من العجب العجاب أن نرى بعد ثورة 25 يناير حرباً سياسية شاملة شنتها كل القوى على بعضها البعض بالنقد والطعن والنبذ ومحاولة العزل السياسي لكل طرف من قبل الآخر، ومن الأعجب أن نرى تلك الحرب الخاصة التي بدأت بشكل خاص ضد الدكتور محمد البرادعي، فهذه حالة تستحق الانتباه والتساؤل ومعرفة الأسباب. لماذا يحارب هذا الرجل ويطعن في مصريته ووطنيته ونزاهته ويقال إنه صناعة أمريكية جاء بأجندة أمريكية لتخريب مصر. الدكتور محمد البرادعي أول من طالب علناً وبصوت عال مسموع بإصلاحات سياسية في مصر منذ عودته بعد نهاية ولايته في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو أول من أصر وصمم على إجراء هذه الإصلاحات وكان الكثير من المصريين وقتها يصفقون ويهللون وينادون باسمه في الداخل والخارج على جرأته في المواقف والتحدث فيها بثبات كان يفتقده الكثير من رؤساء الأحزاب السياسية في مصر وقتها خوفاً من السجن أو على الأقل التعرض للضغوط ، وكلنا نعم ما حدث مع الدكتور أيمن نور بعد ترشحه لرئاسة الجمهورية في 2005. ومن يمتلك الرؤية السياسية يرى في هذا الرجل المثال الطيب الحكيم بعيد الرؤى، الرصين في أدائه، الهادئ الثابت الواثق من نفسه، فهو رجل أفعال لا أقوال، بدليل أنه يفكر جيداً قبل أن يطلق الكلمة ويعلم إلى من يوجهها وأين وكيف ومتى سيوجهها ويعلم أنه سيحاسب عليها، ومواقفه كلها تدل على ذلك. فلو اطلعنا جيداً على قائمة المطالب التي نادت بها ثورة 25 يناير وحققنا النظر لوجدناه قد أعلنها قبلها ب3 سنوات على الأقل بل وأنشأ لها موقعاً تابعاً للجمعية الوطنية للتغيير على شبكة الإنترنت وأعلنها وطالب المصريين بالتوقيع عليها للمطالبة بها، وعندما قامت الثورة وظهر الرجل على الساحة على نطاق أوسع بدأ إعلامنا الكاذب الفاشل وقتها بتشويه صورته واتهموه بخيانته لمصر، بل وطعنوا في نزاهته ونسبوا إليه ما حدث في العراق من احتلال أمريكي غاشم، بأنه المتسبب وهو من قال أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، فين حين أن من يذكر تقريره للوكالة الدولية للطاقة الذرية والذي أجزم فيه أن العراق لا يمتلك هذه الأسلحة ولا يستحق لتدخل أي قوى خارجية، هذا التقرير كان السبب الأول في إبعاده عن الوكالة وعدم التجديد له. واتخذت الولاياتالمتحدة وبريطانيا كل الذرائع الغير صحيحة لدخول العراق، ومن يستطيع أن يكذب ذلك فليأت بإثباتات. ومنذ قيام ثورة 25 يناير خرجت كل القوى تطالب بإصلاحات، ولكن عندما سال الدم خرج الرجل منادياً "لا حوار ولا تفاهم قبل رحيل مبارك"، في حين أن معظم القوى السياسية رضخت للضغوط المتواصلة على ساحة الثورة وتوجست من فشلها وعلى رأسهم الإخوان المسلمون واتجهت لمبدأ الانصياع للحوار الذي أطلقه عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية وقتها والذي كاد يضعف قوى الثورة ويفشلها لولا توفيق الله سبحانه وتعالى وثبات شباب الثورة، فمن يكذب هذا الكلام؟ وإن كان الرجل قد نادى من قبل بعدم الموافقة على التعديلات الدستورية فهذا حق مطلق له، فهو شخص له ؤيته الخاصة ولا بد أن يكفل القانون له حرية الرأي، فضلاً عن أنه رئيس جمعية تعد من القوى الكبيرة التي عملت على نجاح الثورة ولها رؤيتها أيضاً ومن حقه أن ينادي بها وفي النهاية قال الشعب كلمته، فلم يعاقب الرجل على ذلك بالتهجم عليه أمام لجنة التصويت ويطرد ولا يدلي بصوته وتلقى عليه الحجارة ويضطر للتوجه للجنة أخرى للتصويت أمامها في حين أنه مرشح لرئاسة الجمهورية؟ هذه هي الحرية والديمقراطية التي ننادي بها؟ الرجل الذي قال لا للظلم والفساد والباطل وإهدار كرامة الشعب المصري في الداخل والخارج وإهدار دم المصريين دون ثمن، وسرقة مقدرات الشعب وتدمير شبابه وثرواته والإنفاق منها على أعتى أعداء الدولة، في حين كان الجميع يقول نعم لهذا الفساد طوعاً وكرهاً، هذا الرجل حق له أن يحترم ويقدر ويحمل فوق الرؤوس والأعناق، لا أن يقابل بكل هذا التهكم في الصحف وعلى الإذاعات والفضائيات وتقابل كل أحاديثه بالتكذيب والتضليل والتقليل من أهميتها ورفضها من عديمي الرؤى والمنتمون لأحزاب الكلام الذين لم نرى منهم سوى الكلام، فأمن الدولة في خطر، واقتصادها في انهيار مستمر، ولم نرى أي حزب محترم قدم خطة معلنة لدعم الاقتصاد حتى الآن ولم نرى منهم من وضع خطة لبسط الأمن وكل مشغول بنفسه. هذا الرجل يستحق الاحترام والتقدير على كل مواقفه، وإن كان في مصر من لا يؤيده أو ينتمي لفكر لا يقبل به كرئيساً لمصر، فهناك أيضاً في مصر من يؤيده ويرفع له القبعة وينادي به رئيساً لمصر ، هذه هي الديمقراطية الحقيقية واحترام الرؤى والاعتراف بالآخر، هذا ما نريده في مصر بعد ثورة 25 يناير التي بذلنا الدماء من أجلها، من أجل عزة وكرامة مصر وليس من أجل بروز جماعة أو حزب على حساب الآخر، ولنعمل ونترك الشعب يقول كلمته، ومن يستحق أن يلقب ب "رئيس مصر" فسوف يصبح رئيساً لمصر.