكر حلم اليقظةالذى داعبنى فهو رفيقى لسنوات صباى لم يتخل عنى !! يرافقنى فيقاسمنى الوقتّ ألهو معه بخيالى فى أعماق النفس..- رسمته بدقة يسحق الهزيمة.ليضعنى بعناية فى أروقةالمحاكم محامية، جريئة طموحة ، تشرف بالدفاع عن حقوق المرأة..أسمع معه تصفيق الحضور وهتاف يحيا العدل..وتقبيل يدى التى حصلت على حكم نفقة من زوج ظالم أو أثبات بنوة من عربيد غاصب.حتى لأتذكر تلك المرافعة لجارتى التى تعمد عريسها أن يذرها معلقة لا هى زوجة ولا هى إنسان.أخذت لها حكما بالانفصال من أنياب غاشم.كنت أبدأ مرافعتى بصوت جهورى واثق الخطى.بعبارات جزيلةوبطرف عينى أراقب ممثل الادعاءا لسيد وكيل النيابة بوشاحه الاحمر وعينيه الجريئتين.-التى تختلس النظرلأنثى ثائرة ،حائرة ..!! رسمه خيالى وسيما جريئا حتى أستطع تحمله فترة شرودى هاربه معه من ملل الاستذكار!! .وأراه وهو يبتسم بخبث وسخرية من المحامية التى ستقتلع من بين أنيابه حق مغتصب! لقد خُلقت لرفع الظلم عن المرأة.-كل هذه الاحلام كانت نجمة فى سماء آمالى . التى سقطت رغما عنى فوق هذاالطريق الذى مرت به الحافلة (مطيعة طايع)