لاتزال قضية المرأة التى قادت سيارتها فى الخبرقبل نحوأسبوعين تحصد قصب السبق فى أخباروتقاريرمعظم وسائل الإعلام، وموضع إثارة واهتمام وجدل فى المجتمع السعودي بين مؤيد ومعارض ومستهجن ومستنكر، بعد أن أثيرت القضية لأول مرة عبرموقع التواصل الألكتروني الإجتماعي المعروف، ومن ثم الصحافة المحلية الورقية والألكترونية، كما أصبح فيما يبدووقع هذا الخبرالمثيرلإمرأة سعودية تقود سيارة بشكل علنى ولأول مرة فى السعودية، أمرغريب وعجيب ومشكلة مبررة، لأن تثارحولها هذه الإثارة وتتناقلها وسائل الإعلام العربية والعالمية بهذا الطرح اللافت، بعد أن أثارت القضية بهذا المستوى شهية هذه الوسائل، وبالتالي إهتمام كل المراقبين والمتابعين لشئون المرأة على مستوى الساحة العربية والعالمية، كل هذا الإهتمام الملحوظ لإمرأة تقود سيارة فى السعودية، وهوأمراعتبره جميع هؤلاء المتابعين لهذه القضية يستحق كل هذا الإهتمام وهذه الإثارة لهذه الضجة الإعلامية المفتعلة..! ولكن مايثيرالدهشة إزاء هذه القضية حقيقة هوذلك التشنج اللافت الذي أثاره المتشددون من المعارضين لقيادة المرأة للسيارة وغضبهم واستنكارهم لهذا الفعل الشاذ من وجهة نظرهم، الذى إعتبروه خروجا عن طبيعة العادات والتقاليد المرعية فى البلاد، بل وانتهاكا صارخا للخصوصية التى تتميزبها السعودية وتحويل مسارملابسات المشكلة إلى قضية دينية وإعطائها أبعادا شرعية، فيما اعتبرالبعض هذه القضية تأتي فى سياق المؤامرات التغريبية التى ينبغي التصدي لها، ومن ثم ماتلا ذلك من التهديد والوعيد وإطلاق العنان للكثيرمن وجهات النظر المحتجة والرافضة عبرتلك الحملة الشعواء التى شنت من قبلهم ضد هذه السيدة العصماء، والتى أبرزت القضية بعد هذه التجاذبات، وكأنها حدث مذهل لأول إمرأة فى العالم تقود سيارة..! والسبب كما يقول هؤلاء بأن هذه السيدة قد إخترقت تلك الخصوصية المتميزة، فى السعودية، وهي المسوغ الجاهزالذى يلوح به ويعتمده ويتشبث به على الدوام من قبل هؤلاء عند بروزأوظهورأي ظاهرة أوقضية تنموية مستجدة فى البلاد، وكما حدث من قبل، عندما ظهرت لأول مرة آلة تصويرالهاتف الجوال. وقد أشارإلى ذلك فى أمثلة ونماذج سابقة ومماثلة أيضا، الشيخ عايض القرني فى معرض تعليق له فى حديث متلفزعرض مؤخرا حول هذه القضية، حينما ذكربأنه أثناء بداية تعليم المرأة وكذلك بداية البث التلفزيوني، سبق وأن إثيرت مثل هذه المشاكل التى كانت تثاركما يقول بسبب اللبس واللغط عند البعض، ولكن مع مرورالوقت سرعان مايتم إستيعاب وتجاوزهذه المشاكل فيما بعد، مؤكدا على إنه لا يوجد أي دليل يمكن أن يستند إليه المعارضون لقيادة المرأة للسيارة، ويقصد به قطعا الدليل أوالنص الشرعي الذي يحرم على المرأة قيادة السيارة. ومن المعلوم بأن أكثرنا قد تابع موضوع أسباب توقيف هذه السيدة من قبل المرور، وقد كان يتعلق بمخالفة مرورية، وهي القيادة بدون رخصة مرورية، وبالتالى ما أحدثته القضية على مستوى بعدها الخارجي. ولكن مالفت إنتباهي وأدهشني حقا فى أمرهذه الإحتجاجات ضد هذه السيدة، لم يكن لرأي قد أدلى به رجل دين، يعتقد بصحة ماذهب إليه فى رأيه فى هذه القضية وله شأنه فى ذلك، ولكن ماصدرللأسف من أحد الكتاب المحسوبين على قائمة المثقفين والكتاب كما يقول هونفسه، ممن تحدث بلسانهم وبلسان شرائح المجتمع - الذين يدركون الخطأ الكبيرالذى ارتكبته هذه السيدة فى حق نفسها ومجتمعها- بحسب قوله، وهوأغرب رأي قرأته فعلا في موضوع هذه القضية، من كاتب كان يعرف بموقفه الإنفتاحي نحوتوجهات المرأة التنموية، لكننا وجدناه هنا يهادن على حساب قناعاته وآرائه الشخصية، فكان الأحرى به أن يحتفظ بهذه القناعات والآراء الخاص به لنفسه، خاصة بعد أن أبدى تعاطفه مع هذه السيدة فى أول المقالة، ورغم أن له كما أشرت آراء سابقة أخرى معاكسة أيضا، تدعم التوجهات الإنفتاحية للمرأة، ولعمري لاأدري من الذي خول هذا الكاتب لأن يسجل أويجيررأيه الشخصي بإسم الكتاب وشرائح المجتمع، كما أشارإلى ذلك فى مقالته - تخطأة وتجريما - لما فعلته هذه السيدة المحترمة..!! وأقول أيضا بأنه رغم أن هذه الحملة التى شنت وأثيرت على خلفيات هذه القضية وبهذا الزخم الإعلامي المبالغ فيه، فإنها لاتحتمل في تقديري كل هذه الإثارة، وذلك الكم الهائل من (عويل وصراخ) المتشنجين فى الداخل على مجرد قضية إجتماعية عابرة، وبالتالي إعطائها هذه المساحة الهامة من الإنتشارعبرالكثيرمن وسائل الإعلام داخليا وخارجيا، وطرحها كقضية(نكون أو لانكون) لقضية هامشية كهذه، سلطت عليها الأضواء الإعلامية من كل الإتجاهات وبالشكل الذى تم تناوله. فهذا هوالوضع الخاطئ الذى أخرج القضية عن سياقها الإعتيادي كقضية إجتماعية داخلية عابرة، كان يمكن معالجتها بطريقة هادئة ومختلفة قد لايلتفت إليها أحد، لكن التصدي المضاد لوجهة النظرالمعارضة والمتشددة إزاء ذلك، قد أوجد وأبرزبشكل لافت هذه القضية للمشهد الإعلامي المحلي والخارجي، وبحيث أشغلت القضية الرأي العام العربي، وربما تفوقت فى تناولها وعرضها وتغطياتها وبعدها الإعلامي، بالأساليب التى برزت بها على كثيرمن الأحداث المهمة والخطيرة التى تمربها الساحة العربية والدولية عموما، وحتى بدت القضية بهذا التصعيد، وكأنها تمثل إحد مفاصل قضايانا الوطنية المصيرية المحلية، وربما نظرإليها الآخر، على أنها إحدى أهم القضايا التنموية للعالم الثالث كما يسمونه.! وتلك هي المفارقة العجيبة الصادمة التى أثارت فيما يبدودهشة، ليس المهتمين بشئون وحقوق المرأة فقط، ولكن كل المتابعين والمراقبين فى أنحاء المعمورة..!! احمد علي الشمر [email protected]